الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة المغربية والوعي الطبقي / الاجتماعي ( 14 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



هل توجد طبقة عمالية مغربية بالتعريف الماركسي للطبقة العاملة ؟
بخلاف تنظيرات اليسار الماركسي اللينيني ، الذي ظل منغلقا على ادبيات ماركس ولينين ، بخصوص الطبقة العاملة المغربية ، فان الامر لا يعدو ان يكون مخالفا لهذه الاطروحات التي لا علاقة لها بالواقع الاجتماعي المغربي .
بطبيعة الحال سوف لن نهتم في هذه العجالة بالمشاكل التي يطرحها تعريف الطبقة العاملة عموما ، وفي بلد خاضع للتقاليد المرعية والطقوس العشائرية ، وخاضع للسيطرة الامبريالية الفرنسية مثل المغرب بشكل خاص . فسنكتفي بالقول بعد انجلز ، ان طبقة العمال / الاجراء / المستخدمون / الشغيلة المعاصرين لا يملكون اية وسيلة انتاج ، ويضطرون ، بالتالي الى بيع قوة عملهم لكي يعيشوا .
ولقد ارتبط ظهور هذه الفئة / الطبقة من العمال / الاجراء بالمغرب بغرس بذور نمط الإنتاج الرأسمالي. ويعتبر روبير مونطانيي ان البروليتارية المغربية ، ظهرت نتيجة سببين أساسيين : السبب الأول هو تطور اقتصاد اوربي في المدن الساحلية خصوصا . والسبب الثاني هو تفكك البنيات الاجتماعية العتيقة المرتكزة على القبائل في الداخل .
ان ما يجب تسجيله هنا هو الأصل القروي، وليس الفلاحي للطبقة العاملة المغربية ، اعتبارا لما سيكون لهذه الجذور القروية، من تأثير عميق على مسار تطور الطبقة العاملة على الصعيدين الأيديولوجي والسياسي .
ان مرحلة ظهور ونشأة الطبقة العاملة / الشغيلة المغربية ، من بداية القرن الماضي الى منتصف الثلاثينات على وجه التقريب ، قد تميزت بتمركز الطبقة العاملة / الشغيلة في قطاع التعدين والاشغال العمومية ، وبعض الصناعات التحويلية أولاً ، وبالضعف العددي للطبقة العاملة / الشغيلة وارتباطها الوطيد بالبادية حيث كانت ظاهرة " التناوب " لا تزال طاغية ثانيا ، وبضراوة الاستغلال الذي يتعرض له العمال ، وحرمانهم من كل الحقوق ، بالإضافة الى ضعف المقاومة العمالية ، وسيطرت " الكبْراناتْ " على جموع العمال ثالثا ، وبضعف تكوين هؤلاء وانعدام المهارة والتخصص ، حيث كان الأجانب هم من يتولى تأطير العمال / الشغيلة رابعا .
وعلى صعيد الوعي والتقاليد والممارسات / العلاقات الإجتماعية ، لم تكن الطبقة العاملة / الشغيلة المغربية تتميز وتختلف كثيرا عمّا كان سائدا في البوادي المغربية . وهكذا ، كان تجمع وتكتل العمال / الشغيلة او تضامنهم ، يتم على أسس عائلية عشائرية او قبلية / الدواوير / المداشير / إقليمية .
وكان " الكبرانات " الذين يسهرون على جلب اليد العاملة ، مقابل رشاوى وامتيازات يمنحها لهم العمال ، واقتطاعهم لجزء من الاجر الهزيل الذي يتقاضاه العمال ، يحرسون على استقطاب العمال من بعض المناطق دون أخرى ، ويستغلون هذا الواقع لإثارة الصراعات بين العمال وتفتيت وحدتهم . وخلال هذه المرحلة كانت الطبقة العاملة مجرد أكياس بطاطيس لم تع بعد ذاتها كطبقة اجتماعية . (عمال مصنع النسيج فلْروكْ كانوا من قبائل زمور – الخميسات) .
وبعد التحولات الاجتماعية الهامة التي عرفها المجتمع المغربي من جهة ، ونظرا لبداية تكون نواة عمالية قارة ، بدأت روابطها مع البادية تتلاشى من جهة ثانية ، ونتيجة نشاط النقابات العمالية الفرنسية ( س ج ت ) ( س ف د ت ) ، والشيوعيين الفرنسيين من جهة ثالثة ، دخلت الطبقة العاملة المغربية في منتصف الثلاثينات ، مرحلة جديدة من مراحل تطور وعيها الطبقي .
وإذا كانت هذه المرحلة قد بدأت مع إضرابات يونيو 1936 الشهيرة ، والتي ساهم فيها آلاف العمال في كل من الدارالبيضاء ، والرباط ،وفاس ، ومكناس ، وخريبگة ....لخ ، فإنها قد امتدت الى ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وتحديدا فترة تراجع حزب الاستقلال عن قراره القاضي بمقاطعة النقابات ، وتبنيه لخطة السيطرة على النقابات من الداخل لإزالة النفوذ الشيوعي ، والماركسي ، والتقدمي البرجوازي الصغير .
خلال هذه المرحلة بدأت الطبقة العاملة / الشغيلة المغربية تتحرك على أساس التعاضد والتضامن الطبقي / الاجتماعي ، وتساهم في النضالات النقابية ، بالرغم من منع سلطات الحماية لذلك ، بل استطاعت الطبقة العاملة / الشغيلة المغربية ان تنتزع بعض المكاسب وتحسن أوضاعها .
لقد امتازت هذه المرحلة من تطور الطبقة / الشغيلة العاملة ، ببداية تجاوزها لأطر التضامن والتحرك التقليدية ، وبداية انتشار الوعي النقابي في صفوفها أولاً ، وسيادة النضالات النقابية الرامية الى تحسين الأوضاع ثانيا ، وبتبعية الطبقة العاملة / الشغيلة المغربية للطبقة العاملة الفرنسية ، وهيمنة النقابات الفرنسية والحزب الشيوعي الفرنسي عليها ثالثا .
واجمالا ، يمكن القول ان الطبقة العاملة المغربية قد بدأت تتشكل ، خلال هذه المرحلة ، كطبقة اجتماعية قائمة الذات ، وأصبحت تدرك مصالحها المباشرة / الآنية لبيع قوة عملها بأبخس ثمن دون ان تصل مرحلة الوعي الطبقي الحقيقي .
لكن تكوين حزب الاستقلال ونهاية الحرب العالمية الثانية من جهة ، وتغيير سياسة حزب الاستقلال تجاه النقابات من جهة ثانية ، كلها عوامل ستؤثر على تطور وعي الطبقة العاملة ، وعل مسار الحركة الوطنية كذلك .
وهكذا ، فإن دخول الطبقة العاملة المغربية الى معترك النضال الوطني ، سيحول حزب الاستقلال من حزب " إصلاحي للاطر " ، الى حزب جماهيري ، حيث ارتفع عدد المنخرطين في الحزب من سنة 1947 الى سنة 1952 من 3000 الى 100.000 عضو ( راجع اطروحتنا " الحركة الماركسية اللينينية المغربية 1965 – 1983 . السنة 1987 ) .
ان تكثيف الدعاية والنشاط الوطني في صفوف الطبقة العاملة المغربية ، سيؤدي الى ضرب هيمنة الشيوعيين ، وتحويل نضالات الطبقة العاملة من التركيز على تحسين الأوضاع ، الى النضال من اجل الاستقلال ، بالإضافة الى ترسيخ الفكر والأيديولوجية ، ومن ثم الوعي الوطني في صفوف الطبقة العاملة .
وعلى امتداد هذه المرحلة كانت الطبقة العاملة تحت الهيمنة الأيديولوجية / السياسية والتنظيمية للبرجوازية الوسطى ، من خلال انخراطها في صفوف حزب الاستقلال ، او تحت تأثير نفوذ البرجوازية الصغرى بانضمامها وتعاطفها مع حركة المقاومة وجيش التحرير . وعلى هذا النحو لم تبلغ الطبقة العاملة خلال فترة الحماية ، مرحلة الوعي الطبقي ، ولم تصبح طبقة لذاتها ، بل تحررت من الوعي القروي / الفلاحي ، لتسقط تحت هيمنة الطبقة العاملة الفرنسية ونقابتها ( س ج ت ) ، ولم تتجاوز تبعيتها لهذه الأخيرة الا لتنخرط بحماس في النضال الوطني بقيادة البرجوازية المتوسطة والصغيرة .
ان الوعي الوطني والطبقي / الاجتماعي للطبقة العاملة / الشغيلة المغربية قد احبط مخططات الاستعمار ، وادى الى تبخر كل الأوهام التي كانت الإقامة العامة تغديها حول إمكانية استعمال الطبقة العاملة المغربية للضغط على الحركة الوطنية البرجوازية .
ان اعلان الاستقلال بالمغرب لم يصاحبه تحسين الأوضاع المعاشية للطبقة العاملة ، بل على العكس من ذلك ، حيث ان تعويض بعض الرأسماليين الأجانب بأرباب عمل مغاربة ، أدى الى تدهور أوضاع الطبقة العاملة ، والى تصعيد وتيرة استغلالها باسم شعارات خادعة وكاذبة ، وتم التراجع عن العديد من المكتسبات التي انتزعتها بنضالاتها في ظل الحماية .
وخلال فتر احتدام الصراع بين القوى اليمينية الرجعية ، ويسار الحركة الوطنية من اجل حسم مسألة السلطة ، كانت الطبقة العاملة تقف الى جانب القوى التقدمية وتدعمها بنضالات هامة . ففي هذا السياق عارضت الطبقة العاملة المغربية احمد بلافريج من جهة ، وساندت حكومة عبدالله إبراهيم من جهة أخرى .
ولئن حققت الطبقة العاملة بعض المكاسب في هذه الفترة ( قانون الشغل ، قانون النقابات ، صندوق الضمان الاجتماعي .. ) ، فإنها لم تخض نضالات نقابية كبرى ، بل شكلت النضالات السياسية الجزء الأكبر من نضالاتها ، لكن ذلك لا يعني استقلالها الأيديولوجي / السياسي والتنظيمي عن الطبقات الأخرى . ان الطبقة العاملة لم تتحرر من قيود وسطوة البرجوازية الوسطى الا لتسقط في أحضان البرجوازية الصغرى ولتَحْكم البيروقراطية النقابية قبضتها عليها .
وخلال هذه المرحلة ، تقدمت الطبقة العاملة في وعي مصالحها ، دون ان تدرك هذه المصالح في كليتها وشموليتها ، بمعنى انها لم تبلغ مرحلة الوعي الطبقي / الاجتماعي ، وبقيت تحت الهيمنة الأيديولوجية / السياسية والتنظيمية للبرجوازية الصغيرة في احسن الأحوال ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) .
والمرحلة الثانية تمتد من سنة 1961 والى حدود مارس 1965 ، وهي المرحلة التي شهدت التبخر النهائي للأحلام التي بعثها الاستقلال، ولكل الأوهام الوطنية . لقد تجاوزت الطبقة العاملة المغربية مرحلة الوعي الوطني ، ومع احتدام الصراعات الاجتماعية ، وهجوم القوى الرجعية على الحركة التقدمية الممثلة آنذاك في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، اشتدت الهجومات ضد مكاسب الطبقة العاملة واستمر تدهور أوضاعها المعيشية .
لقد خاضت الطبقة العاملة المغربية نضالات سياسية ونقابية هامة ، غير ان القمع الذي استهدف القوى التقدمية من جهة ، وسعي القيادات النقابية الى مهادنة الطبقة السائدة وعدم " المغامرة " من جهة أخرى ، قد أدى الى ابعاد الطبقة العاملة عن النضالات السياسية ، وعزلها في اطار خبزي " سياسة الخبز " . وعاد الوعي النقابي الضيق ليحتل موقع الصدارة في ظل استمرار هيمنة الأيديولوجية / السياسية والتنظيمية البرجوازية الصغيرة .
وعلى امتداد عشر سنوات ، لم تستطع الطبقة العاملة المغربية ، بفعل عدة عوامل قد ابرزناها اهمهما ، ان تتحول من طبقة في ذاتها الى طبقة لذاتها . ولم تستطع الطبقة العاملة المغربية افراز مثقفيها العضويين ، وتحقيق استقلالها الأيديولوجي / السياسي والتنظيمي ، بل بقيت موزعة الولاءات وعاجزة عن الاضطلاع بالمهام التاريخية الجسيمة المطروحة عليها ، بل اكثر من ذلك ، لقد وقع نكوص على صعيد تسييس الطبقة العاملة ، وتراجع على صعيد انخراطها في العمل النقابي . وجاءت احداث 23 مارس 1965 لتؤكد هذا الواقع بإبرازها لغياب الطبقة العاملة كعنصر فعال في هذه الاحداث والاحتجاجات الشعبية .
وبعد زهاء عقدين من احداث 23 مارس 1965 ، شهد المجتمع المغربي تحولات اجتماعية هائلة وصراعات طبقية هامة . بيد ان الملاحظ ، هو ان الطبقة السائدة تحكم قبضتها الحديدية على المجتمع ، في حين ان الطبقات / الفئات الشعبية عموما والطبقة العاملة بوجه خاص ، لم تحقق بعد القفزة النوعية المرتقبة على صعيد وعيها السياسي ، أي وعيها لمصالحها الطبقية في كليتها .
وفضلا عن ذلك لا زالت الطبقة العاملة ، ولعدة أسباب تتطلب بحثا تفصيليا ومفصلا ، عاجزة عن تصدر وقيادة نضالات كل الكادحين والمضطهدين ، سيما انها لم تحرز أي تقدم هام على مستوى انعتاقها الأيديولوجي / السياسي من الطبقات الأخرى ، فبالأحرى ان تكون قد خطت طريق بناء أداة تحررها الطبقي . ( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد