الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.أول ترجمه بالعربيه لمقدمة ليون تروتسكى لكتاب“حياتى“1929

تيار الكفاح العمالى - مصر

2018 / 3 / 9
الارشيف الماركسي




.زمننا اليوم غنيٌّ بكتب السير الذاتية، بل و ربما أغنى من أيّ وقتٍ مضی، و هذا لأنه يوجد الكثير ليُروی. إذ أنه كلما كانت
الأحداث التي غيّرت عهدنا غنيةً و درامية، كلما زاد الإهتمام بالتاريخ الحاليّ. إنّ فن رسم المناظر الطبيعية لم يكن أبدا ليولد في الصحراء. و إن تقاطع عهدين، مثلما يحدث في الحاضر، يزيد فينا الرغبة للنظر إلى البارحة- و الذي أصبح بالفعل بعیدًا جدا- من خلال أعين هؤلاء الذين شاركوا بفعاليةٍ فيه. هذا هو سبب التنامي الضخم في أدب ذكريات الوقائع منذ أيام الحرب الأخيرة، و ذلك هو أيضا سبب كتابة هذا المجلّد.
إنّ السبب الحقيقيّ لمجيء هذا الكتاب إلى العالم هو التوقف المؤقت لحياة كاتبه السياسية. لقد كانت القسطنطينية أحد المحطات غير المتوقعة، في حياتي، و غیر العرضیة مع ذلك. ها أنا أحطّ الرحال- ليس للمرة الأولى- و أنتظر بصبرٍ ما ستحمله الأيام. إنّ حیاة الثوريّ ستكون مستحيلةً للغایة بدون كمية معیّنة من الإيمان بالقدر. و بطريقة أو بأخرى، أمّن لي هذا الفاصل من الراحة في القسطنطينية اللحظة الأكثر ملائمةً للنظر إلى الخلف قبل أن تسمح لي الظروف بالتقدم إلى الأمام.
في البداية كتبت للجرائد مسوداتً سطحية لسيرتي الذاتية. و فكرت أنني سأترك الأمور عند ذلك الحال، و أنشرها. و هنا أودّ أن أقول، أنه من منفاي لم أكن قادرا على مراقبة الشكل الذي ستصل به هذه المسودات إلى الجمهور. لكن لكل عملٍ منطقه الخاص. إذ لم أصل إلى ذروة نشاطي إلا بعد أن أنهيت هذه المقالات. و حينها قررت أن أكتب كتابا بأكمله. لقد طبقت مقياسا مختلفا و واسعا بشكل لا نهائيّ، فقمت بتجديد العمل كليا.
لقد عالجت بتفصيل استثنائي المرحلة الثانية من الثورة السوفياتية، بداية ما تصادف مع مرض لينين، و افتتاح الحملة ضد التروتسكية. إن صراع الأتباع لأجل السلطة، لم یكن صراع شخصيات فحسب، بل قدّم فصلا سياسيا جديدا، ردة فعلٍ ضد أكتوبر و تحضيرًا للتيرميدور. و من هنا جوابٌ للسؤال الذي طُرح عليّ بصورة طبيعية- "كيف خسرت السلطة؟".
حتما لابد للسيرة الذاتية المتعلقة بثوريّ و رجل سياسة أن تلامس مجموعات كاملة من الأسئلة النظرية المرتبطة بالتطور الإجتماعي لروسيا، و بالبشرية ككل. و خاصة بتلك الفترات الحرجة التي تُسمى ثورات. و طبعا لم أستطع في هذه الصفحات أن أتفحص مشاكل نظرية معقدة بشكل حساس في جوهرها. النظرية المعروفة باسم "الثورة الدائمة"، و التي لعبت دورا هاما في حياتي الشخصية، و أهم من ذلك، أنها تحوز قدرا كبيرة من الحقیقة فيما يجري ببلدان الشرق. و هي فكرة متكررة تسري في هذا الكتاب. و إذا لم يرضي هذا القاريء، فإنه بإمكاني القول أنه اعتبارا لمشكلة الثورة الدائمة في جوهرها، سأؤلف كتابا منفصلا أسعى فيه لصیاغة الإستنتاجات النظرية الرئيسية لتجارب العقود الأخيرة.
عندما سيمر العديد من الناس عبر صفحات كتابي هذا، حیث يجدون أنه لم يتم تصوريهم حتما بالطريقة التي يبتغونها لهم أو لأحزابهم. الكثير منهم سيتكشفون أن روايتي تفتقد للتجرد المطلوب، و حتى أن المقتطفات التي نشرت من سيرتي الذاتية قد أثارت الإنكار في الصحف. و هذا أمر لا يمكن اجتناب وقوعه. لا یوجد شك أني حتى لو استطعت جعل سيرتي الذاتية تبدو كتصوير دغري خالص لحياتي- و هذا ما لم أنوي فعله- لكانت مع ذلك نادت مسبقا بأصداء من المحادثة التي بدأت في زمن الصدامات المذكورة في السيرة. هذا الكتاب ليس صورة فوتوغرافية لحياتي. لکنه علی أية حال جزء أساسي منها. فيه أتابع هذا الصراع الذي كرست حياتي بأكملها له. و أقوم بالهجوم في أحيان كثيرة كذلك. يبدو لي أن هذه هي الطريقة الوحيدة لجعل سيرة ذاتية موضوعية بمعنی حقيقي. و هذا بجعلها أكثر التعابير ملائمة للشخصية، و الظروف، و الزمن.
إن الموضوعية ليست زعم اللامبالاة- و التي تثبت النفاق- عند الحديث عن الأصدقاء أو الأعداء، أو التلميح للقاريء في طريقة غير مباشرة بما تجده غير ملائم لتذكره. هذا النوع من الموضوعية ليس سوى احتيال تقليديّ. و لا أحتاج إليها مادمت سلّمت إلى ضروريات الكتابة حول نفسي- إذ لا أحد يستطيع كتابة سيرة ذاتية ما لم يتحدث عن نفسه- و ليس لدي ما يدفعني لإخفاء مشاعري من تعاطف و حب و كره.
إن هذا كتاب جدليّ، و یعكس دينامية الحياة الإجتماعية تلك التي بُنيت بأكملها على تناقضات. وقاحة التلميذ نحو معلمه؛ و وخزات دبوس الحسد- المتسترة تحت غطاء المجاملة- في قاعة الإستقبال؛ و المنافسة التجارية الدائمة؛ و التنافس المسعور في كل فروع العلم النظري و التطبيقي، و كذلك الفن و الرياضة؛ و الصدامات البرلمانية التي تكشف تعارضا عميقا في المصالح؛ و الصراع الحانق الذي يستمر كل يوم في الجرائد؛ و إضرابات العمال؛ و إطلاق النار على المشاركين في المظاهرات؛ و رزمات القنابل التي ترسلها الدول المتحضرة الجارة لبعضها البعض عن طريق الجو؛ و اللسان الملتهب للحرب الأهلية. و التي تقريبا لم تنطفئ أبدا على كوكبنا- هذه كلها من جدليات المجتمع. حیث تتراوح من تلك التي نراها اعتيادية و ثابتة و عادية و تقریبا غیر مُلاحظة بالرغم من قوتها، إلى تلك الخاصة بالحرب و الثورة و التي هي غیر عادية و انفجارية و بركانية، و هكذا هو عصرنا. و لقد تربينا جميعنا معه و تنفسناه و عشنا فیه. كيف بوسعنا أن نكون جدليين إذا أردنا أن نكون صادقين نحو عصرنا و نحن نعیش مزاج كل يوم على حدى؟
لکنه یوجد معيار آخر أكثر بساطة، معیار یرتبط بوضوح الوعي في ذكر الوقائع. و تماما مثلما هو محتم على الصراع الثوريّ أن يقع في حيز من الزمان و المكان، فإنه على أكثر الأعمال جدلية أن تراعي التناسب بين الأشياء و البشر. و آمل أنني راعیت هذه المطالب ليس فقط في عمومياتها و لكن كذلك في جزئياتها.
إنني في العديد من الحالات- بالرغم من أنها ليست كثيرة- أقوم بصياغة حوارات لمحادثات جرت منذ زمن طويل. لیس المطلوب مني أن أعدّ تقريرا حرفيا عن محادثات أعيد سردها بعد سنوات عديدة. و لست أدّعي دقّة مثل هذه. بعض هذه المحادثات تحتوي بالأحرى على شخصية رمزية. و مع هذا فإن كل شخص لديه بعض اللحظات في حياته حيث انحفرت محادثة ما في ذاكرته بشكل غير قابل للإزالة. فعندما يعيد المرء ذلك النوع من المحادثات لصديقه الشخصي أو السياسي، و بفضل ذلك، تصبح تلك المحادثة المعينة محفورة في ذاكرته، و أنا بالطبع أقصد بشكل أساسي تلك المحادثات ذات الطابع السياسي.
قد أصرّح هنا أنني معتاد على الوثوق بذاكرتي، و إن شهادتها قد أخضعها الواقع للتحقيق أكثر من مرة، و أنها اجتازت الاختبار بنجاح مثاليّ، لكن الإحتياط ضروريّ، حيث إذا كانت ذاكرتي الطوبوغرافية- دون أن أذكر ذاكرتي الموسيقية- ضعيفة للغاية، و ذاكرتي البصرية و اللغوية متوسطة إلى حد ما، فإن ذاكرتي الفكرية فوق الوسط بشكل معتبر. و علاوة على ذلك فإن أفكار هذا الكتاب، و تطورها، و التضحيات التي بذلت لأجلها، تحوز المكانة الأكثر أهمية.
صحیح أن الذاكرة ليست عدادا أوتوماتيكيا، لکنها فوق كل شيء ليست غير مبالية، و لیس نادرا أن تُنفی أو تُحشر في زوايا مظلمة يصعب الخروج منها، و مواقف ليست حيوية للغريزة التي تسيطر على الذاكرة- و هي الطموح. لكن هذا الموضوع يتعلق بالنقد التحليلي النفسي، و الذي هو أحيانا مبدع جدا و تثقيفيّ، لكنه في الغالب نزوي و اعتباطي.
و لست بحاجة للقول أنني قمت باستمرار بتفحص ذاكرتي استنادا لأدلة توثيقية، و لقد كان عملي صعبا بصعوبة ظروفي، العمل المتعلق بالتحقيق في المكتبات و استخراج الأرشيفات، و قد استطعت التحقق من كل الوقائع المهمة و التواريخ التي احتجتها.
بداية بـ 1897 قمت بشن الحرب باستعمال القلم غالبا. و هكذا فإن وقائع حياتي تركت أثرا في مطبوعاتي غير المترجمة بالغالب علی طول 32 عاما. لقد كان الصراع الفئوي الذي بدأ عام 1903 داخل الحزب ملیئا بالأحداث الشخصية، و إن خصومي- مثلي أنا- لم يمتنعوا أبدا عن تسديد الضربات. و جميعهم تركوا ندباتهم في مطبوعاتهم التي نشروها. و منذ ثورة أكتوبر، حاز تاريخ الحركة الثوريّة مكانا مهما جدا في أعمال الباحثين السوفياتيين الشبان و كذلك في كل المعاهد. و يوجد كل شيء مهم في أرشيفات الثورة و في دوائر الشرطة القيصرية، و قد تم نشره مرفقا بتعليقات مفصلة و حقيقية. في السنين الأولى، عندما لم تكن هناك أي حاجة لتصنيف أي شيء، قامت دار نشر الدولة بطبع أعمال لينين و بعض أعمالي مع ملاحظات و هوامش تحتوي على دزينات من الصفحات التي تحتوي على مواد ثمينة و حقیقية تتعلق بنشاطات المؤلف و الوقائع في الفترة المتوافقة على حد سواء. كل هذا طبعا سهّل عملي و ساعدني على تحديد الحيّز الزمني الصحيح و تجنب الأخطاء أقلّه تلك المهمّة منها.
ليس بوسعي إنكار أن حياتي لم تتخذ المسار الطبيعي على نحو تام. و الأسباب التي تكمن وراء ذلك متأصلة في ظروف الزمن. و لیست متعلق بي ذاتيا. طبعا بعض الميزات الشخصية التي أديتها كانت ضرورية لأجل العمل، سواء جيدة أو سيئة. لكن هذه الخواص الشخصية كانت لتبقى مدسوسة تحت ظروف تاريخية مختلفة. و هذا ما ينطبق على عديد الميولات و الطموحات التي لا تتطلبها البيئة الإجتماعية. من جهة أخرى، فإن بعض الخصائص الحالية المزدحمة و المكبوتة قد تبرز. إن الموضوعیة تقوم فوق الذاتية . و في آخر تقدير فإن الموضوعية هي من تقرّر.
کانت حياتي الفكرية و النضالية، و التي بدأت عندما كنت حوالي السابعة عشر أو الثامنة عشر من العمر، صراعا دائما لتحديد الأفكار. لم تکن هنالك في حياتي الشخصية أحداث لجلب الاهتمام العام. کل الأحداث غير الإعتيادية التي جرت في حياتي صغيرة كانت أو كبيرة، هي مرتبطة بالصراع الثوري. و تستمد أهميتها منه. و هذا ما يبرر كتابتي لهذه السيرة الذاتية. و لكن من نفس المصدر هذا تنبع الكثير من الصعوبات بالنسبة للمؤلف. فإن أحداث حياتي اشتبكت مع منسوج الأحداث التاريخية حيث بات من الصعب فصل الإثنتان. و فضلا عن ذلك فإن هذا الكتاب ليس عملا تاريخيا بكل ما في الكلمة من معنى. إن الأحداث المذكورة هنا لم تُعامل وفقا لأهميتها الموضوعية. و لكن وفقا للطريقة التي ترتبط فيها بحياتي الشخصية. إن هذا طبيعي تماما، و هكذا فإنه يعوز الروايات المذكورة لأحداث معينة و فترات بأكملها التناسب المطلوب في عمل تاريخي. كان عليّ أن أضع خطا فاصلا بين السيرة الذاتية و تاريخ الثورة. دون أن أسمح لقصة حياتي الشخصية بأن تضيع وراء أطروحة تاريخية. و كان من الضروري في نفس الوقت أن أعطي للقاريء قاعدة من الوقائع حول التطور الإجتماعي. و عندما كنت أقوم بهذا، افترضت أنه يجهل الخطوط العريضة الرئيسية للأحداث الكبرى. و أن كل ما تحتاجه ذاكرته هو تذكير مختصر للوقائع التاريخية و نتائجها.
عندما يحل وقت نشر هذا الكتاب، سأكون قد بلغت عيد ميلادي الخمسين و الذي يتصادف مع تاريخ ثورة أكتوبر. إن المتصوفين و الفيثاغوريين سيستفيدون من تلك الصدفة مهما كانت استنتاجاتهم، أنا نفسي لم ألاحظ هذه الصدفة الغربية إلا بعد ثلاث أعوام من قيام ثورة أكتوبر. عشتُ حتى التاسعة من عمري في قرية صغيرة نائية. و درستُ في المدرسة لثمانية سنوات. و قد قُبض علي للمرة الأولى بعد عامٍ من تركي للمدرسة و للجامعة كما فعل الكثيرون من أبناء جيلي، و قد تمّ حبسي في سيبيريا و نفيي خارجا. قضيتُ مدة أربع سنين حبس لفترتين في سجون القيصرية. قضيتُ قرابة العامين في المرة الأولى في المنفى القيصري، و مدة أسابيع في المرة الثانية. فررت مرتين من سيبيريا. و عشتُ كمهاجر أجنبي مدة إثني عشر عاما تقريبا و كانت كلها في بلدان أوروبية متعددة و كذلك في أمريكا- بعد سنتين من ثورة عام 1905، و مرة أخرى بعد عشر سنوات من فشلها. في عام 1915 و خلال الحرب حُكم علي غيبيًا بالسجن في هوهنزولرن بألمانيا؛ و في العام الذي تلی طُردت من فرنسا و إسبانيا، و بعد إقامة وجيزة في سجن بمدريد و شهر في قادس تحت مراقبة الشرطة، رُحِّلت إلى أمريكا. كنت هناك حين اندلعت ثورة فبراير. في طريقي من نيوورك قبض علي البريطانيون في مارس 1917، و احتُجزت لشهر في معسكر اعتقال بكندا. كان لي دور في ثورة عامي 1905 و 1917، و كنت رئيس مندوبي سوفییت سانت بطرسبرغ عام 1905، و كذلك في عام 1917. كان لي دور صميميّ في ثورة أكتوبر، و كنت عضوا في الحكومة السوفيتية. شغلت منصب مفوض العلاقات الخارجية، و قد أجريتُ مفاوضات السلام في برست ليتوفسك مع المفوضين من ألمانيا، و النمسا- و المجر، و تركيا، و بلغاريا. و اشتغلت في منصب مفوّض الشعب للشؤون العسكرية و البحرية، و كرست حوالي الخمس سنين لتنظيم الجيش الأحمر و إعادة تجديد البحرية السوفيتية. و خلال عام 1920 أضفت لذلك قيامي بتوجيه نظام سكك الحديد الفوضوي.
و مع ذلك فقد كان مضمون حياتي الجوهري- ما عدا سنين الحرب الأهلية- النشاط الحزبي و الأدبي. في عام 1923 بدأت دار نشر الدولة بنشر مجموع أعمالي. و قد نجحت في إصدار ثلاثين مجلدا، دون احتساب الخمس مجلدات عن المواضيع الحربية التي نُشرت سابقا. قُطع النشر في عام 1927، عندما أصبح اضطهاد "التروتسكية" أكثف بصورة إستثنائية.
في يناير عام 1928 قامت الحكومة السوفيتية بنفيي، و في ذلك الوقت قضيتُ سنة على الحدود الصينية؛ في فبراير عام 1929 تم ترحيلي إلى تركيا، حيث أكتب الآن هذه السطور في القسطنطينية.
حتى في هذة النبذة المختصرة، فإن المسار الظاهري لحياتي بالكاد يمكن أن يُطلق عليه لقب وتيري. بل على العكس، عند عدّ التحولات، و المفاجآت، و المواجهات الحادة، و الصعود والهبوط، أستطيع القول بأن حياتي كانت بالأصح مليئة بالـ"مغامرات". لكن وجب علي القول أنه، و لميلي الفطري, فإني لا أشترك مع الذين يسعون خلف المغامرة في شيء. فأنا في الواقع دقيق و تحفظيّ في عاداتي. أحبذ الإنضباط و النظام. لا لإيجاد التناقض، بل لأنه حقيقة، عليّ أن أضيف أنني لا أتحمل الإضطراب و التدمير. إذ لطالما كنت طالبا دقيقا و مواظبا، و احتفظت بتلك الميزتين طوال حياتي. في سنوات الحرب الأهلية، و عندما قطعت بالقطار مسافات متساوية لعدة لفات حول الكرة الأرضية، كنت جدّ مسرور لرؤية كل سياج جديد شُيّد من ألواح صنوبر قطعت حديثًا.
و غالبا ما لامني لينين- الذي يعرف عادتي هذه- علیها بنحو وديّ. إني لطالما اعتبرت الكتب المكتوبة بطريقة جيدة و التي يستطيع المرء أن يجد فيها أفكارا جديدة، و لطالما اعتبرت القلم الجيد الذي تستطيع من خلاله إيصال الأفكار من شخص إلى آخر- و لا أزال أعتبرهما في الوقت الحاضر- أكثر منتجات الثقافة قیمةً و حمیمیّة. لم تتركني أبدا الرغبة في الدراسة، و لقد شعرت في أوقات كثيرة من حياتي أن الثورة كانت تقاطع عملي النظاميّ. و مع هذا فإنّ ثلث قرن من حياتي الواعية كان مليئا بالصراع الثوري. و لو توجب عليّ عيشه من جديد لأخذت نفس الطريق بغير تردد. أنا مجبر على كتابة هذه الأسطر كمنفيّ- للمرة الثالثة- بينما يملأ أصدقائي المقربین أراضي المنفى و سجون الجمهورية السوفياتية التي لعبوا دورا بالغ المصيرية في خلقها. بعضهم الآن يترددون و يتقهقرون و ينحنون أمام العدو، بعضهم يفعلون هذا لأنهم متعبون ذهنيا؛ و البعض الآخر لأنهم لا يجدون طريقا آخر للخروج من متاهة الظروف تلك، و أيضا البعض بسبب الانتقامات المادية التي تمارس عليهم. لقد عشتُ مرحلتين للهروب الجماعي من حول الراية: بعد انهيار الثورة، و خلال بداية الحرب العالمية، و هكذا أعرف كفاية من تجربتي المد و الجزر التاريخيين، لكنهم محكومون بقوانينهم الخاصة و إن نفاذ صبرهم الخالص لن يعجّل تغيير أرائهم. لقد نشأتُ معتادا على مقاربة المنظور التاريخي ليس من موقف قدري الخاص، و علی فهم التسلسل العرضي للأحداث و إيجاد مكان ما في السلسلة من موقع هذا الشخص نفسه. هذا هو واجب الثوريّ الأول. و هو في نفس الوقت أعظم رضا شخصيّ يمكن تحقيقه للرجل الذي لا يحدّ من مهامه مقتصرا على اليوم الحاضر.
.ليون تروتسكي،1929
.ترجم عن الانجليزيه بمعرفة الرفاق بالجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الذات التروتسكية
فؤاد النمري ( 2018 / 3 / 9 - 22:22 )
ما شأن يروليتاريا العالم بذات ترتسكي
هم قطعاً يهتمون بنعالاتهم تساعدهم في الوصول إلى أعمالهم يكدحون لتحصيل خبزهم من خلال استغلالهم أكثر من اهتمامهم بذات تروتسكي

اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا