الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلِكْترا: الفصل الأول 3

دلور ميقري

2018 / 4 / 21
الادب والفن


صورة فوتوغرافية، وحيدة نادرة، جمعتها مع شلة أصدقاء رواق الفنون، أنتصبت إلى الأمس القريب على منضدة دقيقة الحجم في مكتب أعمالها. كانت قد أمرت خادمَتها " عيّوش " أن تنقلها إلى حجرة المحترف، وتحديداً، مذ شروعها في كتابة مذكراتها. الصورة، دأبت مذاك الحين على كونها خلفيةً لخيالها في صلته بواقع حياتها السابقة في المدينة الحمراء؛ ريحاً تؤجج أوارَ جمرات داخلها، الخامد. وجوه أولئك الأصدقاء، تطالعها كل صباحٍ خِلَل بخار القهوة، تحثّها على مواصلة الكتابة. الذكرى، كأنما هيَ مطيّبٌ عَبِقٌ لقهوة الصباح، حال بذور الهال المطحونة. " سوسن خانم "، تشربُ قهوتها عادةً بلا سكّر. وإنها قهوةُ أمسيات عزاء الموتى، على عادة أهل المشرق، لو شئنا المضيّ في مجازات المعنى.
الآن، فيما هيَ تخط كلماتها على الدفتر الأنيق ( كانت تنضد على الكومبيوتر كل فصل بعد اكتماله ومن ثمّ تنقيحه )، تُدرك أنّ جميعَ من في الصورة ـ باستثنائها طبعاً ـ باتوا في عوالم أخرى. الفرنسيّ " غوستاف "، تعيّنَ عليه أن يفتتحَ صفحة الرحيل الأبديّ، ليقابل عَدَماً شبيهاً بطريقة حياته العدمية. قرينته " شيرين "ـ أو خليلته مثلما كانت تردد في مذكراتها ـ لحقته سريعاً هرباً من عالمٍ ظالم، متطهّرةً من آثامه بآثامها. " سيمو "، شريكها في جريمة قتل الفرنسيّ، يقضي حكماً بالسجن لمدة عشرة أعوام، مؤملاً طوال الوقت بفرصة عفوٍ ملكيّ. طليقته " الشريفة "، اختفت آثارها تماماً، وفي المقابل، خلّفت طيفها وراءها مع ثمرة رحمها. قرينها " فرهاد "ـ أو عشيقها بحَسَب تعبيره ـ لحقها أيضاً في فقدان آثاره حدّ أنه لم يعُد على تواصل مع رعاة طفلتهما الوحيدة. " الأستاذ محمد " وامرأته وشقيقته، غادروا البلاد مع أولادهم كي ينضموا لأقاربهم المتوطنين في السويد. وكانت " لبنى "، شقيقة الأستاذ، قد آثرت الرحيل مع الأولاد بعد وفاة رجلها ( يا للألم! ) بسكتة قلبية، وذلك في أحد فنادق مدينة طنجة.. وإنه " المهدي البغدادي "، كما علمنا قبلاً، مَن ألتقط هذه الصورة.. بقي إذاً خارجَ الصورة، فيما ظله سيهيمنُ على أشخاصها أبداً.
عند شروعه في التقاط الصورة الفوتوغرافية، كان يقبعُ خلفه تاريخٌ شخصيّ حافل بالمجد الأدبيّ. ولكنه كان من التواضع والطيبة، أنّ " سوسن خانم " كانت تسلوَ أحياناً ما في شخصية امرأته من تكبّر ولؤم. لعل مردّ تسامحها ( على الورق غالباً! )، عائدٌ إلى تفهّمها مبعثَ غيرة زوجة الشاعر. تعرّفت عليه في الرباط، خلال أمسية أدبية أقامها في المعهد الفرنسيّ، وكانت هيَ في ذلك الوقت تحصل فيه صباحاً على دروس اللغة. " الشيخ سالم "، كان حينئذٍ في إجازته الصيفية الطويلة بالكويت، يروي ظمأ نسائه الثلاث وهنّ في حجرات القصر، المُشرفة نوافذها على رؤى سراب الصحراء. تقدمت " سوسن خانم " نحو الشاعر، على أثر انتهاء الأمسية، لتطلبَ نسخة من مجموعته الشعرية الأخيرة. الحضورُ، كانوا في الأثناء قد تجمعوا في البوفيه يأكلون ويشربون ويتسامرون. فلما عرفت " لبنى " أنها سورية الأصل، هذه الفتاة الشقراء الأنيقة، فلم يكن منها إلا الالتصاق بالزوج وهيَ تحدجها بنظراتٍ عدائية مواربة. إنها عادة نساء المشاهير، ولا غرو، ممن تنهشهن مشاعرُ الغيرة ووساوسُ الظنون. تلك العادة السيئة، عليها كانَ أن تظهرَ أكثر وضوحاً في مسلك امرأة الشاعر حينَ عادت لتلتقيَ مع مواطنتها السورية في رواق الفنون بمراكش. إذاك، فإن الوساوس ربما أوهمتها بأنّ " سوسن خانم " تطارد زوجها من مكانٍ إلى آخر بغيَة انتزاعه منها.
" كرديّة، وفوق ذلك متزوجة من رجل كويتيّ، فلا غرابة إذاً أن تُعادي العراقَ وتؤيدي الأمريكان! "، قالت لها المرأة الغيورة وابتسامة مسمومة على شفتيها السميكتين. قبل قليل، وخارج إطار النقاش حول أزمة الخليج، كان هنالك حديثٌ مفعمٌ بذكريات الوطن مع " الأستاذ محمد ". إذ كان الرجل قد عبّر عن البهجة، لما أجابت " سوسن خانم " عن تساؤله بخصوص تلك المنطقة، التي تنحدر منها في ريف اللاذقية. قال لها عندئذٍ: " جبل الأكراد، زرته مرةً أثناء رحلة مع الأصدقاء وكنتُ ما أفتأ طالباً بالثانوية. مثلما وطّن صلاح الدين قومَهُ ثمة في الساحل السوريّ، فإنه فعل الأمر نفسه في فلسطين. في منزل الجدّ، هنالك في صفد، كان الأهلُ قبل نزوحهم يحتفظون بشجرة عائلة تمتد جذورها إلى ملوك بني أيوب ". على ذلك، لم يكن بالغريب أن يتدخل شقيق " لبنى " آنَ تورطت في ملاحظتها المغرضة، الخالية من الكياسة: " إنني أشعر بالدهشة، لإقحامك أموراً شخصية في نقاشٍ عاديّ؟ "، خاطبَ شقيقته بشيء من الحدة. وبينما أحجمت السيّدة السورية عن التعقيب على كلام المرأة الغيورة، شاءت التفكّه في سرّها: " إنكِ تفتقدين الثقةَ بالنفس، أيتها المسكينة المصبوغة بمكياج قرويةٍ وجدت نفسها فجأةً في المدينة! ". زوج المرأة، تصدى أيضاً للحديث محاولاً تخفيف اندفاع شقيقها: " اجتياح الكويت، هوَ حدثٌ خطير، يتداول الناسُ أمره في كلّ مكان على الخارطة العربية بل وفي العالم بأسره. فلو أنّ أحدنا أدانَ الاجتياحَ، فلا يعني هذا أنه مؤيدٌ لمساعي الأمريكان في دخول المنطقة عبر ثغرته للسيطرة على ثرواتها النفطية ".
لقد راقَ لها الرجلُ جداً، بقامته الفارعة وملامحه الجميلة الهادئة. طوال ما تبقى من وقت السهرة، كانت تحس بأنفاسه فوق رأسها، لطيفة رقيقة. ما أسعدها حقاً، أنّ أحداً من حضور الأمسية لم يكن على علمٍ بكون زوجها أميراً فضلاً عن تسجيله باسمها شركة كبيرة. آنذاك، كانت ما تني مقيمة في فندق " السعدي "، مشغولة البال بكل شيء إلا من احتمال وقوعها بالحب.آبت تلك الليلة إلى مقر إقامتها، ثم سرعانَ ما خرجت إلى الشرفة. ألقت نظراتٍ حالمة على المشهد تحتها، الغارق في ظلمة بهيمة. شعرت عندئذٍ بالرضا، فيما يدها تتحسس بطاقة الشاعر وكانت قد حصلت عليها في غفلة من امرأته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع