الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(سورة)قريش..لاهوت التجارة وتجارة اللاهوت!.(5)

ماجد الشمري

2018 / 4 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


و لكون قريش قوم تجارة و دين،واقتصادهم موجه للسوق-اي اقتصاد تجاري محض-وكحراس لمركز العبادة،واستنادهم على قيم النسب والعصبية والاعراف الابوية،وتداخل الدائرة الاقتصادية بالدائرة الدينية وايضا السياسية لغياب الدولة،والاحتكام في المنازعات للملأ المكي ودار ندوته.كل هذا كان له انعكاس واستبطان في المشروع المحمدي ،لذا فأن الله و محمد كانا يفكران بالدين كتجارة ، و بالتجارة كدين ، و ايضاً باخلاق التجار وبرغماتية الاخلاق . فالله و محمد تعاملا مع قريش وفق نسيج قيمهم و ثقافتهم و نمط عيشهم و انتاج حياتهم المادية و الروحية . فكما كانت المساومة و المقايضة و التبادل و البيع و الشراء و الصفقات حاضرة في علاقاتهم فيما بينهم ، كذلك كانت حاضرة في دينهم و دين محمد الجديد. استحقاقات و ديون ، افضال و استيفاء ، نِعَم و منن مقابل الشكر و الامتنان ، تجارة مزدهرة و اطفاء الدين مقابل عبادة و حدانية موحدة خاشعة . لقاء الغذاء و الامن . عبادة منزهة للرب الاحد . و الا... فسيكون
عقاب قريش - اهل مكة - من جنس عماد حياتهم و نشاطهم كوسطاء و سماسرة و تجار ، فيصب عليهم ربهم بغضبه على شكل : الركود و البوار و الكساد و الخسارة كأنتقام و جزاء على اهمالهم لعبادة رب هذا البيت !. ان الله و بمعية نبيه المرسل محمد القرشي الخارج على ديانة قومه بغرض اصلاح ديانتهم الفاسدة الاشراكية . كانا يضعان اللبنات الاولى لدين عربي محدث ، مؤسس على تثاقف و تلاقح و تمثل لديانات و معتقدات و أفكار شتى ، تعرف عليها الرواد من احناف و أشباه أنبياء من النخب الموحدة عبر الترحال و مصاحبة القوافل صوب الاقاليم المتحضرة و التي تسود فيها ديانات عريقة و مركبة ، كنتاج للاختلاط و الهضم الثقافي و الفكري من مجتمعات مدينية و متدينة أكثر رقياً و تطوراً من شعوب- قبائل الصحراء ، و تأثراً بمن عاش قريباً او وسط مكة كاليهود و النصارى و الصابئة و المجوس و غيرها من عقائد منتشرة في تلك المناطق ، فأم القرى وما حولها كانت مدينة تجارية مفتوحة تتميز بالتسامح و الانفتاح و قبول الاخر المختلف دون تعصب او انغلاق او رفض . لقد منح الله المكي قريشاً بايلافها الخاص و المميز بعد ان عذب و هزم الاحباش - اصحاب الفيل - و دمرهم بحجارته السجيلية ، منتصراً للوثنيين على مسيحيي الحبشة الارثوذوكس !. و هذا امر له دلالته ، فالله المكي اختار شعبه القريشي رغم وثنيته و فضله على العالمين - اديانه الموحدة السابقة !- اختار قريش و تجارتها و اصلاح دينها ، على ان يختاروه هو الرب وحده كمعبود اوحد بلا منازع . و هذا ما اورده الله في سورته التي سبقت سورة قريش و هي سورة الفيل ، و التي اعتبرها - كما ذكرنا - ابي بن كعب جزءاً اوليا لسورة قريش فدمجها في مصحفه كسورة واحدة لاتفصل بينها البسملة !. منّ عليهم ربهم و منحهم ربحاً وفيراً بتجارتهم الصيفية - الشتوية و طيلة ايام العام . تجارة مزدهرة كشريان حياة متدفق يمد و يغذي المجتمع المكي و الذي يعاني من الشحة و الندرة الطبيعية بمدد خارجي عبر تبادل و نقل و توزيع البضائع المنتجة استيراداً و تصديراً داخليا وخارجيا و عرضاً و خدمات . هذه اضافة للمنهل الاقتصادي الاخر ، و المنشط للحراك الاقتصادي و الديني و الثقافي الا وهو تجارته الدينية - الاقتصادية بمواسم الحج و الاسواق و المنتديات الشعرية - الخطابية - و تقديم الخدمات لجموع الحاج القادمين افواجاً ، و هم يحملون مايرغبوا بمبادلته او بيعه او مقايضته بسلع اخرى يحتاجونها . وهذا ماجعل من مكة مدينة تجارية بامتياز تعج بالنشاط الاقتصادي و الديني و الادبي و الارهاص النبوي و الرسالي ، و تبادل الافكار و الحوار . ذكرهم الله بذلك الخير و السلام في سورة قريش كمنة و فضل و رزق من عنده لا علاقة له بمالهم و جهدهم و حركتهم الموسمية ، فهو منه و يستطيع ان يجرده منهم بسهولة اذا ما شاء . لكن المكيين - القرشيين - كانوا يعون جيداً ان ثرواتهم و ارباحهم التي يجنوها ما هي الا نتيجة و نتاج جهدهم و عملهم و سعيهم و استثمارا لاموالهم في التجارة فعلاً . و كان هذا واحدامن اسباب رفضهم لدين الله المحمدي الجديد ، والذي شكل خطراً على تجارتهم وكعبتهم و حضوتهم و مكانتهم بين القبائل-كما اعتقدوا- و في داخل مكة . يرى مونتغمري واط ان تجارة مكة هي السبب الاساسي لظهور الاسلام ، و ان تحول قريش الى الاقتصاد التجاري هو اللذي قوض الوضع التقليدي في مكة و ادى الى انهيار الوضع الاجتماعي و الاخلاقي ، و يعد دعوة محمد هي استجابة لذلك!. ولكن هذا غير صحيح، فواط صادق ودون نقد على المرويات الموروثة،وكان ينهل ودون تمحيص من السردية الكلاسيكية الاسلامية التي اعتبرت دعوة محمد هي دعوة اخلاقية و اجتماعية مضادة لفساد و جور و ظلم قريش المترتب على النظام التجاري الذي دمر الوضع التقليدي التكافلي القائم على البطرياركية القبلية المساواتية . و لكن واط محق في شيء واحد هو قوله بان تجارة مكة هي السبب الاساسي لظهور الاسلام و لكن لاسباب دينية تتعلق بالتوحيد و العبادة و ليست لاسباب اجتماعية و اخلاقية-خاصة في المرحلة الاولى التمهيدية لمشروعه التوحيدي- . كان الاقتصاد اللاهوتي مترفعاً عن الدنيويات و لكنه كان في الوقت نفسه يخوض في الحياة اليومية الملموسة لقريش - مكة و يتدخل حتى في التفاصيل . و اللاهوت الاقتصادي كان غارقاً في المادي و اليومي و المحسوس و في نفس الوقت منشغلاً بالديني الروحي - النفسي و متداخلاً بالطقوس و الاعراف العبادية و مراسيم و اجراءات و تفصيلات الظاهرة الدينية . فاعمال ومهن قريش الاساسية هي التجارة و منذ قرون ، و قبل ان يتطفل عليهم رب محمد بدينه ، و ينسب اقتصادهم و أمنهم الغذائي و السياسي و النفسي و سلامهم المجتمعي لنفسه و ببركاته هو ، و كرزق هابط عليهم من عنده
، و يمكنه ان يرفعه عنهم فيحل البلاء !...
................................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس