الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما سكت عنه السرد , قراءة في رواية (وحي الغرق) لساطع اليزن

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2018 / 4 / 18
الادب والفن


من يعرج إلى السماء يغرق ومن يرتِّل الماء يخلد ؛ هكذا كتبت بلقيس على لوحتها وكأنها تتحدث على لسان (شهد) حينما أوحى لها الغرق أن روحها ستخلد مع روح عادل أثر قصة حبّ انتهت بما بعث الشقاء في نفسيهما .
يحاول الروائي العراقي (ساطع اليزن) في روايته الأولى (وحي الغرق) أن يخلق أبطالاً يسيرون خلف سراب ويزداد لهاثهم ليلاً خلف الغيوم بغية كشف الأوراق المتداخلة وهي تصنع آيديولوجيات الوهم العقائدي حتى أن الوجود غرق وما من أحد يستطيع انقاذه فزوارق النجاة يقودها المنتفعون ، وهكذا غرق عادل في التفكير وهو يتذكر شهد حبيبته التي زوِّجت عنوة ليعرب ابن الرفيق .
فالرواية تتحدث عن عادل الشاب الحلي الذي يعشق شهد لكن الكاتب لا يهدف إلى سرد حكاية عشق مجردة بل يحاول أن يجعل ذلك سببا لتداعيات صاغها سردياً بطريقة تشي عن فهم لصنعة الرواية ووعي بآليات الحكي ومتطلباته .
تبدأ الرواية بخبر عن تحقيقٍ نشر في صحيفة (التغيير) تحت عنوان ( وحي الغرق) مفاده أن كائنات مائية معادية تستوطن نهر الفرات وتخرج بين الفينة والأخرى تتحدث مع الشباب وتدعوهم إلى افكار معادية لأخلاقنا وقيمنا نحن ــ العراقيين ــ ، ويتهم التقرير كالعادة - اسرائيل - وأمريكا بأنها تقف وراء هذه الظاهرة .
وجدير بالذكر أن الشارع العراقي - وهذا رأي المؤلف طبعاً - جابه تلك الاشاعات بالسخرية والاستهجان وعدَّها نوعاً من الخرافات في حين أن الاستخبارات الأمريكية أخذت الموضوع بجدية زائدة وأخضعته لدراسة تحت عنوان (تيامات).
ومن الواضح أن هذا التقرير أريد منه أن يكون مناسبة للربط السردي بين الحالة التي يعانيها عادل أثر تعرضه للصدمة بعد أن حرم من حبيبته (شهد) فقد اختفى هذا الشاب ثم لوحظ لمرات عده يخرج من الماء جالساً معها ثم سرعان ما يعود للاختفاء مصاباً بما يشبه المسّ .
لكن السرد لا يستمر بهذه الطريقة الغرائبية الأخاذة بل يتحول إلى سرد واقعي على الضد مما جاء في البداية من سحرية وغموض كناية عن أن للأحلام والسحر أوقاتا محددة ثم سرعان ما تزول لنندك بالواقع , ففي الطريق إلى بغداد تترجمها التأملات السردية التي تحكي عن وصية والده ووداعه لأمه وحديثه مع صديقه في السيارة وتعرفه على الفتيات داخل السيارة , وما أن يدخل المعهد حتى يسرح في تأمل لوحة مرسومة في الحديقة , يا لها من لوحة ملعونة (ثعبان ينقذ سمكه من الغرق ) تلك التي تظل تجوس في مخيلته هذه المرة , يبدو أنها هي التي أيقظته من سباته في عالم شهد ليتعرف بعد ذلك على مؤيد .
وفي بغداد يندمج عادل مع اصدقائه ويظل ينتقل من فندق لآخر ويتعرف على رعد أحد أصحاب الفنادق هناك ثم يتكاثر الأشخاص في الرواية ويتناوبون على إدارة الأحداث فهناك أم سهام وبلقيس التي يكتشف عادل أنها صاحبة الصورة التي رآها حين دخوله المعهد وما أن يتعرف عليها حتى تغريه بوجوديتها وثقافتها العالية وكلامها الذي يحتاج الى تأويل دائما , فضلاً على صلاح الشاب الذي ينحدر من المشخاب ثم تظهر فلورا أخت سارة وتظهر سهام التي تعيش حالة من العلاقة الجنسية مع صلاح صديقه .
وينشغل المؤلف بهذه الدوامة من العلاقات حتى نصل إلى صداقة عادل مع أحد الشيوخ المنحرفين جنسياً حيث تستمر العلاقة المشبوهة بينهما في تورية ذكية إلى زيف الادعاءات الفارغة تلك التي تحاول أن تبني عوالم كارتونية من العفة والاخلاق .
وهنا نجد أن الرواية تأخذ منحى أخلاقياً مبطناً وكأنه يشير بطرف خفي إلى تهافت الأخلاق الدينية المبنية على أساس الشعارات ، فهذا الشيخ متخرج من كلية الشريعة وكان يعمل مدرساً في إحدى مدارس البصرة ، وهناك يتعرف على أحد أئمة المساجد الذي يظهر أنه منحرف أيضا حتى تتطور العلاقة بينهما إلى علاقة جنسية مغلفة بشعارات دينية زائفة فقد خاطبه مرة قائلاً :
- اقترب مني لأزيدك ايماناً وتبريكا.
- ثم قبل شفتيه وشرع بمصهما بشغف .
- ضع لسانك في فمي كي نقضي على عطش الصيام .
كانت هذه بدايات انحراف هذا الشيخ الذي ساقه القدر إلى التعرف على عادل ، وهنا نرى أن الرواية بدءا من هذا الموضع تحاول تعرية الدين المزيف وفضح رجالاته الذين يحاولون أن يظهروا للناس بمظهر المصلحين في حين أنهم يمارسون في السر كل ما يخالف ظاهرهم فهذا الشيخ بحسب ما يحكي لعادل كان يضاجع طلابه واحدا واحدا , فأي تناقض هذا ؟
يبدو أننا أمام نقد اجتماعي يحاول سرديا الكشف عن زيف ما يبدو لنا أنه من الثوابت التي لا تشوبها شائبة , فهنا نجد أن الغرائز تتحكم وإن ما يخفيه الواقع يباين تماما ما يسكت عنه .
فثيمة الخروج على السائد الأخلاقي تظل سمة ملازمة لأغلب شخوص الرواية حتى لهؤلاء الشباب (عادل وصلاح وأصدقائهم ) وكأنهم انفلتوا من الممنوعات الأخلاقية من خلال الاسراف في العلاقات الجنسية ، فعادل وصلاح يجامعان سهام وتستمر علاقة عادل مع الشيخ المأبون ، ثم يجامع عادل العاملة العجوز صديقة صلاح وأم عمار وأم تمارا، ثم يفجر أحد الطلاب بزوجة رعد فيقوم هذا الأخير بقتله وينتهي القسم الأول من الرواية بسفر الشيخ فتحي إلى البصرة وسفر صلاح إلى المشخاب وبحثه عن عادل السجين ومن ثم يستأجر عادل مكاناً يجمعه مع د. يوسف ( صاحب الشهادة المزورة) الذي يظهر أنه مأبون أيضاً لكنه يحاول أن يسوق أفكار الحلال والحرام هو يقرأ في كتاب الفتاوي الميسرة , فضلا على ما يمارسه الرفيق حسن الحوراني من دور مقيت وهو يتجسس على الطلاب ويرصد تحركاتهم خشية معاداتهم للنظام .
فنحن هنا إزاء واقع حقيقي ؛ أناس من لحم ودم يتحركون بيننا على أنهم ظاهرا مصلحون أو على الأقل يلتزمون بمنظومة أخلاقية , لكن ما أن نزيح طبقة واحدة لتنكشف لنا حقيقتهم , أعتقد أن هذا أهم ما حاول النص الكشف عنه في قسمه الأول .
أما القسم الآخر فقد كان بعنوان - تحت الغرق- تناولت حقبة ما بعد التغيير حيث يخرج عادل من السجن ليكتشف أن أمه ووالده قد قتلا في الحرب الأمريكية على العراق ، ثم يضطرب عادل بعد ذلك يعمل في مطعم يديره جماعة من المسيح ، وفيما الناس تقتل أبو يعرب الرفيق الذي زوج ابنه من (شهد) حبيبة عادل ، ومن ثم ينضم عادل إلى فصائل المقاومة في إشارة إلى أن المحرومين أكثر تمسكا بالوطن وأكثر اندفاعا للتضحية , ويستمر السرد حتى يتم القبض على ثم يفر مع د. يوسف من قبل الأمريكان فيعود إلى ممارسة الكفاح المسلح ضد المحتل فتحصل المفاجأة حين يكتشف عادل أثناء أحدى المهام الجهادية التي نفذها مع جماعته وجود صلاح صديقه السابق مع الأمريكان ، وهنا يضعنا الكاتب أمام مفارقة فصلاح الذي ينحدر من عائلة كريمة , ذلك الانسان المحب للحياة والحرية والفن كيف سولت له نفسه الانضمام مع المحتل ضد ابناء وطنه , وهنا نعود إلى ما سكت عنه النص في هذه النقطة , فصلاح السابق هو ظاهرة بادية للعيان بصورته تلك لكن حقيقته هي هذه التي عليها الآن وهو يرتمي في أحضان الأمريكان , وحين يقوم عادل بقتله يحمل جثته ويتجه بها إلى النهر ليختفيا معاً في دوامات الماء , كناية عن الأصل الذي يطهرنا مما اقترفناها من دنس , لعل النهاية تشي بوفاء دفين لصديقه وفي الوقت ذاته ربما تشي بحنق شديد لخيانته وطنه وتلونه بحسب الأهواء والمصالح .
كنا نتمنى على الروائي لو وثق الروابط بين المقدمة السحرية ومفاصل الرواية الأخرى بصورة أكثر من جهة وبين الرفيق أبو يعرب والرفيق الحوراني , وبين الشخصيات المنفلتة أخلاقيا والمثل الانسانية التي لا يمكن انكارها , كنا كذلك نأمل في ايجاد السببية لأفعال عادل وجنوحه الجنسي, فهو خارج توا من تجربة حب عصامية وعنيفة فما الرابط بين الأمرين .
تجسدت ثقافة الكاتب في الرؤى العميقة التي تضمنتها الرواية مثلما تجسدت في اللغة المسبوكة بحرفية عالية , فضلا على أن وحي الغرق تعد عملا جديرا بالأعجاب خاصة إذا عرفنا أنه العمل الروائي لكاتبه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية