الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الفكر الديني شموليا خارج حدود الزمان والمكان أم إنعكاس لرؤية محدودوة... ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خسر الإسلام الجولة الثانية عندما برزت طائفة الرواة المسماة "المحدثين" رواة الوضع في الحديث ليزيدوا الطين بله، وانصاعوا للعبة السياسة وصراع الأنا في ترتيب طبقات المسلمين وتفضيلات الواقع، وتحولت تلك البدع والمبتكرات البشرية إلى قوانين ووقائع لصيقة بالدين المستحدث, بعدما ساهم الجيل الجديد من رواة الحديث وعلماءه الأمة كما يزعمون ليكملوا المنهج الذي سبقهم في ترتيب مستحقات ومواصفات ومفاهيم جزئية، تجزئ المجتمع الإسلامي الواحد الذي بني على أن المسلم أخو المسلم، وأن المسلمون متساوون بالحقوق والواجبات وأن أكرمكم عند الله أتقاكم، وكان شعار التفضيل هو في الخير (خير الناس من نفع الناس)، للتحول المسألة بعد ذلك على أساس فئوي وعنصري وزماني ومكاني، متأثرة بمن سبق من أهل الدين السابق ولتنتقل التجربة الدينية الخاصة بهم للمجتمع الجديد.
إن دور الرواة والفقهاء وعلماء الأمة كان في جزء منه يعتمد على نقل وأنتقال الإرث التقسيمي ومصادر الخلاف والأختلاف بمن سبقهم من أصحاب الكتاب، إلى دائرة الفكر الإسلامي وكأنها جزء أصيل من هذه الثقافة, مواضيع مثل تقديس الأحبار والرهبان والتلاميذ والصحابة والمقدسين والصديقين، ظهرت لأول مرة في منتصف العهد الأموي لتشكل بعد ذلك الخطوة التالية الموغلة في تقسيم المجتمع الإسلامي, لا على أساس أكرمكم عند الله أتقاكم بل على أساس عنوان فرعي مبتكر وهم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والخ من الأقسام، التي تحولت مع الدس المستمر إلى مقدسات وخطوط حمر لا يجوز انتهاكها أو التقرب منها وممارسة النقد الفكري لما نسب لهم أو ما ظهر منهم من تطبيقات لفكرة الإسلام الدين وليس الإسلام التدين .
الإحاطة الكلية الشاملة العامة لقضية التقديس بما فيها دون تمييز ونقد ومتابعة لهذه المجموعات التفصيلة، كما يقترح بل وينادي بها المرجون لها والداعمون لفكرة قداسة الصحابة وعصمتهم وعدم مناقشة ما أحدثوا، تمثل الوجه المناقض لنفس المدرسة التي تناقش في عصمة الأنبياء وجواز نسبة الكذب لهم وارتكاب الإثم وأجتراح الخطيئة, لأنها بما يقول أصحاب الإيمان قضية بها جوهر الدين وترتيب رباني لا أعتراض عليه، ناسين أنهم ارتكبوا بحق من هم أفضل وأكرم عند الله ما لا يسمحون به بحق أشخاص من الطبقة العادية، والتي يجوز عليها كبشر الخطأ والخطيئة ولا يستبعد عنها الفضل والفضيلة .
هذا الحال صاغ أطر فكرية وعقائد تنتسب للإسلام الرسمي المحدث والمعدل بصورة إعتباطية، كان من نتائجها في المدى الذي نعيشه اليوم وأجيال من قبلنا حالة تسليم تؤدي ليقدس المسلمون لوقائع حدثت خلاف فترة صدر الإسلام وما بعدها، لحد انتهاء الخلافة الراشدة كقيمة مستحدثة لا علاقة لها بالإسلام كقيمة الأنتماء لعصر أو زمان كما يقول الفقهاء المحرفون، بعد قيمة القريشية ألا وهي قيمة الصحابة المبنية على اللقاء وإن لم يدخل الإيمان محل الفعل العقلي والقلبي .
لم يكن الأمر يسري في أتجاه واحد ولا من طرف واحد منحاز لقيمه وأهدافه بل تحولت القضية بمجملها إلى نوع من الممارسة التي أعادت قيم تجاوزها الإسلام، وواقع تخلص منه في فترة قصيرة ,فلقد انبرت طائفة أخرى والتي تمثل الخط الموازي والمقابل والمعارض للخط الأول وإن لم يكن الأمر مخططا ومنظما له ولا متوافقا معه بالزمن، هذه الطائفة الأخرى تمسكت بنفس المنطق والصورة ولكن تبنت حالية مختلفة تعتمد درجة القرب المنصوص عليها في القرآن الكريم، ومن باب التأويل أيضا دون أن تشارك مفهوم المجموعة الأولى بتحديد درجة القرب والقرابة .
برز هذا الأتجاه في أوائل نشأة الدولة العباسية ومن أسباب قيامها الدعوة إلى إعادة السلطة لبني هاشم باعتبارهم الورثة الحقيقيين لرسول الإسلام، وما جسدت هذه الدعوة من صورة أعادت للأذهان قضية الشخصنة والذاتية كفكر متكامل له جذور قديمة تمتد منذ رحيل النبي محمد ص, لكنه تبلور على ذات المنهج المدان من قبل التيار الرسمي الذي حول الرسالة إلى ملك عضوض.
قد يكون هذا التحول طبيعيا ومباشرا ولا بد من أنه يحصل نتيجة شدة الظلم والعناد والتحريف الذي مارسه الطرف الأول ضد خصومه وخاصة أل البيت وأنصارهم ومتبعيهم بما يحملون من رمزية عند باقي المسلمين, وقد يأت أيضا كردة فعل لبيان فشل وتحريف وتهديم أركان العقيدة الرسمية من خلال طرح قداسة ومنزلة لأشخاص وأفراد وأفكار لمجموعة محددة، تطورت نتيجة التنافس السياسي والفكري والعقيدي إلى ذات المنهج الأول, فصار الوضع والكذب والتحريف والتدليس منهج عام في الفكر الإسلامي غالبا، تحت تأثيرات الصراع الفكري الذي دسه أهل الكتاب مبكرا في أساسيات الفكر الإسلامي ومنهجيته المعرفية .
في ضل الفوضى الفكرية العارمة وتجاذب السياسة والصراعات لأيديولوجية التي خلفها تنازع المصالح بين المدارس المذهبية القائمة على فكرة الأنتماء, أنقسم المجتمع الإسلامي على نفسه وتشظى مستعينا بذات المصدر الجامع وهما القرآن والسنة النبوية, ولكن كل حزب يقرأ ما يعجبه ويتوافق مع رؤيته الاعتباطية المستندة إلى تعزيز وتمتين ونصرة لمقدمة صاغها الفكر التحريفي وتبناها بإنحياز تام لها, ومعتمدا على إرث أدخل عنوة على الفكر الإسلامي وأضحى جزء أصيل منه يحظى بالتقديس والاحترام والتقليد والتعبد به، بزعم أنه من علم أهل الكتاب الذي هو كما يقولون من علم الله ( أسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .
لم يعد الفكر الإسلامي مرتبطا بوحدة الأس ولا بتوافقية المنهج المسمى الميزان في الكشف عن الأهداف والعلل والغايات من الأحكام والمثل والقيم والمرادات التي جاء بها القرآن, وقد كان لفتح باب الأجتهاد على مصراعيه دون التحرز من الهوس والضلال المرافق للإنفتاح الغير منضبط وصار شعار (من أجتهد وأصاب فله أجران, ومن أجتهد ولم يصب فله أجر واحد)، التأثير السيئ على كل مسارات الفكر الإسلامي وجره لدائرة الكيفية والمزاجية، ووقوعه السهل بيد محرفي الفكر ومزيفي الحقائق ومنتحلي صفة العلم الديني, هذه القاعدة العبثية التي رسخها البعض من مفكري وقادة الفكر الإسلامي واحدة من أهم أسباب أنتشار الفوضى الفكرية والتخريب العقائدي, فكل ما بني عليها لا بد وبالضرورة أن يفضي إلى الانحراف والتزييف والإفساد، طالما أن لا حدود حقيقية بين الأجتهاد العلمي الأصولي وبين التصرفات التي لا تعط إلا الضلال والتيه .
نتج من هذا الحال الفوضوي أتجاه سياسي وفكري يقوم على مبدأ الحق والأحقية على زعم أن كل حزب بما لديهم فرحون, فقد تزعم المنهج المحافظ الذي سيطر الأمويون فيه على مقاليد السلطة بعنوان قريش على كل مفاصل المجتمع الإسلامي، وتم تسخير الكيان السياسي (الدولة الإسلامية) وسلطتها بما تمتلك من مصدر قوة ورهبة وعنف على حركة التشريع، وتجييرها لتنمية مفهوم الدولة الشخصية الأموية بدل دولة الإسلام، والفكر الأموي المحافظ والجاهلي بدل فكرة التحرر الإسلامية, وسخرت ما يمكنها من قوة وأقتدار لمحاربة أعدائه الذين يمثلون بالتأكيد الخط المناقض، بأعتباره المصدر الأساسي لترسيخ مفهوم دولة بني أميه وشرعيتها .
أشتد الصراع وتشخصن بآل البيت من أل محمد كطرف مضطهد ومستهدف، وأصبح الشقاق شعارا بدل الاتفاق والمشاركة والقبول بين أبناء قريش ذاتها, بحيث أصبح الوضع التنازعي لا يمكن إخفاءه أو التستر عليه, وبرزت مدرسة فكرية تنافح عن أنتمائها العقائدي وأنتمائها الشخصاني, وبين هذا وذاك ظهرت مجموعات اخرى تزعم الأعتزال أو تتطرف بشكل حاد عن تلك المدرستين, فنجد مدارس قد تكونت لتكون في أقصى التطرف للفكر الأموي وأخرى بذات الوصف وصلت لتقديس أشخاص من المدرسة المقابلة وأوصلتهم لحد الألهوية .
لقد نسي المسلمون الركيزة الأساسية والدعامة المهمة التي قام عليها الفكر الإسلامي وهي التجرد من النسبة البشرية والتمسك بأصل التسليم لله, لقد أضحى المسلمون جميعا وبلا استثناء ينتمون لقريش وحدها وفروعها دون أن ينتبهوا أنهم حولوا وجهتهم الفكرية خارج مدارات الفهم الإسلامي، وقدموا ما لا يقدم وتجاهلوا التحذير الذي ذكره القرآن في أكثر من آية بخصوص الأختلاف, صار المسلمون أحزابا وكتل ومنظمات وتقاطعات يكفر بعضهم بعضا, أمويون وعلويون وعباسيون وبكريون وووو الخ من المسميات التي لا سلطان لها ولا قاعدة فكرية تستند لها إلا الولاء لقريش أو بعض قريش, وبذلك نجح البعض في إخراج الإسلام الحالي من طريق التجرد والحيادية تجاه الإنسانية ليكون دعوة للفردانية والفردية بمعنى العبودبية لفرد والتي تنخر في كلية المجتمع وشمولية الأنتماء لقيم السماء .
الحقيقة التي يجب أن تقال وبشجاعة ودون مواربة أن جميع المسلمين اليوم هم في الحقيقة خارج نطاق الفكرة الإسلامية الأساسية وهي فكرة الأنتماء للتسليم, الشيعة مثلا يظنون والغالب منهم أن الله خلق الكون لأجل فاطمة بنت محمد ص وأن فاطمة خلقت لأجل أن تنجب الحسين ليكون رمزا، وبالتالي الإسلام مجعول ومعلق على قضية الحسين وثورته، دون أن يلاحظوا أن الحسين ع هو من قال خرجت لإصلاح أمر أمة جدي رسول الله, لم يقل الحسين ولا جده هذه الخصيصة ولم يتبناها الفكر المحمدي أبدا, لقد كان الحسين واحدا من الوسائل التي أراد بها الله تعالى معالجة الإعوجاج البشري الطبيعي في السلوك ولم يكن هناك بديل مناسب, كما أن الصحابة في المدرسة الأخرى هم جزء من حركة الإسلام ولا يشكلون قداسة ولا تقديس لوجودهم سوى ما يتركون من عمل نافع لهم وللمجتمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24