الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة هيكلة الدولة

آرام كربيت

2018 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


بانتهاء الحرب الباردة، انتهى الصراع التناحري بين الأقطاب الدولية، وبهذا يدخل النظام الرأسمالي مرحلة جديدة، في توسعه، في مناطق توابعه. بمعنى، يتم التوسع عبر تسوية سياسية خطيرة:
أن تعمل الدول التابعة على إخضاع نفسها بنفسها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً لشروط ومصالح المركز المتقدم مقابل بقاء وتعاون النخب السياسية والمالية والاقتصادية في التوابع وفق الشروط الكاملة التي يمليها عليه المركز..
عملت القوى التي قادت حركات التحرر الوطني في البلدان المتخلفة بعد وصولها إلى الحكم على إعادة إنتاج نفسها عدة مرات خلال صيرورتها في الحكم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لإنتاج واقع اجتماعي سياسي اقتصادي على مقاس المركز. بمعنى جرى إعادة إنتاج هذه البلدان لتتحول إلى وليمة ناضجة من أجل هضمها والتوسع فيها إلى أبعد مدى.
منذ أن تشكل النظام الدولي في العام 1945 تحددت آلية وحركة كل دولة وفق إعادة هيكلة نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري ضمن الإطار العام للنظام الدولي وفي ظل التراتبية السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، ومكانة كل دولة عبر تنفيذ الشروط والوصايا المطلوب منها.
بعد أحداث 11 أيلول العام 2001 جرى تحول عميق على المستوى العمودي والأفقي في المنظومة الرأسمالية يمكن تسميتها بالزمن الإمبراطوري، وفيها يتم إعادة هيكلة الدول بطريقة وسلوك مختلف عما كان عليه في السابق. بمعنى يجري اليوم بخطى حثيثة إعادة هيكلة الدولة في العالم لتتناغم وتستمر على مقاس المفهوم الجديد وفي ظل الشروط الجديدة، اسمه محاربة الإرهاب، لتكون كل الدول مستعدة لتنفيذه.
يعمل النظام الإمبراطوري على اشراك دول العالم كلها وفق مسارين اثنين:
أن تعمل كل الدولة على تآكل ذاتها بذاتها أو نفسها بنفسها، وتقدم نفسها للإمبراطورية كقربان أو عربون حسن نوايا عن خضوعها والتزامها بكل المتطلبات الضرورية لاستمرار النظام الدولي الجديد، الإمبراطورية، والانخراط في مشاريعها البعيدة والطويلة الأجل من جهة، وتهميش القوى الداخلية وتعميق الانقسام الاجتماعي الداخلي وفتح المجال بشكل كبير من أجل الإسراع في الاندماج الكامل في النظام.
إن إعادة الهيكلة من موقع المهمش والضعيف يدفعها أن تكون جاهزة لتقبل حمولات النظام وثقله. إنها صيرورة طويلة لن تتوقف أو يغيب سحرها، لأن العوامل الدافعة للعلاقة بين المركز وتوابعه بنيوية وحيوية لعدم قدرة الدول المهمشة على الرفض. أي أن التابع يبحث عن الاحتماء والحاجة لغطاء يبقيه على قدميه.
إن نظام الهيمنة، خفي، يجعل الكثير من الدول خائفة وبحاجة إلى مساندة. وأن تتوسل البحث عن الخلاص أو الغطاء السياسي ليمنحها الأمان أو الشرعية السياسية مثل دول الطوائف في الأندلس.
إن النظام الإمبراطوري توسعي قائم على تأجيج النزاعات والصراعات وفق صيرورة التهميش والتآكل.
ومن جهة ثانية، نشأ النظام الإمبراطوري من الخوف، من استدعاء مفهوم خفي وكاذب، الإرهاب، مما دفع دولاً كثيرة إلى استدعاء النظام والتأسيس لمشروع جديد دون أن تطالب أية دولة بمرجعية قانونية أو حقوقية كمتكئ أو سند للدخول إلى حضيرته.
إن المعايير السياسية للإمبراطورية الرأسمالية ما زال غير محدد المعالم السياسية والقانونية على مستوى العالم. ولم نقبض فكرياً على أساليبها وممارستها، بيد أننا نلتقط بعض السلوكيات القائمة حالياً.
إننا نرى ونلمس أن مركز القرار الإمبراطوري يعتمد في توسعه على المراكز الإقليمية أو البيئة الإقليمية في تنفيذ مهامه السياسية والاستراتيجية كإيران وتركيا وروسيا والسعودية في المدى المنظور، وأذرعه الصغيرة جداً كالنظام الحاكم في سوريا واليمن والعراق، وإلى حد ما ليبيا وأفغانستان. إنه يسير مثل الوشيعة المغناطيسية لجعل التيار يجري مسافة كبيرة في مساحة صغيرة، فيخلق مجالاً كهرومغناطيسي. وكلما كبر عدد اللفات أي الأسلاك المعدنية اللولبية كلما زاد المجال الكهرومغناطيسي.
تتعامل الإمبراطورية مع البيئات الإقليمية كل واحدة على حدا وفق دوائر إهليلجية أو على شكل الوشيعة حتى تتوسع وتمتد إلى ما لا نهاية. ما تعمل على تجنيد قوى هامشية عبر دعمها بالمال والسلاح والخبرة اللوجستية لتشتغل على خدمة الإمبراطورية كحرق الأرض والتراث الإنساني أمام توغلها وتقدمها في المدن والريف وتمزيق حيوات الناس وتاريخهم وجغرافيتهم وحدودهم الوطنية والقومية إلى أن يتم تآكل المجتمع كله تحت ضرباتهم على المستوى الأخلاقي والقيمي والإنساني وتمزيق البنيات الأخلاقية والوطنية والعودة بالبشر إلى زمن الكهوف والانقطاع الحضاري.
إن ما تفعله الإمبراطورية هي تدمير البيئات الاجتماعية من أجل عدم العودة إلى قيم العدالة والحرية والحق.
والإعلان عن موت الإنسان ونهايته.
أهم عمل لإعادة الهيكلة أن تكيف كل دولة نفسها أمنياً، بحيث تكون على أتم الجاهزية لتلبية متطلبات البناء الإمبراطوري الأمني القائم، ومستعدة لتنفيذ مهمات أمنية في خارج حدودها وفي حدودها الداخلية. أي أن تعيد إنتاج جيش وجهاز أمني مخابراتي مرن جداً ليكون أكثر راديكالية وأسرع استجابة وأكثر فاعلية وحركة في مواجهة متطلبات النظام الامني الإمبراطوري الذي يعيش على فوهة بركان في غياب أي بعد أخلاقي أو إنساني أو حقوقي. وفي غياب الرؤية عما ستتمخض عنه النتائج على المدى الطويل.
إن التكيف يعطي للنخب الحاكمة والدولة حصانة خاصة إذا نفذت ما يطلب منها دون مسائلة قانونية أو حقوقية أو وطنية، ويدعمها، مقابل العمل على تنفيذ المهام المؤكل إليها. لهذا ترصد أغلب الدول موازنة كبيرة جداً لإعادة إنتاج دول أمنية عمودية خاضعة للمشروع.
نستطيع القول إن الدولة التقليدية ماتت إلى الأبد بمواصفاتها التي كانت عليها.
إننا أمام دول ناشئة لن يكون لها التزام أخلاقي وحقوقي وقانوني أمام المجتمع. المسألة ليس أكثر من وقت حتى تتعرى البشرية وطاقمها الحاكم من ورق التوت. بمعنى، انتهى زمن الدولة الوطنية والاجتماعية أو في طريقه إلى الانتهاء.
إن ما يحدث خطير جداً سيجرف مجتمعات كاملة أمامه ويحرق دولاً كان لها دور في تحسين الشروط الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعاتها.
أما اليوم فإننا أمام عدو جديد خفي يدمر دون أن نراه ونلمسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا