الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة ووظيفة التغيير

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 4 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وتبقى الفلسفة كونها الأشتغال الفكري الأعظم الذي عرفه الإنسان الرائد العقلي والعلمي المنظم الذي تبنى فكرة التغيير ووضعها موضع التحليل والتأمل والمدارة الإدراكية، متخطيا بذلك الواقع بشقيه المعرفي والعملي بناء على قوانين الجدل أو قوانين الحركة الوجودية التي تفرع كثيرا في إثبات البعض منها ومحاولة نقض الكثير من الأخرى، ومن هنا يمكننا أن نجزم أن التغيير كرؤية خلاقية كلية بلا فلسفة وقوانين منطقها ما هي إلا مجرد محاولات أنية لم ترتق لأكثر من كونها ردات فعل عقيمة، لا تساهم في بلورة منهج قائم بذاته ولذاتية موضوع التحول والتطور في حياة وأفكار ومناهج الإنسان نحو الكمال البشري.
كما أن الدين الخط الأخر من علاقة العقل بالوجود عمل من جانبه على تشجع الفلسفة بما قدم من جدليات مثالية تسير في هذا الأتجاه، وطور من أليات العمل الواعي وعكس رغبة في تقنين الضرورة التغييرية ذاتها، أولا من خلال تجديد الفكر الديني أصلا أو من خلال خلق وصنع تجربة مختلفة مع كل تطور ديني ساهمت في ترسيخ فكرة اللا توقف في علاقة الإنسان بوجوده العام والخاص.
هناك حقيقتين عن دور الفلسفة والدين في تطور عمليات التغيير وأتجهاتها في الواقع أو على خط التنظير، وعلى مستوى الفروض البرهانية العقلية وعلى مناطات النتائج كخلاصات لتلك الفروض والمتطلبات البرهانية، وكلا حسب دوره كرافعة معرفية تمس فكرة التغيير طولا وعرضا، أو كمحرك تطويري له ساهم في جزء من التجربة البشرية تأريخيا في هذا الأتجاه.
أولا نجح الدين أن يترجم عمليا واقع التغيير الوجودي الكلي من خلال تعدد الأديان وتنوعها وأختلاف المضمر والمعلن من جوهر فكرتها، وما يجر ذلك من مقارنات ومقاربات وأحيانا تضاد وتنازع بيني بينها بحاجة لكم من مفاتيح الفهم ضرورية لتفسير الأختلاف والتنوع، وثانيا من خلال الحراك الفعلي من هذا الحال التنافسي وقانون التضاد والبقاء للأصلح فكريا، ليس فقط من خلال التجربة ولكن أيضا من خلال عامل الزمن المتحرك فيها وعليها.
ولأن الدين مثلا له طبيعة مثالية مفرطة في جانبه الغيبي والروحي فيتفاعل سريعا مع طبيعة الإنسان المفتون بالإسرار والأحاجي والميل الفضولي له على معرفة ما وراء المغيب، خاصة إذا كان يتعلق في إجابات لإشكالية السعادة والإطمئنان من الخوف والقلق الدائم في لزوميته مع وجوده وحدسه أن الكون لغز كبير لكنه قابل للإكتشاف متى ما فهمنا أساسيات الفك والتفكيك، ولأنه أيضا يملك السلطة الوجدانية الغالبة على حدس الإنسان كعامل قهري فوقي لا يطاق أو لا يترك، فقد أمن بالمجمل أنه لا سبيل لإدراكه أيضا بالمجمل الضبابي أو المشوش فسعى لمعرفة المزيد منه.
هذا العامل النفسي لعب دورا تحفيزيا مهما لإكتشاف ما بعد العلم بالأشياء وقوانين حركتها أو حتى قوانين وجودها، أكثر مما يحمله أس المضمر المعرفي المجرد (الفلسفة)، فهو الأكثر قدرة واقعيا على تجسيد التغيير بأدواته الخاصة، فهو أما يستجيب أو يشجع للتغير والتغيير لأرتباطه بقوة خارجية فوقية تفرض ومن خلال المقدس واقعا تغييريا ممنهجا، يراد منه تحريك العقل المعرفي في أتجاه قبول الحركة والتغيير مهما كانت الأدوات لأن النتيجة مرسومة أيضا بذات القدرية التي فهمنا به الدين.
في حين أن الفلسفة وخاصة المثالية بشقيها الطبيعية والواقعية التي عبر البعض عنها كقانون تتبنت مشروع الإنسان المتغير الخالق أيضا لوجوده الخاص من ضمن وجود أكبر، لا سبيل للتخلص من حوليته وإحاطته الكاملة بقانوني القدرة والقوة، وهناك أمثلة كثيرة في هذا المنهج وخاصة في تناوله لواقع القوة المطلقة وصاحب القدرة في تحريكها، فمثلا نرى مذهب بروتاجوراس (لا أستطيع أن أعلم إذا كانت الآلهة موجودة أو غير موجودة ولا هيئتها ما هي، لأن أمورًا كثيرة تحول بيني وبين هذه المعرفة: غموض الموضوع وقصر العمر)، هذه المقولة لا تكشف فقط عن عجز الإنسان عن إدراك الماهيات الفوقية أو حتى عن وجودها أو عدميتها، لكنها تفصح عن حقيقة أن قانون المطلق والثابت لا يمكن التسليم به أو الإقرا له بالوجود الاتم وأن كل شيء قابل للتغيير حسب جوهرية الموضوع ودور العامل الزمني الذي يتراكم دوما فيغير بالمفاهيم والصور والنتائج تبعا لكل التجربة البشرية ككل وليس كفعل فردي منفصل.
هنا ندرك أهمية الخيارات العقلية المجردة التي تستقي من قراءاتها للواقع وأستنباطها القوانين الفاعلة فيه (التغيير ومن ثم الواقع) أكتشافها لحاجتنا للتغيير، ولحاجتنا أن نستعمل هذا التغيير كطريق أخر متسع لمزيدا من التجارب المؤسسة أو التي أسسنا عليها فهمنا وإدراكنا أن كل تجديد فيها بمثابة تغيير قادم، قد لا أكون مجانبا للحقيقة إذا قلت أن الدين في كل الوجوه والنتائج إذا ما أخذ على أنه فكر مجرد من اليقينيات العبادية أو ما تسمى واجبات الإيمان به، هو فلسفة أخرى أو تطبيق لفلسفة العمل التغييري في الواقع، بينما الفكر الفسلفي بكل أتجاهته وتوجهاته هو تأسيس للمشروع التغييري بأدوات عملية مرسومة بعقلانية المنطق، ومستوحيا الصورة التي يجب أن يكون عليها الواقع لا الصورة التي هو عليها الإنسان في الواقع.
قد يعترض البعض عن الربط بين الفلسفة والدين في موضوعية التغيير وقد يكون محقا في ذلك بأعتبار أن ما يفرق بينهما أكبر من الذي يجمع، ولكن من خلال تصنيفنا للفلسفة بأعتبارها أرقى طرق المعرفة ومساراتها، نجد أن الدين أيضا بعيدا عن القداسة التي تصورها خلقا لها من قبل الإنسان، هو أيضا معرفة متعالية ومنهج تعقلي له أهدافه وتجاربه العقلية.
الدين من هذا الجانب يشارك الفلسفة هدفها العام المتضمن تغيير شروط الوجود نحو الأفضل، والسير نحو الكمال البشري الذي وضعته الفلسفة في مقدم الغايات الجعلية لها ولوجودها الذاتي، وأيضا أن كلا المعرفتين الفلسفية والدينية تنتهجان العقل كأداة للتغيير بما يطرحانه من مقولات كلية، إلا أن الدين ومن واقع التجربة سريع الفساد في منظومة العمل البشري لما يحمله من مطاطية الفكرة وقابليتها للإشباع الفكري والعملي عكس الفلسفة التي تتزمت دوما بمقولاتها الصارمة، وإن كان ذلك لم يمنع جوانب منها أن تفسد هي الأخرى بتدخل الذائقة المعرفية للبشر وهيمنته على الفهمية والإدراكية الموضوعية والذاتيه لها، لكنها أيضا أحتمت ببعض جوانبها من العبث البشري بأن الفلسفة لها قابلية التنقيح والتصحيح الجدلي عكس الدين الذي يبنى مقولاته على الثوابت في غالب الأحيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة