الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورقيبة بين التأليه و الشيطنة

هيثم بن محمد شطورو

2018 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


انه ليس من السهل اطلاق حكم نهائي على الزعيم "حبيب بورقيبة". ما يدهش اليوم بعد كل هذه السنوات من ازاحته من الحكم، ان يُـثار غبار الحرب بين من يعتبرونه إلاها و بين من يعتبرونه شيطانا..
الحقيقة الواضحة انه ليس بهذا أو ذاك و إنما المصطفون هنا و هناك يجعلون من نظرة جزئية موقـفا مطلقا..
و بشكل عام لا يمكن ان نـقـفـز على حقيقة فرادة المنهج البورقيبي في تـثوير المجتمع و الخروج به من انحطاطه الذاتي، و لكن التأليه له لا يستـقيم من حيث أن "بورقيبة" في النهاية تكون مزيته أنه نفذ كرجل سلطة تطلعات النخبة التونسية و افكارها التحررية..
بورقيبة ألغى تعدد الزوجات و لكن لا ننسى أن العلامة الزيتوني الشيخ "طاهر الحداد" صاحب كتاب "إمرأتنا في الشريعة و المجتمع" هو الذي حلل الفكرة و قام باجتهاد اسلامي جريء بالنسبة لحالة الجمود المسيطرة على الفكر الاسلامي. كان صراع هذا المفكر في ثلاثينات القرن العشرين و الذي عانى منه الطرد من المجمع الكهنوتي الزيتوني، و النبذ و التكفير..
من جهة أخرى لا ننسى ان تونس فيها منذ قرون ما يسمى "الصداق القيرواني" و الذي يعطي العصمة للمرأة ان أراد الرجل التزوج بثانية فلها ان تُطلقه. كما ان نسبة تعدد الزوجات لم تكن تتعدى في الواقع نسبة 2 في المئة حين صدور مجلة الاحوال الشخصية..
و بالتالي فان المجتمع كان فيه من القوى المتلائمة مع نصوص هذه المجلة، و بالتالي فالزعيم جسد ارادة شعبية..
بورقيبة كرئيس جمهورية جسد أفكار الشيخ العلامة "الطاهر الحداد" كما ان مجلة الاحوال الشخصية قام بإعدادها مجموعة من شيوخ الزيتونة و منهم الشيخ "جعيط" والد المفكر التونسي الكبير "هشام جعيط"..
صحيح ان بورقيبة تدخل ليمنع أي شكل من اشكال تعدد الزوجات، و لكن المجلة هي من اعداد شيوخ الزيتونة المتـنورين...
اما عن التعليم فصحيح ان بورقيبة كان له دور كبير في ذلك، و لكن هو ليس بالأول في العالم العربي، فقد سبقه "طه حسين" في مصر حين كان وزيرا للمعارف و بدأ في اقرار مجانية التعليم و الاتجاه الى التعليم العصري. كذلك الامر في العراق و سوريا، اضافة الى ان بورقيبة جسد في ذلك رغبة الشعب في التعلم..
و لكن بورقيبة قام بأخطاء فظيعة لازلنا نعاني منها الى اليوم نتيجة استـفراده بالسلطة و نتيجة قرارات مصيرية اتخذها بسرعة و ارتجالية، و أهمها هو صفحة الغدر التي قام بها في حق "احمد بن صالح" و المنهج الاشتراكي الذي وحده بإمكانه بناء دولة عالمثالثية كدولة حديثة و نامية.
كما ان بورقيبة بعدما تأسست نخبة من الشباب كان من المفترض أن يبدأ في الاعداد لشكل من اشكال الحياة الديمقراطية، و لكنه بدل ذلك عمل على خنق الصحافة و تدجين العقول و بالتالي تدمير ما ساهم هو نفسه في انجازه..بل أصبح المثـقـفون يرددون أن حرية التعبير و تأسيس الصحف في زمن الاستعمار الفرنسي كانت أفضل بما لا يُقاس..
لقد تحول بورقيبة من رجل دولة الى رجل سلطة. كانت تونس أمامه فأصبح هو أمام نفسه يتعشقها..
ربما هو مصاب بداء العظمة و هو ذاك العظام الذي يجعله يتخيل نفسه إلاها، و لكن بقدر ما يتضخم ذاك الوهم بقدر ما كان ينفصل عن الواقع الأرضي و هو يعتـقد في نفسه الشمس التي تـشرق على البلاد كل صباح..
ثم ان الصراع بين البورقيبـيـين و الاسلاميين هو صراع تمويهي غير حقيقي و غير قائم على المحاججات التي تهم التحرر و العدالة و التنمية الاجتماعية..
من جهة أخرى لا ننسى ان اسلاميي تونس لم تـنـتجهم التربة التونسية فهم غرباء عنها و هم تركيب هجين..هذا التركيب ساهم وزراء "بورقيبة" في صنعه للحد من سيطرة اليسار على الجامعة التونسية في السبعينات..
فهل من المعقول ان ننقد بورقيبة لأنه أزال حجاب المرأة و لأنه حررها؟ حتى النقد الذي يسعفون به أنفسهم حول استبداد بورقيبة هو في الأخير مأخوذ من أدبيات اليسار الماركسي و القومي العربي اللذين ذاقوا الأمرين من استبداد بورقيبة بالرغم من ان كلا الاتجاهين لم يفكر في اغتيال بورقيبة و كلاهما يؤمن بما انجزه هذا الزعيم من اجراءات تـقدمية....
إنقـلب بورقيبة على نفسه، فانقلبت عليه الحركة التـقدمية و التي اتجهت بحكم العقلية الاطلاقية الى نفيه بجميع ما فيه و هذا هو خطؤها بعد رحيله، بينما وقت الصراع فالحرب تتطلب ذلك النوع من الاقصاء التام..من تـشكيك في الاستـقلال و تـشكيك في جميع ما أنجز..
اليوم ذهب الرجل الى ربه ليفعل فيه ما يشاء و ليحاسبه وفق الحكمة الربانية التي نعجز جميعا عن تبينها..اليوم من المفترض ان نـقـف موقف العلماني المتـقيد بالعلمية و الروح النقدية التي هي ليست اقصائية و انما بالأساس تحليلية لأجل بناء نظرة مستـقبلية موحدة موضوعية تحسم مع مثل هذه الاشكال من النقاشات الرجعية التي تعمق تمزيق الشعب في ذاكرته و في حاضره و مستـقبله..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل