الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثياب الرثة تقلقكم

حيدر سالم

2018 / 3 / 24
كتابات ساخرة


الثياب الرثة تقلقكم !

" سأظهر اليوم بصورة أنيقة "

لو فككنا هذه الجملة البسيطة ستحيلنا الى تفرعات جوهرية ، مهمة ، و تحمل الكثير من الالتباسات التي تشاطرنا الحياة بكل تعدداتها . " سأظهر " هذا الإخبار العجيب عن حدث يعتقد قائله بأهمية مزعومة ، تحمل الكثير من الوهم ، الظهور بعد عزيمة واضحة على الفعل ، و التخطيط ، يلازمها الإعلان لأشباح تنتظر هذا الظهور ، و كأن الجميع يترقب خروج هذا الفرد من كهفه ، يترقبون الحدث المنتظر ! . أما " اليوم " فهي دلالة زمنية تشي بأن المتأنق ليس نظيفا دائما ، بمقاييس النظافة عنده لا عندي بالطبع ، فهو سيتأنق اليوم بما انه ليس مرتبا طوال الأسبوع ، و هذا يتطلب وجود الحدث الهام الذي يبغي الفات النظير اليه ، مناسبة ما . " بصورة أنيقة " العديد من الأسئلة ، التي تؤدي بنا الى نتائج لا حصر لها ، فماهي الصورة الأنيقة ؟ صورتك هذه بالعقال و الزي العربي ؟ ام بغيرها ؟ الصورة الانيقة التي تتغير حسب علاقات الانتاج ؟ الصورة التي اخترتها انت ام اختارتها لك الطبقة التي تتحكم في حياتك ؟ لا أعلم كيف يحكم الانسان عن كون صورته أنيقة وهو لا يعرف هل إختار هذه المسلمات المتغيرة ، و هل فكر بها ؟ و نقول عنه في العاميه العراقية الجنوبية " اليوم طالع خوش ادمي " ! ، إذن بصورة أنيقة ترضيك أم ترضي مسلمات عامة تحمل الكثير من اللغط ؟

و حسب المعجم العربي ، فأن الثَّوْبُ : ما يُلبس ليغطي الجسد أو جُزءًا منه . و الملابس جمع مَلْبَس ، مَلاَبِس : مَا يَلْبَسُهُ الإِنْسَانُ عَلَى جَسَدِهِ ، و الخِرْقَةُ : القطعةُ من الثوْب المُمَزَّق ، و رَثَّ الهَيْئَةِ : قَبِيحَ الْمَنْظَرِ [ المصدر من الانترنت / قاموس المعاني ]

وقد تكون للثياب دلالية إشارية ، توصل المعلومة للمستلم بطريقة سريعة ، فنحن نحكم غالبا على الناس من الثياب القصيرة / الطويلة ، اللون / الزخرفة ، و ثمة من السياقيات المعلوماتية داخل الاشياء ما لا يحصى ، يورد تشاندلر في كتابه أسس السيميائية إقتباسا عن بيرس ، يقول الأخير : ( لا نفكر الا بواسطة الإشارات ) ، فلنا أن نتخيل صديقنا الذي هم بالظهور أنيقا أنه من السيميائيين الكبار ، الذي يعرف " اللبة و قشرتها " ، و يكمل تشاندلر : " أي شيء يمكن ان يصبح إشارة ، شرط أن يعي أحدنا انه يعني أمرا " [ تشاندلر / أسس السيميائية ] ، إذن يمكننا ان نسيق الثياب خلف دلالات لا تحملها الثياب نفسها ، بل الإيحاء الرمزي ، و قد يختلف الايحاء من مجتمع لآخر ، بيد ان هناك اشياء ذات دلالة تكاد ان تكون واحدة ، الاسود للحزن ، الابيض للصفاء ، لذلك قد يعتبرون الميت انه بطريقه الى صفاء تام ، سواء أكان خيرا أم لا ، اذن يحتاج الظهور بهذه الاناقه لايصال اشارة ما تبتغي من خلالها خلق هالة ما تحيط بك ، لكننا لانعرف من سينقشع بعد خلع الثياب ، الهالة ام المرتدي ؟

يورد الاستاذ شريف يوسف : " كان ملوك الاشوريين و الوزراء و الكهنة يرتدون لكل مناسبة من المناسبات نوعا خاصا من الملابس ، فملابس الاحتفالات الدينية تختلف في شكلها و زينتها عن تلك التي يرتدونها في الحرب و الصيد أو غير ذلك من المناسبات " [ التراث الشعبي ، سنة 1975 العدد الثاني عشر ] . و هذه الاهتمات تكون غالبا إستعراضية ، و محاولة لفرض صورة شبحية لهيمنة الموقع الاقتصادي ، او يوحي لديانة ما ، او مجتمع محدد بعينه ، فالهنود الحمر لا يرتدون العقال . ولك ان تتخيل رفيقي القارئ مدى اهمية صناعة الثياب ، و كيف كنست هذه النزاعات حول الربح دولة من ان اجل الربح لا غير مثلما حصل مع البنغال ، حيث كانت تنافس انجلترا في صناعة النسيج ، و من ثم الدخول اليها و العمل على تدمير البلد اقتصاديا ، و هذا ما حصل [ راجع كتاب نعوم تشومسكي سنة 501 الغزو مستمر ] .

يذكر العلامة المجلسي رواية عن محمد الباقر ، ان عليا كان يبتاع من السوق ، فاشترى ثوبين ، احدهما بثلاث دراهم ، و الاخر بدرهمين ، فاعطى لخادمه قنبر الثوب الذي بثلاثة دراهم ، فاعترض الاخير لانه امير المؤمنين و يخطب بالناس ، فقال له ، انت شاب و لك شره الشباب و انا استحيي من ربي ان اتفضل عليك [ العلامة المجلسي ، بحار الانوار ، ج36 ] ، و ورد في نهج البلاغة انه قال : " لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها " ، و المدرعة هو الدرع في أغلب الظن .

و يذكر ان كارل ماركس ، كان يرهن كل شيء بسبب الفقر المدقع الذي كان يعيشه ، حتى المعطف الذي يقيه برد لندن ، و رغم الاسقام و الاوجاع ، كان يعمل بجد و جهد ، يذكر جاك أتالي عن زوج ابنته ان الاخير و اسمه لافارغ كتب : " لم يكن ماركس يسمح بوضع شيئا من النظام - او بوضع بعض الفوضى بالأحرى - في كتبه و اوراقه .لان فوضاها لم تكن الا ظاهرية ، فكل شيء في الواقع كان في مكانه ، و كان يعثر دائما دون عناء على الكتاب او الدفتر الذي كان يحتاج اليه ، وحتى خلال محادثة ما كان يقطع غالبا حديثه ليُريَ في كتاب فقرة او رقماً ذكره لتوه ، ولم يكن يشكل مع حجرة عمله الا جسما واحدا [ جاك أتالي كارل ماركس أو فكر غير العالم ] .

أخيرا ، كنت عند الدكتور قبل مدة ، دخل قبله أحدهم ، رث الثياب ، و عليه علامات الجنون ، كان يستجدي ، لكنه أصغر من الدكتور الكهل ، بينما تسارعت نظرات الفتاة التي كانت جالسة مع أمها في الغرفة المجاورة تنتظر دورها للدخول لدكتورة النساء ، دخل الدكتور الى غرفته ليستقبلنا كمرضاه ، و خرج المتسول ليتركنا بمرضنا الازلي ، هاربا من كل أسقامنا التي بلينا بها ، ذاتها الفتاة كان يمكن ان تكون المتسولة التي شاهدتها تطرق الابواب مع امها ، كان من الممكن ان يتبادل الدكتور مع المتسول الادوار ، الفارق هو الثياب ، و الا من اين علمت الفتاة ان هذا الدكتور و الاخر ليس الا المتسول الذي لا يُرى ، أعتقد انها سيميائية هي الأخرى ، كلنا خبراء في السيميائية نطاول امبرتو ايكو فنحن مجرد أوغاد لا يهمنا في الاخرين سوى ظاهرهم ، ولسنا كماركس الذي توحد مع فوضاه المُرتبة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم