الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-- عباس في قوات العاصفة الفلسطينية // عباس الفلسطيني .. بكل أسف _ 3_

سليمان الهواري

2018 / 4 / 24
الادب والفن


قصة قصيرة
"" عباس في قوات العاصفة الفلسطينية ""
عباس الفلسطيني .. بكل أسف _ 3_
************************
عباس لم يعد "عباس أصفهاني" من اللحظة التي سلمه فيها "غسان" أوراقا ثبوتية جديدة باسم "عباس محمود أبو العطا" الذي يقيم حاليا في مخيم "عين الحلوة" بعد نزوح والديه من منطقة الجليل شمال فلسطين جراء نكبة الثمانية والأربعين ..
الأمر ليس مجرد تغيير هوية بهوية ثانية وليس مجرد تقمص شخصية جديدة .. الأمر أعمق من هذا فعلا بكثير .. وعباس يعيش تحوله كما لو عاد إلى جلده الذي ضيعه فقط ما دام قلبه ينبض فلسطينيا كما كل المقهورين ..
الرحلة إلى بيروت لم تكن معقدة وقد تكلف غسان بكل الإجراءات على الحدود وداخل المطار ..
تبدو الرحلة بسيطة في ظاهرها .. شابان فلسطينيان يعودان من المهجر إلى المخيم خلال عطلتهما الصيفية ، يتزودان من عبق تراب الوطن المتناثر بين مخيمات الشتات ..
فرحة غسان تكبر بنفس حجم قلق عباس وسيارة الأجرة التي استقلاها تتجواز مدينة صيدا الجنوبية وتقترب من حاجز الجيش اللبناني عند مدخل المخيم ..
هنا في الشارع التحتاني لمخيم عين الحلوة قضى غسان طفولته الأولى بين الخيام قبل أن تتحول إلى بيوت إسمنتية صغيرة ..
لا لغة لوصف ما تحسه "أم غسان" وابنها يرتمي في حضنها تحيطه أخواته الثلاث .. عناق طويل مسافة عودة الوطن للوطن .. غسان يقبل يدي أمه ويحضن أخواته ويقدم لهن صديقه عباس الذي طالما حكى لهم عنه في رسائله .. كان غسان محور البيت الذي كسره رحيل أبيه المبكر بعد معاناة طويلة مع المرض القبيح حتى أصبح يتقيأ دما بينما هو لا يترك لفافات الدخان الأسود من بين أصابعه ..
تحلق الجميع حول مائدة الطعام فغسان لم يتذوق طعام أمه من سنتين وأكثر ..
_ "شكرا للرب على نعمه الكثيرة"
رفعت أم غسان الصلاة وهي تدعو ضيف البيت للإقتراب أكثر من المائدة ..
_ " كُلْ يا ولدي أنت في مقام إبني غسان . مرحبا بك في بيتكم" ..
انتبه عباس لصورة "العشاء الأخير" على الجدار أمامه و فيها
السيد المسيح يتوسط تلاميذه الاثني عشر ..
ارتبك عباس قليلا وهو يمد يده نحو الطعام ..
لأول مرة ينتبه عباس لكون غسان كان "مسيحيا" وطقوس تناول الطعام تختلف عن تلك التي تربى هو عليها في بيتهم "المسلم" ..
اختفى الارتباك تدريجيا وغسان يقرب منه قطع اللحم ويقدم له الليمونات التي تدحرجت على الجانب الآخر من المائدة ..
لا يعرف عباس ما وقع له وعينا "ماريا" أخت غسان تقع في عينيه عندما مدت له كأس الماء ليشرب .. ارتجف الكأس بين أصابعه وكاد يسقط لولا أن استجمع قواه وأدرك نفسه ليكمل الأكل بسلام مع غسان الذي لا يسكت وهو يتنقل من حديث لآخر وكل مرة يستشهد بعباس لتأكيد كلامه ..
تمنى عباس لو يشرب فنجان شاي ثالث لكن الخجل غلبه وهو يعتذر لأم غسان ..
_ "الله يديم النعم ويقوي الخير يا أمي" ..
كان يحس فعلا بدفئ غريب في هذا البيت الذي سيعطيه وجودا جديدا وحياة جديدة ..
أقفل عباس الغرفة الصغيرة وارتمى فوق اللحاف الذي هيأته له أمه بينما عباس تمدد على اللحاف المقابل ..
_ "البيت بيتك يا عم عباس " ..
داخل "مقهى السلوم" المطل على باب السراي في قلب مدينة صيدا القديمة ، جلس غسان مقابل عباس يحتسون "القهوة العربية" المغلاة على النار وسط صراخ الزبائن وهم غارقين في لعب "ورق الشدّة" ..
"نزار" ابن المخيم وصديق غسان لم يتأخر عن موعد المساء .. ومع شرب نرجيلة "المعسل" تشعب الحديث والذكريات .. كان عباس يكتفي بمتابعة الكلام والإجابة على استفسارات نزار التي يوجهها إليه بين حين وآخر ..
كان واضحا أن نزار مكلف من جهة ما بمتابعة ملف عباس .. الحديث عن القدس و"دير ياسين" وكل الحكاية حتى تأسيس المنظمة واختلاط دم الثورة في الجنوب اللبناني حديث لا ينتهي وجغرافيا المنطقة تغري بتعجيل اكتشافها ..
لم يتوقف نزار عن الحديث طيلة مسافة العودة إلى المخيم ، وقبل خطوات من بيت أم غسان توقف الشبان الثلاثة لتوديع بعضهم .. وقبل أن يهم نزار بالإبتعاد صافح عباس ولم يترك يده :
_"أتشرف رفيقي عباس أبو العطا أن أكون مسؤول الربط المكلف بمرافقتك إلى موقع التدريب الأول لقوات "العاصفة" ..
ثم حدد موعد انطلاقهم بعد سقوط الظلام الليلة الموالية ..
كانت أم غسان قد جهزت لعباس حقيبة صغيرة وضعت فيها طعاما للطريق وراحت توصيه كما لو كان أخو غسان الأصغر ..
قلب عباس يكاد ينفطر وهو يتمزق للمرة الثانية التي يحس فيها مغادرته حضن أمه ..
لم يتجاوز مقام عباس في عين الحلوة الأسبوع لك أخوة غسان وحنان أمه جعلاه واحدا من آل غسان ..
الفراق قاتل حقا لكن واجب القضية أولى من كل شيء ..
_"انتظر لحظة ! "
نادته "ماريا" وهي تدخل إلى الغرفة وتعود بسرعة حاملة في يدها "عائد إلى حيفا" كتابها المفضل ل"غسان كنفاني" الذي كانت تكثر الحديث عنه كلما كان الموضوع فلسطين وكيف استرخص دمه من أجل الوطن ..
أخذ عباس الكتاب ودسه في قاع الشنطة وهمّ بالخروج يسبقه غسان ..
كان قلبه يخفق بشدة ونظرة "ماريا" وهي تودعه تستقر تحت ضلوعه ..
_ "زرنا في أول فسحة يا ولدي .. أخوك غسان ينتظرك " ..
أقفلت أم غسان باب البيت والشبان يختفون في الظلام ..
أدار نزار محرك الميرسيديس القديمة وهو يلتف خارج الشارع الفوقاني لمخيم عين الحلوة ..
_" تكاد المواجهات في بيروت تتحول إلى حرب أهلية في كل لبنان" ..
قالها نزار و عاد لصمته وسط احساس بالخوف الذي تنذر به هذه الحرب المشؤومة التي تطل على البلد ..
أوقف نزار السيارة فجأة ثم استدار عند عباس ..
_ " مرحبا بك يا عباس في قوات العاصفة الفلسطينية "
** سليمان الهواري / حكايا من همس الذاكرة **








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر