الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل مملكة ومصير قارة

عادل صوما

2018 / 4 / 14
كتابات ساخرة


واضح أن اوروبا تتخبط بين فراغها من أي إيديولوجيا ذات قيمة وبين عملية تسويق جلد الذات غير المبرر، والتخبط سيقودها إلى سقوط كبير إما تحت وطأة عودتها إلى افكار العصور الوسطى أو حُكم أمراء التكفيرية العالمية، ولن تكون الخسارة عليها فقط، بل على مسيرة العلمانية.
فقدان المناعة
التخبط واضح رغم ديكورات ثورة التقينة. لا عقيدة فكرية ذات قيمة اليوم في أوروبا تعطي مناعة لما تواجهه شعوبها، التي اختار حكامها بقصر نظر لا مثيل له أن تتحد دول أوروبا وتصبح مثل فيل كبير قابل للقنص برصاصة واحدة، قد تكون إقتصادية أو تكفيرية، فقد تمخض منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عن كل العقائد التافهة العدمية وأفكار كتّاب لا قيمة معرفية أو اجتماعية أو إنسانية لهم أمثال جان سارتر وسيمون دو بوفوار وكامو، ما نراه اليوم من ترهل حضاري بلغت خطورته في شرعنة زواج المثليين الذي اعتبروه تثميناً للحرية الشخصية، ومحاولة إدراج البابا فرنسيس مشاكلهم ضمن مشاكل الاسرة الكاثوليكية العادية المكونة من رجل وإمرأة واولاد، فضلا عن العزوف عن تكوين أسر، وسيطرة عقائد سرية تعيّن من تشاء من رؤساء يتجاهلون الصدوع العميقة في روح أوروبا التي خلقها التنويريون.
تتجاهل أوروبا الحالية بحماقة تاريخية لا مثيل لها، كل مكتسبات عصر التنوير والعلمانية، ونتيجة لأفكار كتّاب النصف الثاني من القرن العشرين تم تفريغ روح القارة من الايمان، ليس الديني فقط بل الايمان بأي قيمة. روح فارغة المضمون تنتظر من يسوقها إلى ما يريد.
الخطر الثاني الذي يهدد أوروبا روّج له الروائي والكاتب الفرنسي باسكال بروكنر في كتابه "طغيان الشعور بالذنب" سنة 2006، وملخص فكرة هذا الروائي الذي ينضم بجدارة إلى سلالة سارتر ودو بوفوار وكامو، أن حقيقة الشعور بالذنب الاوروبي تتمثل في نسبة كبيرة من الأوروبيين يشعرون بالندم الشخصي العميق بسبب الإمبريالية والفاشية والعنصرية، رغم عدم تورط الاوروبيين الحاليين في تلك الشرور. ووفقاً لبعض الأوروبيين، يشير الجلد الأبيض ذاته إلى ذنب الاباء، ومن ثمة فإنهم يشعرون بأنهم مجبرون على إظهار قيم التسامح والمودة غير المحدودة لغير الغربيين.
ثرثرة صالونات
إذا كانت ثرثرة صالونات الفكر المترهل التي رددها بروكنر صحيحة، فمعنى ذلك ان شعور جلد الذات تكوّن عبر عقود، والسؤال لماذا لم ينجح أي بابا منذ القديس يوحنا بولس الثاني حتى المنفتح فرنسيس الثاني في إزالة هذا الشعور، رغم أنهم نجحوا في تسويق براءة اليهود من دم المسيح، لأن اليهود الذي هتفوا بصلب المسيح أمام بيلاطس البنطي ليسوا يهود اليوم. هذا على مستوى الايمان الديني الذي فقدته أوروبا ولم تجد بديلا له.
تاريخيا، الشعوب غير الغربية أخطأت أيضاً ومارست الثلاثية المُشار إليها، ومن هذه الشعوب قبائل جزيرة العرب الذين استعمروا ووأدوا حضارات ولغات وأديان وثقافات بغطرسة دفعتهم لتسمية تلك الامور فتوحات أضفوا المصداقية الإلهية عليها، ومن ثمة لا اعتذار بل شكر على عناية الله ورحمته على ما تم .
وهناك الاهوال التي صنعتها اليابان، المسالمة اليوم، في الحرب العالمية جنوبي شرق آسيا، بالحرب الجهادية على الطريقة اليابانية والهجمات الانتحارية بالطائرات على طريقة السيارات الجهادية المفخخة، ما دفع أميركا إلى ضربها بالقنبلة الذرية مرتين لتكسر شوكتها، بعدما قصفت اليابان قاعدة بيرل هاربور الاميركية بينما مندوبوها على طاولة مفاوضات مع وفد اميركي.
لم تشعر امريكا ولا اليابان بعقدة الذنب الاوروبية، كما مات الأسكندر الأكبر وهولاكو والخليفة أبو العباس عبد الله السفاح وأدولف هتلر وهم يشعرون انهم على حق ولا ذنب عليهم، فمن يقف وراء تمويل نشر عقدة الذنب غير المبرر؟ ومن هو المستفيد؟
أمثلة من التاريخ القديم والحديث تضع امام أوروبا الغائبة عن الوعي سؤالين: لماذا عنصرية آباء الاوروبيين البيض تدفع الحاليين فقط للندم؟ وما العلاقة بين الندم وهدم مكتسبات العلمانية؟
تسويق الندم
مهّد الندم المُروّج غير المُفسر بعد لقاء أنغيلا ميركل مع فتاة فلسطينية عمرها 14 سنة في تموز/ يوليه سنة 2015 لفتح حدود ألمانيا بعد ذلك بشهر، امام كل من يحضر من اللاجئين حتى ولو لم يكن لديهم مهارات، أو يأتون من إيديولوجيا تريد صراحة استبدال الحضارة الأوروبية ودولها القائمة بنظرية إلغاء الآخر، ودويلات وامراء تكفيريين يضعون نصب أعينهم هدم العلمانية والدول والثقافات.
لم يدفع ندم انغيلا ميركل للتأثر بما حدث لمسيحيي العراق وسورية أو الايزيديين أو الاحوازيين أو اليمنيين أو الاكراد، ولم تُفتح ابواب ألمانيا النادمة امام هذه الشعوب المسالمة التي شُردت بعمليات عسكرية همجية، واستُبيحت نساؤها وباعوهن في سوق النخاسة، ورُصدت بعضهن جوائز للمقاتلين في مسابقات رمضانية صممها فقهاء تنظيم الدولة.
لم تٌقبل هجرة هذه الشعوب سوى بطلبات لجوء رسمية، وفعلت حكومات أوروبا ما فعلته ميركل تماما، ثم قبلوا لاجئين بدون قيد أو شرط من عنصر واحد فقط، وتعامى الجميع عن وقائع تقول ان هذا الامر سيؤدي إلى تفاقم أزمات أوروبا، بسبب معدل المواليد المنخفض لدى الأوروبيين، والمرتفع لدى المهاجرين، والهويّة الوطنية والدينية الضعيفة لدى الاوروبيين، والهويّة التكفيرية الكاسحة لدى من يحركون المهاجرين، وشعور الأوروبيين بالذنب لآثامهم التاريخية، وشعور التكفيريين الذين يقودون المهاجرين بالفخر بفتوحاتهم والقنبلة السكانية التي سيفجروها في أوروبا، ويتحدث أردوغان عنها علانية ويسعى لعضوية الاتحاد الأوروبي العلماني في الوقت نفسه.
ليس خطرا نشر الاسلام في اوروبا، بل الخطورة نشر الفكر التكفيري عدو العلمانية وعدو الآخر اياً كان، وهو الامر الذي بدأ يُحرك بعض الاحزاب في أوروبا لتبني قضيتي الهجرة والتكفيرية ووضعهما في أولوياتها، إلا أن أحداً منهم لم يصل إلى السلطة حتى اليوم، لأنّ هذه الاحزاب أو المجموعات تميل إلى توظيف هواة، أو بها كثيرون من اليمين المتطرف كما يقولون، أو المنبوذون سياسيا لأن سياسيي أوروبا يقولون عنهم إنهم شعبويون وقد تبنى البابا فرنسيس الثاني هذه التسمية، ولذلك لا يمكنهم الوصول إلى نسبة 51% للوصول إلى الحكم.
ترهل الحكومات
جاءت التناقضات وإرهاصات الكراهية تجاه الغريب التي تحدث في أوروبا حاليا، نتيجة ترهل الحكومات الاوروبية في معالجة ما يهدد شعوبها، وبراعة التكفيريين في الاستفادة من علمانية أوروبا وديموقراطيتها.
قضت محكمة ألمانية بأن تكفيريين جابوا شوارع مدينة ألمانية لتطبيق الشريعة وحملوا لافتات كُتب عليها "هذه منطقة تخضع للشريعة"، لم يخالفوا القانون المتعلق بارتداء الزي الموحد أو قانون التجمع، واستأنف النائب العام الحكم.
الحكم لا علاقة له بتاتا بالزي؛ من قال للقاضي ضيق النظر أن ألمانيا ستهتز بسبب زي موّحد؟
وبعدما تظاهر نشطاء منظمة "بيغيدا" المناهضة للتكفيريين في منطقة ووبرتال ومناطق أخرى العام الماضي مطالبين "بوقف أسلمة ألمانيا"، سوّق من حملوا لافتات "هذه منطقة تخضع للشريعة" الامر على انه ضد الديموقراطية وحقوق الانسان.
قال وزير الداخلية الألماني الجديد هورست زيهوفر إنه يعتقد إن ألمانيا "قد كونتها وشكلتها المسيحية"، وأن "البلاد لا ينبغي أن تتخلى عن تقاليدها الخاصة"، و"المسلمون الذين يعيشون معنا ينتمون إلى ألمانيا"، وتعهد بزيادة عمليات ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، فنشطت حملة مريبة ضده مفادها أن ما يقوله عنصرية، وتجاهلوا أن ما يقوله وقائع فلم يشارك مسلمٌ واحدٌ في صُنع ألمانيا، ثم أن قراره الخاص بالهجرة يقع في نطاق القرارات السيادية للدولة، وهناك سابقة في التاريخ تقول أن الخليفة عمر بن الخطاب مارس قرارا سياديا بنفى نصر بن حجاج بسبب وسامته بعدما سمع إمرأة تقول لصديقتها انها تتمنى أن تلقى نصر بن حجاج وتشرب معه الخمر، فلماذا يحق لخليفة الخوف على نقاء المجتمع من نشر الرذيلة فيه، ولا يحق لوزير داخلية الخوف من إنتشار الجريمة من مهاجرين غير شرعيين؟
وعندما صرح رئيس حزب "البديل من أجل ألمانيا" ألكسندر غاولاند بأن الإسلام "ظاهرة سياسية ليست جزءا من ألمانيا"، وقالت فيدل شريكته في زعامة الحزب إن هناك أماكن صار الألمان يخشون السير فيها مثل ميدان كوتبوسر بحي كريزبرغ الذي يكثر به أبناء الجالية التركية، وطالب حزبهما بحظر الآذان ومنع التمويل الأجنبي لبناء المساجد التي تدعو للتطرف في ألمانيا لأنها رمز للهيمنة التكفيرية، وطالبا بمنع النقاب لأنه تعبير عن خضوع نساء للرجال في مجتمع علماني، واخضاع جميع الائمة لرقابة وتدقيق الدولة، قيل أن هذا الحزب عنصري وحي كيرزبرغ انخفضت فيه الجريمة منذ سيطرة التكفيريين عليه. قفزوا على وقائع خروج تكفيريين خطرين تخرجوا في مساجد هذا الحي، ووقائع تقول أن الجريمة سواء كانت إعتداءً عنصريا أو سرقة عادية انخفضت لأن عناصر الشرطة تراقب الحي ليلا ونهارا.
من المؤكد أن شعار"عاقب مسلما" في بريطانيا مرفوض لأنه ضد إنسانية المُسلم بشكل عام، وضد فلسفة توماس هوبز بشكل خاص، لكن هذا الشعار هو أفضل دليل على تخبط حكومة بريطانيا تجاه ورطتها في إحتضان أكثر من ستين منظمة إخوانية وتكفيرية مجهولة التمويل خلقت مناطق معزولة تكفيرية في بريطانيا، رد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق على وجودها بوصفه للصحافي الذي كتب هذه الوقائع بأنه أحمق، ولم تزل بريطانيا تتعامى عن ذلك وتغرق في أمور عجيبة مثل: هل يكتبوا دعوات زواج الامير هاري على ورق بريطاني بحبر أميركي أو العكس؟
ليس خطرا على الاطلاق إنتشار الاسلام في أوروبا فسكان جنوبي شرق آسيا وديانتهم البوذية ينتشرون بصمت أكثر وأسرع منه، وهذه مسألة أوروبية بحتة لقارة فضلت فتح الباب امام المهاجرين والعزوف عن بناء أسر، لكن الخطر هو سقوط الدول والعلمانية ومكتسبات عصر التنوير.
إذا كان ولي العهد الشاب محمد بن سلمان صادقا في نواياه المُعلنة لتحرير السعودية "المُختطَفة"، كما يقول، منذ عقود بسبب سيطرة ايديولوجيا متشددة، وسعيه لترسيخ أفكار مثل سيادة القانون والمساواة والاعتدال، وهي قيم من ثمار التنوير، فليس مستبعدا أن تتجه السعودية إلى العلمانية والسفور بحلول سنة 2030، وتتجه أوروبا تحت وطأة إمارات "التمكين" التي ستسيطر عليها إلى التشدد والنقاب في الوقت نفسه.
وإذا اتجهت أوروبا إلى بيع كنائسها أو تأجيرها منذ أكثر من خمس عشرة سنة بسبب فراغها الروحي الهائل، فليس مستبعدا أن يكون مصير الدول الاوروبية هو المصير نفسه. التكفيريون يعرفون ذلك جيدا لأنهم يتحركون في الفراغات الثقافية، وهذا يفسر عدم وجود فاعل لهم في دول أميركا اللاتينية، لأن أهلها ما زالوا يذهبون إلى الكنائس ويؤمنون بأرضهم ويفتخرون بثقافتهم لدرجة أن المكسيك، على سبيل المثال، لا يقول أهلها إنهم يتحدثون الاسبانية بل المكسيكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث