الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-جان جاك روسو- حياة صنعت فكره السياسي

جاسم محمد دايش
كاتب وباحث

(Jasem Mohammed Dayish)

2018 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



هل "جان جاك روسو" فرنسي أم جنيفي , يعود أصل " جان جاك " إلى أصول فرنسية لجأت إلى جنيف في القرن السادس عشر , فقد ولد في جنيف عام ( 1712 عن أب ساعاتي وعائلته تنحدر عن أصل برجوازي صغير فقد عائلته منذ وقت مبكر ووالده ترك جنيف على اثر نزاع دون أن يهتم بولده وحظي برعاية إحدى الكهنة ليتعلم على يديه اللاتينية , وعمل بعد ذلك صانعاً عند نقاش لمدة سنتين واضطر للهرب , وطيلة ثلاثة عشر سنة عاش روسو حياة هوجاء وعرف أشكال البؤس ليحظى أخيراً برعاية امرأة شابة أحبته ولدى هذه المرأة كان قد قرأ وكون ثقافته الواسعة , بعدها انتقل إلى باريس ليلتقي هناك بمفكر كان هو الأخر مجهولاً , ألا وهو " ديدرو " وتعلم منه الكثير من الثقافات المختلفة , عمل بعد ذلك سكرتيراً لدى سفير " فينسيا " لمدة سنة ونصف وأثناء ذلك راح يعتني بالسياسة فوضع الخطوط الرئيسية لكتاب مطول يحمل عنوان " النظم السياسية " , لم يكمل منه إلا مقدمته التي حملت عنوان " العقد الاجتماعي " وراحت علاقاته تتوثق مع " ديدرو " و " كوندياك " و " فولتير " وقد استطاع روسو أن يحظى بثقافة عميقة ولكنها لم تبلغ ثقافته ثقافة "ديدرو" ولكن مع ذلك فان روسو كان قد مثل رأساً انسكلوبيديا يشهد عليه تنوع ثقافته التي كانت تمتد ما بين الأدب والموسيقى والفلسفة والعلوم الطبيعية بمختلف أنواعها . وتوفي عام 1778 ) . عندما كتب كتابه الشهير " العقد الاجتماعي " كان يجهل دستور جنيف , ولكنه لعب دوراً بارزاً في الفكر الفرنسي وفي الحياة السياسية الفرنسية .وهكذا يمكن اعتبار "جان جاك روسو" فرنسي الفكر . ومع ذلك لا يمكن تجاهل تأثير الأصل الجنيفي تجاهلاً كلياً خصوصاً بالنسبة لبعض أعماله الفكرية , فقد ولد (كالفنياً) أي انه كان قد طبع على دين يتميز بالفردية وربما يتميز بنوع من العقلانية والتزهد بالقياس إلى الكاثوليكية . كانت "جنيف " دولة جمهورية وروسو كان يفتخر بها بين رعايا ملك فرنسا بأنه "ولد في جمهورية ولا يهم كثيراً أن تكون هذه الجمهورية في حقيقتها مجر اوليغارشية أغنياء حيث تخضع كل سلطة لهيمنة مجلس مكون من خمسة وعشرون عضواً . أن روسو لم يهتم بذلك كثيراً إلا بعد نشر أعماله الفكرية العظيمة ولكن حقيقة كونه "ولد جمهورياً كانت قد ساعدته على أن يتلمس أصالته المتميزة في فرنسا الملكية " .
حمل " جان جاك روسو " مؤهلات سمحت له اعتباراً من عام 1741 ليتردد على الصالونات الثقافية في باريس ولا شك انه في ذلك كان مدفوعاً بطموحات الشباب , ثم أن باريس بذاتها كانت العاصمة الثقافية لذلك العصر وان الصالونات فيها كانت تمثل مفتاح الشهرة , وقد كان روسو لن يبلغ الشهرة إذا لم تدفعه الصالونات لذلك , فهنا فقط يتم الالتقاء بالأغنياء الذين يرعون المثقفين ذوي العبقريات والنساء ذوات التأثير اللواتي يفتحن كل الأبواب فمن قبل كان كثير من المفكرين , منهم " مارمونتل" و " كريم " وفي وقت متأخر "بومارشيه " فقد صنعوا ثوراتهم في الصالونات . فلماذا لم يسلك " روسو " نفس الأسلوب ؟ , خصوصاً لغاية ذلك الوقت لم يثير أية شبهات ضد الارستقراطية , ومؤلفات الشباب لم تكن تتضمن أي عداء ضدها . ولكن باحتكاكه بالارستقراطية عن طريق هذه الصالونات راح الحنق ضدها يتنامى في قلبه وفي هذا الحنق يرجع بالإضافة إلى طبيعته الشخصية المتميزة , إلى اعتبارات طبقية . لقد سأل المفكر المشهور البارون " دى هولباك " روسو مرة عن سبب فتوره إزاءه فأجابه روسو بكل صراحة : لأنك ترى جيداً والأثرياء في نظره يفتقدون في نظره للعاطفة وهو سطحيون , فخلف قناع العاطفة لا توجد هنالك إلا المصلحة أو الغرور الناطق هذا ما أكده في كتابه "الاعترافات " لروسو .
أن روسو وضع العديد من المؤلفات يأتي في مقدمتها كتابه " خطاب حول العلوم والفنون " الذي كان قد لفت انتباه مفكري العصر , وفي مقدمتهم " ديدرو " وعل الرغم من أن روسو لم يعتبر من أعماله الأساسية لما تميز به من ضعف في بعض جوانبه على حد اعترافه . عام 1755 وضع كتبه الجديد " خطاب حول أصل عدم المساواة " ولكن يبدوا أن روسو كان قد أخذه التعب من الحياة الباريسية فقبل عرضاً من مدام "دابيني" التي عرضت عليه أن يعيش في بيت يقع في منتزه في قصرها , وفي هذه الفترة يبدأ خلافه مع "الانكلوبيديين" الذي قد يرجع إلى اعتبارات شخصية محضة ولكن بنفس الوقت قد يرجع إلى اعتبارات أخرى فمن المعروف أن الانكلوبيديين سواء في جناحهم المتقدم " ديدرو , دى هولباك " أو في جناحهم المعتدل " فولتير " كانوا قد قدموا منهاجاً تقدمياً يعبر عن طموحات البرجوازية الفرنسية . بينما " روسو" وهو يحرص على التعبير عن مصالح الطبقات الشعبية ويبدوا أكثر ثورياً لم يستطع أن يمتلك منهاجاً ايجابياً فهرب إلى عالم طوباوي . وبقدر ما لم يستجيب " الانكلوبيديين " في منهاجهم لتطلعات عالمه هذا حدث الصراع بينه وبينهم .
في عام 1758 قطع روسو علاقته بمدام "دابيني" ليعيش في بيت متواضع وهناك وضع أحسن مؤلفاته منها "رسالة إلى دالمبرث "و "هليوبيس " و "العقد الاجتماعي " و " أميــل " , وكل هذه المؤلفات تتميز بطبيعة تعليمية , ولكن يبدوا ان الكتاب الأخير كان قد أثار لمؤلفه بعض الصعوبات فالبرلمان كان قد منح الكتاب وطلب إلقاء القبض على روسو فيما تعجل روسو الهرب , ورئيس كهنة باريس يطلق ضده منشوراً عدائياً , والبروتستانتيون لم يظهروا وداً تجاه روسو , ويحكم على روسو في جنيف فيهرب إلى إقليم "نيرشايل" فيثير كاهنها الناس ضد روسو أيضاً فيلجأ إلى إقليم "بيرن" فيطرد من قبل مجلس شيوخها . ومن منطقة "الالزس" فيهرب إلى انكلترا بعد استلامه دعوة من فيلسوفها " ديفيد هيوم " ولكن سرعان ما يثور الخلاف بينهما ليقرر العودة إلى فرنسا ليمارس حياة مشوبة بالمعاناة إلى أن يتم العفو عنه من قبل السلطة 1770 ليقيم في باريس حتى نهاية حياته وأثناء ذلك وضع كتابه " الاعترافات " ومن ثم كتاب "أحلام في منتزه متوحش " . وكتاب الاعترافات يتمتع بقيمة متميزة فهو ليس مجرد سرد لحياته وإنما بالأحرى تاريخ روحه وانفعالاته فهو يمثل عملاً رائعاً في مجال علم النفس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو