الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دردشة على سيجارة افتراضية

عماد نوير

2018 / 3 / 30
الادب والفن


دردشة على سيجارة افتراضية

أنا لا أدخن يا سادتي، أو الأصح جدا، أنا قد تركت التدخين منذ زمن طويل، فعلام تكون الدردشة على سيجار دون غيره، و لِمَ سيجار افتراضي، و هل تجوز الدردشة بأُنسة سيجار بغيض؟
خلافا لكل الدردشات التي تقوم على جلسة و فناجين قهوة، كانت هذه الدردشة، و الخلاف هذا ما كان يكسو جو الجلسة و يحيلها إلى موضوع اختلافي، فآثرنا أن نختلف حتى في الصحبة التقليدية، و تغيير الصبغة المتّبعة في هكذا حضور!!!
لسنا بصدد بحث علمي أو تخصّصي، و لسنا ملزمين بعرض الأدلة و القرائن لكل ما نطرحه في جلسة النقاش على شرف سيجارة! و لكن كل ما في الأمر هو التّطرّق إلى ظاهرة، و الالتفات إلى ما يصاحبها من تداعيات قد تضرّ من حيث تريد المنفعة، و هذا ما يحدث على الدوام و ما يسميه أهل المعرفة بالحمق.
إنّ عرض فكرة جديدة، و رأي حداثوي، أمر في غاية الروعة، و لكن هناك من يتوجّس خوفا، و هناك من يمتهن التشكيك، و هناك من يؤاثر حب الآباء، و احترام نظرية أن القادم لا يمكن له بأي حال أن يكون أفضل ممن خلفه!
و هنا تتجلى البراعة في آلية الطرح، و تتجسّد القدرة العجيبة في ليّ عنق الرتابة، و تحفيز عامل التحديث عند الطرف المقابل، و إلّا لوقع المحدّث في مأزق غرابة أقواله، و شر أعماله، فالحذر و الطريقة الماتعة و احترام الاعتقاد المهيمن، و الطرق بهدوء على معادن ألفها الناس لمئات السّنين.
عرض الأفكار الجديدة، و التي قد تأخذ مسمّى الغرابة، أو ربما الانحراف، أو ربما الزندقة حين تكون ماسّة لجوهر الدّين، من قريب أو بعيد، فهي عندما تحاول أن تشيّد مبنىً جديدا، فلابد أنها على وشك أن تهدم مبانٍ تضرب في عمق العقل قبل عمق التاريخ، و هنا تكمن المشكلة، و تتبلور فكرة الحضور مع الآخر بطريقة شفافة و ماتعة و أنيقة، و بالطبع ليس بطريقة تودّدية مفتعلة، القصد مفضوح فيها، و النفاق يغلب على الحكمة، و لكن ليست بالطريقة التي تجعل المرء ينفر من مواصلة النقاش مع معتنقيها، رغم قناعته بها و تفعيل عقله بدرجة قصوى، كي يرى أمورا مختبأة في دهاليز عقله منذ أن كان طفلا صغيرا، أو صبيا بدأ يفقه الغريب من الواضح الجلي.
و حين تعتنق فكرة حديثة و مربكة لواقع مجتمعي رتيب، و مُعْتَقَدٌ بعمق بعيد صحة مسيرته و مسيرة آبائه الأولين، و كلما كانت آلية العرض سهلة و تدريجية، و تقريبية للعقل البسيط الذي لا يعجبه الحيد عن ثوابت ملأت سني عمره، كلما كانت فرص التّنوير أقرب، و حظوظ الإقناع أكبر، و كلما باتت الثوابت أقرب إلى إرث رثّ و هزيل و بالٍ ، و سرعان ما تتكشّف أمام العين ترّهات ما كان العقل يجرأ أن يبحث بها!
و بالطّبع فإنَّ العكس صحيح، و لن يجد هذا الذي يحاول أن يبذر بذور الحداثة في مفاصل المجتمع، قبلها ثنايا العقل، لن يجد ثغرة، شرعية أم غير ذلك، لينفذ من خلالها إلى مدارك تقبل التحديث بطريقة احترام الآخر و غفران أخطائه السّابقة، و خلق تأويل يبرر تلك الحقبة، و يسبغ عليها من الثناء، و إيجاد خيط ينقلها من حالة الذم إلى حالة المدح، كملاحظة بوارق خفية فيها، مستعدة للانطلاق نحو عوالم الحقيقة المقنعة للعقل السّليم، حال توفّر فرص الانتقال إلى ذلك العالم النوراني، و ليس بالطريقة البشعة التي انتهجها البعض، فخسر التأثير بالآخر، و خسر المحافظة على سمعته السوية، و شخصيته المحترمة، و خسر عرض فكرته في أرض الميدان، من خلال حماقة العرض، و فتل عضلاته على الآخر، و محاولة تصغيره و تحقيره، و إظهاره بالشّخص الغبي الذي سار على خطى الغباء لسنين طوال، و عدم كبح مظاهر السخرية و الاستهزاء من اعتقادات لا تصلح للعقل السوي السليم، و الإصرار بعرض أفكاره بطريقة استفزازية، تفيد بعلميته على حساب جهل المقابل، مستفيدا من المعلومات الخفيّة التي توصّل لها، فيعرضها بطرق تساؤلية يفوح من بين ثناياها الإيقاع و التعجيز و التنكيل و جر المقابل إلى الفكرة دون تمهيد أو مقدمات رقيقة و جميلة، لا تجعل المنصت يتهيأ إلى أمر جديد، فيستعد هو للسؤال و الاستفسار، لا أن يكون موضع التساؤلات التي لا يملك لها جوابا، أو جوابا مغلوطا من الإرث البعيد، و الذي سيوقعه في إشكالات أثناء الجلسة مع سيجارة افتراضية، ليس لها وجود أبدا!!!

تحيّتي و الودّ
عماد نوير...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا