الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحليل النفسي والعلاج النفسي: الموضوع والمنهج والنتائج

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2018 / 4 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يضطرُ بعض الأفراد للبحث عن علاج لمشاكلهم النفسية، وهي مشاكل مختلفة ومتنوعة من قبيل: صعوبة أو استحالة نسج علاقات مع الآخرين أو الحفاظ عليها بعد النجاح في نسجها، الغيرة المفرطة، توجه جنساني غير واضح، نتائج غير مرضية للعلاقات الجنسانية، أمّ مهيمنة داخل العائلة، أبٌ متسلط أو عنيف، صدمات نفسية من جراء موت أحد الأقارب أو إصابته بمرض عضال، قلق عميق ومزمن، الخوف الفظيع (رُهاب) من أمر ما، هوس بشيء ما أو بعضو من أعضاء جسد ما، عجز تام عن التغير والتطور، الضغط النفسي، الاضطراب الاكتئابي، الرغبة في تصالح الفرد مع استيهاماته، معاناة نفسية مجهولة المصدر، فقدان معنى للحياة، الفشل في الحب، عدم القدرة على تقبل نتائج تجارب قاسية...
ويجدون أنفسهم أمام عدة خيارات علاجية أهمها: اللجوء للمحل النفسي أو للمعالج النفسي. وقد لا يتبين أغلبية الناس الفرق بين العلاجين المقترحين. فما الفرق بين العلاجين في الموضوع والمنهج والنتائج؟
بالنسبة للعلاج النفسي (بسيكوتيرابيه): له مرجعيات متعددة، فهي نفسية وإنسانية ومعرفية وسلوكية (وولتر كوبر داندي، بيير جانيه، جوزيف بروير، مسمر...). ويلجأ لعدة عمليات منها عمليات معرفية يتم من خلالها التأثير على الذهن بناء على اختبارات عصبية نفسية، ومنها عمليات تتوخى التغيير النفسي والديناميكي من خلال التعبير الحر عن المشاعر والأحاسيس والأفكار والتمثلات، ومن خلال التطهير الذي يمكن من التخلص من المشاعر السلبية. يرتكز العلاج النفسي على السلوك الذي هو موضوعُه الرئيسي، وذلك من أجل مساعدة الفرد الذي يتلقى هذا النوع من العلاج على التخلص من التوتر دون اهتمام بالأسباب التي تجعل التوتر يمارسُ تأثيرا سلبيا. إنه يركز على اللحظة الآنية التي يمر منها الفرد موضوع العلاج، وعلى قصر مدة العلاج باستعمال التواصل المباشر للتأثير على السلوك المستهدف من العلاج.
يُعتبر هذا العلاج معياريا وتقنيا، يستهدفُ تكييف الخاضع للعلاج مع المجتمع، ويتمكنُ من إزالة بعض الأعرَاض دون الوصول لأسبابها، كما ينطلق من اعتبار العَرَض مجرد خلل يعبرُ عن ربط غير مقبول ما بين وضعية معينة وبين سلوك محدد.
أما التحليل النفسي فيرتكز علاجه على كلام الشخص المُحَلّل (الذي يخضع للتحليل النفسي)، ويقيمُ فرقا واضحا بين الكلام أثناء العلاج وبين المُحادثة العادية والمعتادة. فالكلام في العلاج الذي يقدمه التحليل النفسي يقود لاكتشاف حقيقة مختفية ورغبة لاواعية، لذلك فهو يعتمد على القاعدة التالية: لمّا نتكلمُ، فإننا نقولُ أمورا تتجاوزُ ما نعتقدُ أننا نقولهُ. لا يقدم المحلل النفسيُ أية نصيحة في الحصة العلاجية، بل يسود صمت يُولد انطباعا عند المُحَلّل أن المحلل النفسي لا يبالي بوجوده. لكن صمت المحلل النفسي هو تعبير عن كلامه، لأنه يتقن فن الكلام، ولا يتكلم إلا في الوقت المناسب الذي يكون فيه الُحَلّل مهيئا لسماعه.
وبما أنه من الصعب على أي فرد فك ألغاز لاشعوره بنفسه، فإن الاعتماد على من تلقوا تدريبا خاصا للمساعدة على القيام بهذه المهمة يقود لطلب تدخل المحلل النفسي. يعمل هذا الأخير على جعل الفرد يتحمل مسؤولية ما يقوله، والعودة لتاريخه الشخصي، والارتكاز على الطفولة ونقائصها وعلى الصعوبات العاطفية التي حدثت للشخص في ماضيه، كما يحترم القاعدة التي تقول: إن كل شخص موضوع التحليل هو شخص فريد من نوعه لا يشبه في شيْء أيَ شخص آخر.
ينظر التحليل النفسي للشخص موضوعَ التحليل في شموليته، ويعتبرُ معاناته تعبيرا عما لا يستطيع التعبير عنه بالكلمات، لذلك فكل عرَض من أعراض المعاناة هو عرَضٌ فريد من نوعه بالرغم من تشابهه مع أعراضٍ أخرى. يتوخى التحليل النفسي التفكير في آثار ومخلفات العرَض وليس فقط التخلص منه. لا يحضر المحلل النفسي في عملية العلاج كشخص واقعي وإنما يحضر كمساعد لتمكين الشخص موضوع التحليل من التعبير عن مختلف حالاته وشخصياته ومشاعره من خلال "عملية النقل والتحويل"، التي هي عملية تحويل ونقل المريضِ لمشاعره ورغباته اللاواعية الماضية وخصوصا في الطفولة داخل العائلة إلى شخص آخر هو المحلل النفسي. تمكن عملية النقل والتحويل من إحياء وبعث رغبات لا واعية بصدد موضوعات محددة وفي إطار علاقة محددة بين المحلل النفسي والشخص موضوع التحليل. فمن خصوصيات التحليل النفسي تحليل عملية النقل والتحويل هذه. ومن شروط ممارسة التحليل النفسي أن يكون المحلل النفسي قد خضع هو نفسه لتحليل نفسي طويل المدى وعميق، كما ينبغي أن يحصل على الاعتراف له بالقدرة على ممارسة التحليل النفسي من طرف جماعة من المحللين النفسيين، إضافة إلى ضرورة أن يتمتع بتكوين نظري وأن يظل هو نفسه موضوعا للتحليل بشكل دائم حتى يتمكن من التخلص من شباك النقل والتحويل، والسبب هو أنه لا يمكنه تعلم تجنب فخاخ اللاشعور في الكتب، بل لا بد له أن يخوض تجربة شخصية في تجاوز مخاطر وشباك اللاشعور والتغلب عليها. وإذا كان التحليل النفسي يركز على الكلام والكلمات فإنه لا يهتم بمدى تطابق الكلمات مع الواقع، فاللاشعور لا يهتم بالواقع ولا بالتناقض، فدور الكلمات هو تمكين المُحلّل (الشخص موضوع التحليل) من امتلاك تاريخه والتحرر من تكرار التجارب المؤلمة.
يعارض التحليل النفسي استبداد التصنيفات الاجتماعية واستبداد تصنيفات الأمراض النفسية وينظر إلى العَرَض كتعبير مقنع لكبت في طريقه للظهور. ولقد تعرض التحليل النفسي للعديد من الانتقادات من طرف فلاسفة وأطباء نفسيين وعلماء في تخصصات الأعصاب والدماغ على وجه الخصوص، لكنه تعرض لانتقادات من طرف بعض المحللين النفسيين أيضا، ومن بينهم المحلل النفسي المجري ساندور فيرينزي (1873-1933) والذي نعته فرويد نفسه "بالأستاذ والمعلم الكبير". رأى فيرينزي أن النتائج الإيجابية للتحليل النفسي ضئيلة، وأنه يعتمد مدة علاج طويلة، كما يمكن لحصص العلاج أن تؤدي لنتائج عكسية، وأنه يبالغ في إرجاع أسباب فشل العلاج لمقاومة الشخص موضوع العلاج (المُحَلّل).
إن العلاج الذي يقدمه التحليل النفسي لا يستهدف تحقيق الشفاء، لأن الشفاء لا معنى له في التحليل النفسي وذلك لأنه من المستحيل شفاء الحياة، وما يمكن إنجازه هو فقط تمكين الشخص موضوع التحليل من الارتقاء إلى رغبته والتصالح معها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استبعدت روسيا ولم تستبعد إسرائيل من مسابقة الأغنية -يو


.. تعليق دعم بايدن لإسرائيل: أب يقرص أذن ابنه أم مرشح يريد الحف




.. أبل تعتذر عن إعلانها -سحق- لجهاز iPad Pro ??الجديد


.. مراسلنا: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان | #الظهي




.. نتنياهو: دمرنا 20 من 24 كتيبة لحماس حتى الآن