الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مركز البحوث العلمية -7-

علي دريوسي

2018 / 4 / 2
الادب والفن


عندما كنت أفتح النافذة لتهوية غرفتي في الصباح الباكر صرت ألمح اِمرأة تراقبني من البناء المجاور، كانت تُخرج أحياناً رأسها المُغطّى بمنديلٍ أبيض من النافذة، تُلِّوح بيدها، ظننتها تدعوني بلغة الأصابع للصعود إليها، تعلّمت مع الأيام أنْ أدرك أنَّ زوجها قد غادر البيت توّاً إلى عمله، إذ حصل أن رأيتُ مراراً رجلاً متوسط العمر يخرج من باب بنايتها، تفصله بضع دقائق عن الوقت المعتاد لإطلالة رأسها. لعلّه كان موظفاً حكومياً في دائرة ما زائدة عن الحاجة، شاهدته يقترب من سيارته البيضاء، ينظِّف زجاجها، وما أن يحني ظهره في كل مرة كنت أرى رقعة ماء كبيرة على مؤخرة بنطلونه، رقعة واضحة تماماً للعيان كأنَّه خرج لتوّه من المرحاض، مع تكرار حركاته في الأيام اللاحقة اعترتني أحاسيس رافضة للثقافة الاجتماعية التي نحن عليها، أجبرني المشهد المُكَرَّر أن اطرح على نفسي سؤالاً: "ما هي الطريقة المُثْلى للنظافة الشخصية في المراحيض العامة والخاصة؟ استخدام الحجارة أم الماء أم المناديل الورقية المُعَطَّرة؟ أم أنَّ مجرد طرح هذا السؤال الحميمي، البيئي-الصحي، يعتبره العامة من الناس خدشاً صريحاً بالحياء الاجتماعي ومنافياً للأخلاق!؟"
*****
ما أن ينطلق رجل المرحاض بسيارته حتى تبدأ المرأة الشابة بمغازلتي ودعوتي المسرحية للصعود إليها، كنت غالباً لا أصدِّق ما تراه عيناي، اِعتقدت بدايةً أنَّها لا تقصدني شخصياً، بل ربما أحد جيراني، لذا طالما نظرت بفضولٍ إلى النوافذ المجاورة لنافذتي دون أن يلوح أحد في دائرة الرؤية، ثم أخرجُ إلى البلكون لأتناول قهوتي تاركاً أشعة الشمس الخجولة تلامس وجهي الحائر، أخرج لأتأكد أنَّها تريدني أنا لا شخصاً آخر، فرحت بجنونٍ حين قطعت الشك باليقين، حينئذٍ أشرتُ لها بأصابعي مُعبِّراً عن رغبتي الصعود إليها، لمحتها تبتسم وتهلهل، تضع يديها على الجهة اليسرى من صدرها كأنَّها تقول بلغة الحركة: "أسرع، قلبي يؤلمني من الشوق".
استجمعتُ قواي ومضيت إلى بنايتها، كان الباب الخارجي مفتوحاً، لم أكن أعرف هل حصل الأمر مصادفة أم أنها فتحته لي بيديها؟ صعدتُ السلالم الموصلة إلى طابقها الرابع، كنت أرتجف من الخوف والدهشة، كنت أرتجف من اللَّذَّةِ لمجرد أن أتخيّل نفسي في سريرها الدافئ، كنت أشعر بمزيجٍ من الأحاسيس في آنٍ واحدٍ التي يكمن جوهرها في أنَّني أخون زوجها الذي لا أعرفه، أو في أنَّها تخون زوجها مع شاب لا تعرفه، اقتربتُ من باب شقتها الموصد، الباب الخشبي مع ملحقه ذلك الشبك الحديدي الأسود المقفول من الخارج، قفله رجل المرحاض ووضع المفتاح في جيب سترته، غادرَ البيت بعد أن ألبس زوجته القفص الحديدي بتصميمٍ مُتطوِّر عمّا مضى.
*****
رنَنْتُ جرس الشقة، لم تمض أكثر من ثوانٍ حتى فُتح الباب الخشبي بعرض عشرين سنتيمتراً وبقي مربوطاً بجنزيره الثخين إلى إطار الباب من الخارج. أطلَّت عليّ برأسها وبعض جسدها، كانت ما زالت في قميص نومها الأصفر الشفَّاف، أو لربّما اِرتدته لأجلي، رأيت صبية جميلة بعينين لامعتين ضحوكتين، بشفتين ورديتين، بأنف صغير، رأيت إقبال عنقها إلى صدرها، تكويرة نهدها الأيسر ورأيت فخذها الأيسر الذي رسمته الآلهة وقدَّمته رشوة للموظف الحكومي.
ابتسمتْ، رأيت أسنان فمها المفروقة، قالت لي: "من أنت يا أخي؟ عمّا تبحث هنا؟"
أجبتها بصوتٍ مُتهدِّجٍ مُتَكَسِّرٍ: "لا شيء، أردت فقط زيارتك. هل تمانعين؟"
ابتسمت بغموضٍ وقالت: "لا أمانع، تعال إلي، ما الذي أعجبك بي؟"
قلت: "قوامكِ جميل، لصوتكِ رائحةَ القرنفل، وجهكِ عنب أحمر وطيفك لا يفارق فضاء غرفتي، صرت أشرب قهوتي برفقته".
حين رأت عينايّ كيف انتشتْ حبة الكرز سألتها: "ما اسمكِ؟"
أجابتني بهمسٍ: "اِسمي هند. ما هو اِسمك أنت ومن أين أتيت؟"
أجبتها: "اِسمي أحمد، من اللاذقية".
صدرت عنها تنهيدة ملؤها الشوق والرغبة وقالت: "ما أجمل البحر وناسه، لقد زرت وادي قنديل ورأس البسيط".
قلت: "الباب مُقْفَلٌ من الخارج، أعطني المفتاح".
وهي تُطبق الباب الخشبي ببطءٍ قالت: "هل أنت هرقل؟ هل أتيت لإنقاذي؟ هل تستطيع خلع الباب الحديدي وتحمل مسؤولية فعلتك؟ إذا كنت قادراً على تكسير قيودي فأنا لك! وإن لم تكن أقول لك وداعاً يا أخي، دعه مقفلاً حتى يأتي مالك المفتاح، دعنا كما كنا، إلى اللقاء، رافقتك السلامة".
*****
أغلقت المرأة الباب.
كلماتها أعادتني إلى حجمي، نظرتُ حولي خوفاً أن يُفضح أمري من قبل جارةٍ سفيهةٍ، هربتُ قبل أن يلاحقني رجال البناية، قبل أن أُقتل كما قُتِلَ ذاك الشاب المسكين قبل سنين، الذي كنا يومئذٍ أنا ومعلم المصاعد وفيق شاهدين على جريمة قتله دون أن ننبس بحرفٍ. هبطت السلالم الدرجية سريعاً وكأنَّني ملاحقٌ من عصابةٍ سلفية. خرجت من المبنى، صعدت إلى غرفتي، أوصدت الباب خلفي، دخلت الحمَّام، نظرت إلى وجهي في المرآة، كان أحمر اللّون من القلق والإثارة والرغبة، حمدت الله في سري أن لا مكروهاً أصابني.
وأنا أقف أمام المرآة مارستُ الرياضة الصِّحِّيَّة، تلك اللياقة البدنية التي يمارسها حوالي تسعون بالمائة من سكان العالم، فهي تساهم في استقرار ضغط الدم وخفض مشاعر التوتُّر العَصَبيّ، تُقوي قوس الحوض، تحرق السعرات الحرارية وتساعد في التغلب على الأرق، تقلِّل من خطر الإصابة بسرطان البروستات عند الرجال ومن خطر التهابات الحوض عند النساء.
خرجتُ إلى البلكون، رأيت هندا تقف وراء النافذة، كأنَّها تنتظرني لتعتذر مني بطريقتها الخاصة، بدت حزينة، أطرقتْ بالأرض، لوّحت بيدها اليسرى ثم أغلقت نافذتها العالية.
في ذاك اليوم لم أذهب إلى المحاضرات الصباحية الإجبارية في المركز.
*****
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع