الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمار- قصة قصيرة

داود السلمان

2018 / 4 / 17
الادب والفن


أصُبت بخيبة أمل كبيرة، حينما سمعت شخصاً ينادي شخصاً آخر: "يا طويل الاذنين"، وهذه الصفة أو اللقب هي صفتي ولقبي، والتي لقبني بها سيدي الانسان، وأنا لا أستنكف منها، على العكس تماماً، فهي تعني لي أشياء هي محببة الى نفسي، أو بالأحرى نحن أصناف الحمير، لا نستنكف من القاب يلقبونا بها بنو البشر، بل هم الذين يستنكفون وأحياناً يغضبون حينما ينعتهم شخص آخر بنعت هو من نعوتنا.
خيبة الامل التي أصُبت بها، هي أن البشر لا ينصلحون ولا أعتقد في يوم من الايام سوف تتسرب اليهم نظرية الاصلاح، فيعون فلسفة تهذيب النفس. فهم يتهموننا بالغباء، بينما يحمّلوننا ما لا طاقة لنا بها من أثقال، وحينما لمْ نستطع أن ننهض بتلك الاثقال، يضربوننا بالسياط! ضرباً لا هوادة فيه، فمن هو الجدير بالغباء نحن أم هم؟.
أنا لا أستنكف من كوني حماراً، كما الآخرين لا يستنكفون كونهم خلقوا على شاكلتهم، فالحياة لا يمكن أن تسير على وتيرة واحدة، وهم مع ذلك يصفونني بأنني: "أقل الدواب مؤونة، وأكثرها معونة، وأخفضها مهوى واقربها مرتقى"، وهذا أعده جيداً بحقنا، ويستحق الاعجاب، وليس من سفاسف القول، التي يرميها بعضهم علينا جزافاً وبلا رويّة: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله صورته صورة حمار أو يحول رأسه رأس حمار"، اليس الذي خلقنا خالق واحد؟ وهو الاعرف بما ستؤول اليه أمور الخلق؟. أما يعلم بنو البشر أن جدنا الاكبر الذي نسيت أسمه الآن شهد لأحدهم بالرسالة والاحقية وأقر له بالأفضلية، بينما أجدادهم نكر تلك الاحقية والافضلية. جدنا كان لدى شخصاً كان يهينه ويضربه ويحمل عليه أثقالاً لا يستطيع النهوض بها إلّا بشق الانفس، وعندما وصل الى ذلك الشخص الكريم، أكرمه وأحسن اليه وجعله من أقرب حميره اليه. وكان يستعمله كساعي بريد، حتى أدى عمله بأحسن مما يفعل سواه من الحمير، فضُرب به مثلاً كأفضل حمار أدى ما عليه، وزاد قليلاً.
أنا، عندما أغُني في أوقات فراغي، أو حينما أشعر بالكآبة والحزن وهما يراودانني، كان بنو البشر ينزعجون من صوتي، ويعتبرون سماع غنائي إزعاجاً لهم، حتى قالوا بحقي أن صوتي أنكر الاصوات!، بينما أحياناً أسمع أصوات يدعون إنها غناء ونحن في عالمنا (عالم الحمير) نعدها منكرة، ومع ذلك لا نعترض عليها، ونُجبر على سماعها!.
لا أنسى، أذ أنسى تلك المرة التي ضُربت فيها ضرباً مبرحاً، وأهُنت فيها اهانة كبيرة، لا أنساها ما بقيت حياً. فيها تذكرت أبني ذلك الجحش الصغير الوديع، الذي سقط في بئر لأحد المزارعين فمات، حينها لم يستطع أن ينقذه بشراً، إذ كان سيدي غائباً، تذكرته ففاجئني الشجن وداعبتني الحسرة، كما الندى يداعب وردة الربيع، فرفعت صوتي بغناء حزين، قال جاري الحمار، فيما بعد وهو يصف غنائي بأنه يقطّع نياط القلب: (الى متى يبقى الحمار على التل؟..)، وأعيد كلمة "متى" مراراً وتكراراً، فسمع ذلك سيدي، فغضب: صه يا أبو صابر، ما هذا الازعاج؟ لعلك تذكرت ولدك صابر، عليه وعليك اللعنة، دعنا نسترح من صوتك الاجش. فلم يراع حرمة الاموات، وأخذ يكيل لي بالضرب والشتم والسباب، حتى أدمى جسدي العليل وشج رأسي، وقسم بالله ثلاثاً، أنه لو سمع صوتي بعد الآن ليكون الموت هو الحكم بيني وبينه. ومن ساعتها قلعت عن الغناء وهجرت كل شيء اسمه فن، خوفاً على حياتي لعل سيدي ينفذ وعيده.

17/ 4/ 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا