الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الكافكوي رؤية من الداخل

جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)

2018 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


العراق الكافكوي رؤية من الداخل
د.جواد بشارة
[email protected]

هاقد مرت الأعوام الخمسة عشر على حدث التغيير السلطوي في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 وكان المنتصر الأول هو دولة جارة عانت ويلات الحرب مع العراق طيلة عقد من الزمن تقريباً ونجحت في استثمار هذا المناخ وهذه الفرصة التاريخية لتكرس شبكة تأثيراتها على كل الصعد داخل العراق لتحوله إلى شبه محافظة تابعة لتصريف البضائع والمنتجات والتحكم في السيرورة السياسية على أعلى المستويات ، فهي تتحكم بكل صغيرة وكبيرة في الشأن العراقي، كما انتصرت إسرائيل لأنها حيدت وحجمت بلدا عربيا تحطم أمام ناظريها بدون جهد عسكري أو مالي من قبلها وكانت هي المستفيدة من تحطمه وخروجه من معادلة الشرق الأوسط الجيوستراتيجية . كسب المكون الشيعي بعض الامتيازات مثل استلامه لزمام السلطة العليا ممثلة برئاسة الوزراء وهي إحدى الرئاسات الثلاث الى جانب رئاسة الجمهورية الشرفية أو البروتوكولية، ورئاسة مجلس النواب، وخروجه بمسيرات مليونية يلطم ويندب على استشهاد الحسين لكنه في واقع الحال يبكي على حاله المزري دون أن يشعر. وبالطبع الكورد العراقيين الذين حصلوا على شبه استقلال في اقليمهم في الشمال العراقي قبل معضلة الاستفتاء على الاستقلال حيث بدأوا بدفع الثمن غالياً لتداعيات ذلك الاستفتاء، ولقد تراجعت حظوظ وامتيازات المكونين شعبياً وجماهيرياً ، واستفاد تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي تحول فيما بعد إلى الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" واحتل ثلث أراضي العراق عام 2014 قبل اندحاره في نهاية عام 2017 بعد تضحيات جسام في الأموال والأرواح مما خلق ازمة اقتصادية خانقة وخطيرة في العراق. أما الخاسر الأكبر فهو الشعب العراقي والمدنيين بارتفاع نسبة البطالة وانسداد الأفق أمام الشباب وزيادة الفقر والفقراء وغلاء المعيشة وانعدام الخدمات وتنامي الحركة الاحتجاجية ضد المحاصصة والمطالبة بسلطة مدنية ديموقراطية اساسها المواطنة والكفاءة والنزاهة ومحاربة الفساد. وهناك تداعيات ونائج حرب تحرير الموصل والمحافظات الغربية التي احتلتها داعش وتحديات اعادة الإعمار مع خواء الميزانية العراقية حيث هناك قطاعات واسعة من الموظفين لم يستلموا مرتباتهم منذ ثلاثة اشهر، الى جانب مآسي وحكايات درامية في الحياة اليومية العراقية. .
ومنذ خمسة عشر عاماً وأنا أحاول، من داخل العراق ومن خارجه، أن أفعل شيئاً مفيداً ونافعاً للعراق اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، ولكن بلا جدوى، إذ كنت كمن يضرب رأسه العاري في كتلة فولاذية. فالدولة ومؤسساتها، والشعب بكل مكوناته، يعيشون في
عالم فنطازي غير معقول وغير منطقي، ففي عراق القانون والفوضى، حيث هناك في العراق مفهوم يتداوله عامة الشعب يسمى " المتاهة الإدارية" والتي تعني أنه لا يمكن للمواطن أن ينجز معاملة إدارية مهما كانت بسيطة إلا بعد مروره على عدد مهول من المكاتب والدوائر والتوقيعات ، وكل واحد منها يتطلب الصبر وتحمل المعاناة والإهانات يرافقها التوسلات والرشاوي ناهيك عن التأخير وتضييع الوقت قصداً وعلى نحو متعمد لإذلال المواطن وإرغامه على الدفع حتى ولو من أجل توقيع بسيط لموظف من الدرجة العاشرة، نفس الممارسة تواجه شركات المقاولات والاستثمارات حيث على معقب المعاملات باسم الشركة ان يدفع ورقة نقدية أمريكية أي مائة دولار على كل توقيع كحد ادنى وقد يصل المبلغ الى ألف دولار لكل توقيع، ناهيك عن العمولات والقومسيونات التي تصل الى ملايين الدولارات في كل صفقة. أما الزمن فلا قيمة له في العراق وعلى كافة الصعد والمستويات حيث يوجد في كل اسبوع عدد من العطل تتصل مع عطلة نهاية الاسبوع مما يشل البلد على مدى اربعة ايام من اصل سبعة ويكون الدوام فيها نصف نهار حيث ينتهي الساعة الثانية بعد الظهر، فهناك 180 يوم عطل رسمية حسب الأمانة العامة لمجلس الوزراء ناهيك عن العطل غير الرسمية إذ يبلغ عدد ايام التعطيل في العراق حوالي 240 يوم من مجموع 360 يوم في السنة . فسياسة المحسوبية والمنسوبية هي القاعدة وليس الاستثناء ، خاصة في الوظائف وطريقة الحصول على عمل، فلكل درجة وظيفية ثمن، من البواب الى الوزير تبدأ بـــ " الشدة "ـــ أي العشرة آلاف دولار ـــ وتصل الى بضعة عشرات الملايين من الدولارات حسب نوع المنصب ــ وزير أو وكيل وزير أو مدير عام أو موظف عادي ـــ وهناك وزراء اشتروا مناصبهم بمئات الملايين من الدولارات ويريدون استرجاعها مع الأرباح خلال اقل من اربعة اعوام ، انه مشهد سوريالي . والسمة الطاغية في المجتمع العراقي هي التحايل و النفاق والتزلف والانتهازية والكذب والنرجسية وعدم الالتزام بوعد أو موعد خاصة لدى المسؤولين الكبار في الدولة ، وكل ذلك مؤطر بمناخ عنف وترهيب بقوة السلاح والقتل والخطف على يد مجاميع مسلحة خارج إطار الدولة الشرعية إذ باتت تشكل مراكز قوى مسلحة ولديها سلطة في الشارع كما لها امتدادات داخل جهاز الدولة، بل وحتى داخل السلطة الشرعية وكما يقول العراقيون ــ كنا محكومين بصدام واحد فصار يحكمنا اليوم ألف صدام ـــ الطبقة السياسية برمتها فاسدة حتى النخاع في العراق ولقد شرعنت اللصوصية والسرقة واستغلال المنصب والزبائنية وشراء الذمم والولاءات، ولولا النفط لتحول العراق الى جمهورية موز كما يقول المثل الفرنسي من باب التحقير . هناك مظهر خارجي لدولة المؤسسات ، لا سيما المؤسسة القضائية ، التي تحاول أن تعمل على نحو طبيعي وفق السياقات العالمية المتعارف عليها ، خاصة فيما يتعلق بمحاكمة الإرهابيين الأجانب المعتقلين والمتهمين بمحاربة العراق في صفوف داعش . ما عدا ذلك، كل شيء أوهام وجزع ولامبالاة ويأس من القادم والخوف من المجهول والكل يحاول الهروب بأية وسيلة ممكنة من هذا الواقع المخيف ولا أمل في التغيير والانتخابات التشريعية القادمة ليست سوى مسرحية فكاهية اقرب للتهريج منها للكوميديا حيث إن نتائجها معروفة سلفاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا