الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البياض في قصيدة -إلى أمنا فلسطين- خليل قطاني

رائد الحواري

2018 / 4 / 20
الادب والفن


البياض في قصيدة
"إلى أمنا فلسطين"
خليل قطاني
موضوع القصيدة يفرض على الشاعر استخدام ألفاظ بعينها، كما ان الحالة النفسية التي يكتب بها الشاعر لها مساحة في القصيدة وأثر، سنجد في هذه القصيدة مساحة بيضاء كبيرة، تؤكد على النقاء الذي يحمله الشاعر لفلسطين، فهو يتحرر من الواقع بصورة شبه كاملة، ويقدم لنا نص شعري يكاد أن يكون مطلق البياض، تنسجم فيه الفكرة مع الألفاظ، فتجعلنا نحلق عاليا في سماء صافية وجميلة.
يفتتح الشاعر القصيدة:
"عشتار تولد من جديدْ
وربيعها قمح يلوّح في حناياها سعيد
وبظلها يجري السرور معانقاً
روح الخلائق كلها "
استحضار أسطورة كنعانية يعطي مدلول على تجذر الكنعاني/الفلسطيني في هذه الأرض، ووجوده هنا ليس عابر، بل كحالة حية متفاعلة ومتطورة في ذات الوقت، فربة الخصب "عشتار" أوجدها الكنعاني القديم متماثلة مع الطبيعة الكنعانية الخلابة، لهذا جاءت ألفاظ الخصب "تولد، ربيعها، قمح، سعيدة، السرور، روح، لخلائق" وكلها صفات متعلقة بالربة الكنعانية "عشتار".
وإذا ما توقفنا عند إقران فلسطين بعشتار في القصيدة نجد أن الشاعر ـ في العقل الباطن ـ يتجه إلى التاريخ، التراث، إلى الماضي ليتحرر من قتامة الحاضر وثقله، ولكي يؤكد تواصله وارتباطه بالمكان، فلسطين.
استخدام الشاعر لصيغة المنادى "أماه" تحمل شيء من الألم في داخله، لأن حرف "ه" يعطي اشارة إلى الألم، ونجد هذا الألم من خلال كلمة "عائد، وشهيد" التي تعطي مدلول إلى أن هناك شيء غير محبب حدث، فكان لا بد من العودة، ومع هذا يتجاوز الشاعر هذا الأمر، ويقدمنا من عالم الأم التي تريدها أن تكون سعيدة وهانئة:
"أماه : إني عائد في ريش قبّرةٍ
على إيقاعها يحلو النشيدْ
مع كل أنّة زنبقةْ
أو رقصة للسهلِ
أو زغرودة ٍ
أدّت طقوس زفافها الورديّ سراً
عند أهداب الشهيدْ "
الألفاظ البياض حاضرة في هذا المقطع من خلال "ريش، قبرة، إيقاعها، يحلو، النشيد، زنبقة، رقصة، للسهل، زغرودة، زفافها، الوردي، أهداب" لكن فكرة البياض هنا لم تكن بصفاء الفاتحة، بل جاء فيها بعض الخطوط الرمادية "عائد، شهيد"، لكن الطابع العام للمقطع يبقى أبيض.
والملفت للنظر أن الشاعر استخدم في بداية المقطع كلمة "عائد" وهي تنسجم تماما مع حالة "عشتار" التي تأتي ـ بعد عودتها ـ بالخير، وهو يقرن حضورها بالخصب المادي والروحي، المادي والجمالي، وأيضا نجد حضور "عشتار" من خلال الرقص والنشيد والزفاف وكلها أفعال أقامها الكنعاني احتفاءً بقدومها.
يبدأ الشاعر بالتقدم أكثر من الواقع من خلال :
"أماه ثار الأوفياء ..فأرضعينا ثورةً
نسقي الروابي من تعابير الفداء
ولن نكون
حتى يكون العزّ مزهوّ البنود "
لهذا نجده يستخدم ألفاظ وأفكار تحمل شيء من القسوة "ثورة، ولن نكون" بعد هذا المقطع نجد عالم آخر في القصيدة، عالم الصراع والإرادة:
"ولتأت يا وجه الزمان على جراح المرحلة
إنا على شوق لهاتيك الحدود
إنا لنعشق فيك مسرانا وقبتنا وأنفسنا
وأنغام القصيدْ
إنا لنحفر ذاتنا في صخرك الفتّانِ
يا أم الكرامةِ أم تموز الجديدْ
وندقّ جرح الكبرياء بعيدك الجبار يا
معنى الوجود "
فنجد "جراح، لنحفر، صخرك، الجبار" وكلها الفاظ قاسية، لكن في المقابل هناك فضاء رحب من خلال "وجه، شوق، مسرانا، وقبلتنا، وأنغام، القصيد، أم، الكرامة، الجديد، الكبرياء، بعيدك" فحجم البياض في القصيدة يتفوق على السواد، لهذا نقول أن القصيدة بيضاء، والمهم في هذا البياض أنه لم يأتي بسهولة، بل جاء بعد صراع وألم، وكأن الشاعر من خلال هذه القسوة يريدنا أن نشعر بأن البياض لم يأتي بسهولة، بل بعد تعب وألم، لهذا علينا المحافظة عليه.
والجميل أن الشاعر في قصيدته جمع بين "عشتار" "أم تموز" الكنعانية وفلسطين الإسلامية "قبلتنا، مسرانا، صخرك" لكن لماذا جعل الشاعر من عشتار أخت تموز وليس بحبيبها/زوجها كما جاءت به الأسطورة؟، اعتقد بأنه أرادنا أن نأخذ الجانب الاخلاقي، وليس المادي، فعلاقة الأخوة تبقى بعيدة عن العلاقة الجسدية التي تشير ـ بطريقة ما ـ إلى شيء من القسوة، واعتقد أن هذا التغريب للأسطورة يجعل القارئ يقف متفكرا فيما يقدم له، وهذه الدعوة للتفكير، تجعل القارئ/المتلقي يتوقف عند الأفكار أكثر مما ينفعل بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم