الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسة الدينية وواجب الإصلاح والتجديد الضروري لها.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المؤسسة الدينية وواجب الإصلاح والتجديد الضروري لها.

لماذا كثر اليوم النقد المباشر والعلني وأحيانا يصل إلى مستويات من الحدة تجعل من البعض غاضبا وناقما من الدين ومن كل ما يمت له بصله أو يرتبط به، بل أننا نشهد موجه عارمة من المواقف الفردية والجمعانية تعلن إلحادا شبه عقلي غير متوقع، أو مبررا بما يجده الناس من تخلف تام وتراجع نكوضي عما عرف به الدين سابقا من تسامح ولطف وإنسانية، وحتى ظهور ميول عدوانية عصبية مقصودة من قبل ما يعرف بالمؤسسة الدينية وأذرعها القوية سلطويا وأجتماعيا وروحيا، وكأن المفهوم الديني للوظيفة الأجتماعية عندها يتمثل في تمجيد الذوات والخضوع التام لكل ما تطرحه من أفكار أو تمارسه من سلوكيات على أنها صورة طبق الأصل من إرادة الله لنا، هنا يكون رد الفعل الإنساني عكسي ومساوي في زاوية الأنحراف وقياس القوة للفشل والعجز والتخبط الذي تعيشه المؤسسة الدينية بكافة أطيافها ومظاهرها، حتى أصبحت كلمة الدين فيها من إثارة الحقد والكراهية ما يتجنبها الكثيرون خوفا من ردود الفعل المقابلة.
عندما نشير إلى التقصير في عمل وفاعلية المؤسسة الدينية وتهاونها في واجب أساسي من واجبات الدين وهو حماية وحفظ الوجود الإنساني من الظلم والأنتهاك، فإننا نقصد بذلك الأطر والشكليات الجمعية التي تنظم وتدير المؤسسة ولا نقصد أشخاص محددين فيها أو نشير بالنقص على قادتها، المؤسسة الدينية بكافة أطرافها اليوم عبارة عن مجتمع أرستقراطي تعينه وتساعده طبقة برجوازية كسولة ومتخلفة من خدام الكهنة، تتفرع منها أذرع مالية وإدارية ودعوية تعمل لأجل خدمة وجودها الخاص، ولا علاقة لها بالإنسان ولا بالدين إلا حينما تصل النار قرب أسوارها فتنادي وارباه ومحمداه وديناه ... وهكذا يسخروا هذه المؤثرات العاطفية للحفاظ على الهرمية والبنيان الذي أسسه الصراع القديم الجديد، والوقود المجاني دوما هم الفقراء والمساكين الذين يظنون أن الله في خطر، وأن هناك حربا حقيقية ضد الرحمن من أجل أنتزاع عرشه.
ليس جديدا هذا التناقض بين الناس والمؤسسة الدينية ولا غريبا أن يخرج البعض مطالبا بحريته ومبتعدا عن مداراتها لأنه يملك ما يكفي من الشجاعة لأتخاذ قراره هذا، لكن الجديد هو تبلور حالة رفض حقيقي وأبتعاد عن الدين وليس عن المؤسسة الدينية ومصاديقها فحسب، والسبب الذي يدفع بهؤلاء هو كم التراكم الذي خلفته في من فشلها الدائم أن تكون مع الإنسان وقريبا منه، وخاصة الفقراء والمساكين والطبقة التي تقف دوما إلى جانبها بدون سؤال وجواب، في حين أن تحالفها الدائم مع السلطة السياسية أو الأجتماعية لا يمكن أن يكون بديلا عن واجبها الأساسي في رعاية الأكثرية المسحوقة التي تعاني من الذل والهوان والأستعباد والأستبداد والفقر والمرض والجهل، هذه الأزدواجية المنحرفة التي تقودها المؤسسة الدينية تنزع عنها أخر ورقة توت تستر بها عوراتها الفاضحة والمعيبة، فالأنبياء والرسل والصالحين والأولياء كانوا الأقرب للناس الفقراء والمساكين، بل هي المؤسسة ذاتها تردد دائما مقولة أن الفقراء عيال الله وأحبائه، والسؤال هنا إذا كان الأمر كذلك لماذا هذا الجفاء والتجافي بينها وبين أحباب الله إنه كانوا حقا يؤمنون به؟.
إن المؤشرات المادية والحسية التي نستقرئها من حركة الإلحاد أو ما يسمى إلحادا ظاهرا هي من نتاج النقمة التي أسست لها سلوكيات وأفكار المؤسسة الدينية، ولا تعني بأي حال من الأحوال حركة عكسية تشير لخروج الناس من الأثر الروحي والمعنوي للدين في حباة الفرد والمجتمع، وهذا ما يستدعي عملا حقيقيا لمن هم في داخل هذه المنظومة والحريصين تماما على مستقبلها ووجودها، أن يخرجوا عن صمتهم المطبق ورداء الخوف والتقية الذي يمارسونها بغية الحفاظ على المصالح الأبعد كما يظنون أو يتوهمون، إن شعار المؤمن الحقيقي والذي لا بد له من حضور فوري هو (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه) وترك الشق الأخير منه الذي يتعلق بالرفض الصامت الذي يزيد من حدة التناقض ويقلل من شأن العوامل الإيمانية لديهم، فليس هناك داع من خوف في قضية وجودية حاسمة وستكون نتائجها وبالا عليهم وعلى الناس وهذا هو الفساد الذي أشارت له آية محكمة في كتاب الله (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت .....).
إن دعوتنا لإصلاح المؤسسة الدينية ينطلق أساسا من دعوتنا لتجديد منظومة الأفكار والرؤى العاملة بتحفيز الإنسان لأن يكون سويا إيجابيا بما يتناسب مع حقيقة أن الدين لا يمكن أن ينفصل عن حياةته الخاصة والعامة، ولا بد من أن نعمل على مهايأة حقيقية تستند للظروف والمعطيات والمقدمات والأهداف الجعلية للدين، ولا يشكل هذا النقد بأي حال من الأحوال محاربة أو عداء شخصي لفرد أو فكر أو حتى ما يعرف بالنظم التي تعمل بها تلك المنظومة المتضخمة خارج حدود المعقول والمقبول منطقيا، إن الإصلاح الأجتماعي يبدأ أولا من إصلاح القيم الرأسية والدين بحد ذاته قبل أن يكون عبادة وخضوع هو من هذه القيم الأخلاقية والمؤسسة بما لها من غايات تنتهي في إصلاح الوجود والمحافظة على الأمثلية الكبرى في التوافق بين الإنسان ووجوده بمعنى الخير والحق.
وليعلم الذين يعلمون أن دين الله محفوظ بأمر من شرعه وبقدرته على ذلك بالوعد الصادق، أما التذرع بأن أهداف الإصلاح لها غايات ومقاصد خفية تتعلق بنسف وجود الدين في حياتنا، ما هي إلا أعذار وتبريرات قد تنفي عنهم حتى حد الإيمان بأبسط صوره بأن الله قادر على تنفيذ وعده، المشكلة التي أستعصيت على الحل أن الأمتيازات والمنازل التي نزلت فيها تلك الطبقة الأرستقراطية وما تترك لهم من أثر زخرفي ونوع مميز من أنواع الطغيان المغلف بالقداسة المتوهمة، قد أنستهم شعار الأنبياء الرسل وحتى الأولياء وهو الإصلاح ما أستطعت إليه سبيلا، والركون إلى الخوف في بعض التبريرات الساذجة من أن تؤدي عملية التجديد الإصلاحي إلى فتح الباب على أفكار وأجتهادات وحتى ظهور مدارس فكرية تسلب من واقع الدين جزء من قوته الأجتماعية، إنما يسوق هذا التبرير لأن القائمين على الواقع الديني لا يملكون الثقة بأنفسهم أنهم قادرون فعلا على قيادة سفينة الدين في عالم الأفكار الحرة والإنسانية، وإلا فإن القانون الطبيعي في الوجود يرتكز على مبدأ البقاء للأصلح والأوفق مع سيرورة الوجود ذاته، وبهكذا منطق أستطاع الأنبياء والرسل من الأنتصار على واقع مجتمعي كان موبوأ بكل التناقضات والظلم والأستعباد ولكنهم كانوا يملكون من المبررات العقلية والحقيقية ما جعلهم أقوياء في مواجهة ذلك الواقع وهدمه وبناء مرتكزات جديدة ومغايره ساهمت في تجديد الحياة وتجديد الفكر البشري.
إن مواجهة الحقيقة والتصدي لموجبات التغيير والتجديد والإصلاح يعد فرضا وجوبيا لا خيار حر كفائي على كل من يؤمن بدين الله ورسالاته للبشر، وما ينفي هذا حقيقة جهود الكثير ممن يتعاطى مع العملية الإصلاحية من مساع حقيقية يراد منها صيانة قدسية الإنسان وكرامته ومصلحته الشمولية، ولكن التخاذل والخوف ومحاولة الترقيع اليومية التي تمارسها بعض أطراف المؤسسة الدينية لا تشكل بأي حال حلا ناجعا وعمليا، ولا يمكنها أن تسد الفراغ الهائل والفجوة المتعاظمة بين الدين كما أراد الله له وبين الإنسان، أما حالة الهروب للأمام والعناد والمكابرة فإنها بالنتيجة سترتد على المؤسسة ذاتها كلما أوغلت في الهروب من أستحقاقات الواقع، وما نتيجة متوقعة أفضل من تزايد أعداد الهاربين والناقمين والأعداء الذين تصنعهم بإصرارها على منهج لم يعد قادرا على فهم الواقع والتعبير عنه، وهذا ما يشكل خسارة مركبة وتراكمية من رصيدها الشعبي حتى تصل إلى مرحلة تشبه تلك التي وصلت لها الكنيسة في أوربا، حينما تم تجريدها من كل أمتيازاتها لتجد نفسها معزولة عن المجتمع وعن وظيفتها الأساسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53