الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود القطب الروسي ونهاية النظام أحادي القطبية, وأثره في السلم والتوازن العالمي

هيثم الحلي الحسيني

2018 / 4 / 29
السياسة والعلاقات الدولية


صعود القطب الروسي و نهاية النظام أحادي القطبية وأثره في السلم والتوازن العالمي
الباحث في الدراسات الإستراتيجية, والمتخصص في السياسة الروسية
لقد مثل الحضور الدولي للإتحاد السوفيتي السابق, وحتى إنهياره مطلع التسعينات من القرن الماضي, عامل توازن إستراتيجي عالمي, إذ فرض على الغرب, نظام التعددية القطبية العالمي, ومنع زعيمته الولايات المتحدة, من التفرد بالقرار الدولي, وفرض على الغرب الكثير من المبادئ والقيم, التي تجلت بأخلاقيات السياسة الدولية والتعامل بالمثل وعدم إحتكار نواصي العلم والتطور التقاني, فضلا عن فرض التوازن التسليحي الإسترايجي العالمي, ومعادل القدرات في العالم, والكثير من الأقاليم الحيوية ذات النزاعات والصراعات الدولية.
وقد تحققت للإتحاد السوفيتي في تلك الحقبة التأريخية, الكثير من النجاحات على المستويات السياسية والإقتصادية والعسكرية, إذ تمكنت القيادة السوفيتية, من إدارة الحرب الباردة مع الغرب وحلف الناتو, بنجاح ملموس, وحققت توازنا تسليحيا إستراتيجيا, دعمه تفوق وإنتصار في سباق حرب الفضاء, والتسليح النووي, وبناء القاعدة المادية الصناعية, خاصة في حقول الطاقة الكهربائية والنووية, والصناعة النفطية, والتقدم العلمي والتقني, فضلا عن مجالات التسليح في القوات الجوية والصاروخية ذات الطبيعة الإستراتيجية, وبناء السفن والغواصات, مدعومة بالتطور العمراني والإنتاج الزراعي.
كما حققت الحقبة السوفيتية, التي أنتجت وفرضت النظام متعدد القطبية عالميا, نجاحات وإنتصارات تأريخية, في الكثير من الأزمات العالمية, ومنها قضايا كوبا وكوريا, والكثير من مناطق النزاع الإقليمي في أفريقيا وأمريكا اللاتينية, والتي عرفت بقضايا التحرر الوطني, ونهاية الحقب الإستعمارية للشعوب والبلدان, فضلا عن قضايا التسلح والتوازنات الإقليمية, فيما كان يعرف بالعالم الثالث, أو البلدان النامية حديثة الإستقلال, من الإستعمار القديم الحديث.
ومن بين أهم مناطق العالم, التي شهدت شكلا من التوازنات الإستراتيجية, هي المنطقة العربية, التي بات يطلق عليها جزافا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا, إذ تعد أبرز مناطق الصراعات الإقليمية, ذات التأثير الكبير في السلم العالمي, التي جرى إدارتها وفقا للتوازنات الدولية, الذي ضمن كبح جماح الدولة العنصرية التوسعية في إسرائيل, وفرض عليها القبول بمبدأ التوازن الإقليمي, فتبعت مجريات الصراع فيها لمخرجات النظام الدولي, إذ كان النظام السياسي العربي, يتبع لقيادات وزعامات قومية تقليدية, عرف عنها إلتزامها بثوابت القضايا العربية المحورية, ومنها القضية الفلسطينية, وأخلاقيات ومبادئ إدارة الصراع العربي الصهيوني.
فتححق في هذا الصراع, درجة مقبولة من التوازن الإستراتيجي الإقليمي, في تلك الحقبة التي عرف فيها بالصراع العربي الصهيوني, فكان من المعادلات الإستراتيجية الرئيسة في العالم, فرض السلم العالمي, بدء بصفقة السلاح السوفيتية المصرية, في عهد الزعيم عبد الناصر, في العام 1954, والتي عرفت بالصفقة الجيكية, لأغراض أمنية دولية, إذ لحقتها حقبة توازن إقليمي, كان لها التأثير الكبير في مجريات الحروب الإسرائيلية العربية, بدء بحرب العام 48 وثم حرب العام 56 وحرب العام 67.
وكانت ذروة الصراع المتوازن, قد تحققت في حرب تشرين العام 73, إذ تمكنت العسكرية العربية, من خلال الموازن الدولي الإستراتيجي, وهو الحليف الإتحاد السوفيتي, بثقله السياسي والعسكري الدولي, من تحقيق نصر تأريخي, وفرض واقع على الأرض, ولم تكن إسرائيل حينها, لتجرأ على القيام باية أعمال عدوانية, خاصة بحق الشعب الفلسطيني, فكانت جل ما تتمناه, هو قبول عربي بوجودها فقط, بما يحقق لها الأمن والبقاء, وفق نظريتها الأمنية.
غير أن سقوط الإتحاد السوفيتي, في أوائل تسعينات القرن المنصرم, ضحية لعوامل وأسباب سياسية وإقتصادية وأيديولوجية, وظهور دولة الإتحاد الروسي في أنقاضه, والتي من المنطق أن تكون واهنة وضعيفة في بداية تشكلها, وفق قدراتها الإقصادية والسياسية والأمنية والدبلوماسية, فضلا عن غياب الصين عن بؤرة التأثير في المحافل الدولية, وإنشغالها في سياسات تطوير إقتصادها الوطني, قد ترتب عليه تشكيل نظام عالمي جديد, أحادي القطبية, تمثل بالتفرد بالقرار الدولي, أو حتى عدم الإعتداد بالإجماع العالمي, وتحديدا من قبل اللاعب الأمريكي, المؤثر الرئيس والمتفرد في اللعبة الدولية, وفق ذلك النطام العالمي, المفرط بالظلم والعدوانية وقهر حقوق الشعوب.
وقد بات صوت اللاعب الرئيس في النظام أحادي القطبية, وهو الولايات المتحدة دون منافس, تتبعه الدولتان الحليفتان أو التابعتان, فرنسا وبريطانيا, الدائمتان العضوية في مجلس الأمن الدولي, هو المتفرد بقيادة العالم, مع صمت دولي, ودون إعتبارات قانونية أو حتى أخلاقية أو إنسانية, إذ باتت الولايات المتحدة تهدد بما عرف بالحروب المسيطر عليها عن بعد, “cyber war", التي أصبحت الولايات المتحدة تهدد بها, بل تشنها, وفق إجتهاداتها ورؤاها, دون تفويض دولي, في إستخادام مفرط, لترسانتها الصاروخية البحرية والجوية.
وقد جرى الدفع بإتجاه خوض تلك الحروب, من قبل المؤسسة العسكرية الأمريكية, ورعاتها الإقتصاديين, من الشركات المنتجة للأسلحة, لتمكين ماكنتها الصناعية من الإستمرار والبقاء, من خلال خلق أعداء مفترضين, وشن الحروب عليهم, بل حتى باتت تفرض على دول إقليمية, أن تدفع فاتورة تدخلاتها واعمالها العسكرية, لجعل عجلة الإنتاج مستمرة بالدوران, وذلك في اية بقعة تراها في العالم, وفقا لمصالحا الذاتية, دون إعتبار للضحايا البشرية, والخسائر في القدرات المادية للشعوب, وبالتالي لم يعد هنالك أية إعتبارات لمتبنيات إنسانية أو أخلاقية, في ذلك النظام العالمي أحادي القطبية.
فكان الغزو الغربي العسكري للعراق, الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003, والذي سبقه الحرب على افغانستان وإحتلالها, وفق إجتهاداتها ودعواتها ومبرراتها, وتفردها في القرار الدولي, نتاجا منطقيا, لمخرجات مكنها اليه, النظام العالمي المتشكل حينها, أحادي القطبية, في غياب الموازن الإستراتيجي, فقد تمكنت الولايات المتحدة من شن حروبها دون اي غطاء أو تفويض دولي, حتى أنها أعلنت أعتبارها دولة محتلة للعراق, بعد إعلانها إنتهاء العمليات القتالية فيه.
غير أن هذا الحدث التأريخي المفصلي, قد شكل النقطة الحرجة الصفرية, في إنتهاء السالب وبداية الموجب, في الميزان الإستراتيجي الدولي, إذ شكل اخر فصول التداعي والوهن للدولة الروسية, وحضورها الإقليمي والدولي, حين فشلت تحركاتها الدبلوماسية والسياسية المتواضعة, من منع الحرب على العراق, ومن ثم على ليبيا, أو حتى التأثير في نتائجها ومجريات فصولها المتلاحقة, على الزمن القصير نسبيا.
غير أن المرحلة التأريخية اللاحقة, من عمر الدولة الروسية, بصفتها الوريث الشرعي لذلك القطب العالمي, المتمثل بالاتحاد السوفيتي السابق, قد بدأت ملامحها الجديدة بالتشكل والحضور الدولي, وبالتحدي الجرئ في أكثر من منازلة إقليمية, بدء بالنزاع الإقليمي في جورجيا, ذي الطبيعة العالمية, وهي المرحلة التي تشكلت عقب تولي الرئيس فيلاديمير بوتين, لمهامه القيادية والسياسية, وفق متبنياته الفكرية والعقدية, ورؤاه الإستراتيحية, وتقديره للدور الروسي, في ميزان التكافؤ العالمي.
فقد تجلت بدايات الحقبة الروسية, وتشكلت قطبيتها الدولية, بنجاحات في المجال التنموي والإقتصادي والمجتمعي, وبتواز منها في جوانب السياسة والدفاع والأمن الداخلي, كقضايا النفط والغاز, والصناعات الثقيلة, وفي مقدمتها التسليح, وصناعات السفن والطائرات والفضاء, بينما شكل الإستقرار في جمهورية الشيشان, ونجاحات رئيسها قاديروف, الموالي والداعم للرئيس بوتن, الصورة الحقيقية لمنظومة الأمن الداخلي الروسية, وتبعاتها الإيجابية في عموم مناطق القفقاز وما وراءه.
فقد تمكن الرئيس بوتين, من تحقيق نجاحات سياسية كبيرة, من خلال حزبه السياسي "روسيا الموحدة", الذي سيطر بشكل مطلق على مجريات الحياة السياسية الروسية, حاصدا النسبة الأكبر في مقاعد المجلس النيابي الدوما, فضلا عن النجاح الساحق, في خمس جولات إنتخابية رئاسية, على مدى العقدين الأخيرين من الزمن, وأخرها الإنتخابات الرئاسية مطلع هذا العام.
فقد حقق الرئيس بوتين في الإنتخاب الأخير, نجاحا كبيرا قارب نسبة الثمانين بالمئة, من الحجم الإنتخابي لعموم الإتحاد الروسي, متفوقا على أقرب منافسيه بنسبة كبيرة, إذ حصل مرشح الحزب الشيوعي الروسي, على نسبة قرابة الإثنا عشر بالمئة فقط, مما منح الرئيس الروسي المنتخب, زخما سياسيا, ودعما شعبيا كبيرا, وقوة نوعية, للقرار الإستراتيجي وإجراءات الدولة, في المستويات الداخلية والخارجية.
وستلقي الحلقات اللاحقة من هذه الورقة, الأضواء على معالم تشكل القطب الروسي, وتسلسل النجاحات والإنتصارات, التي حققها في المنازلات ذات الطبيعة الدولية, ومن ثم التطور الكبير في منظومات التسليح ذات الطبيعة الإستراتيجية, التي أنهت التفوق الإستراتيجي التسليحي لدول الناتو, وقيادتها التقليدية المتمثلة في الولايات المتحدة, فارضة شكلا جديدا من التكافؤ التسليحي الدولي, وكثيرا من التفوق النوعي فيه.
ثم تعرض الورقة لاحقا, للتحالفات الإقليمية والدولية, التي يقودها الإتحاد الروسي عالميا, في مجالات الشراكة الإقتصادية, والتنسيق في المواقف السياسية, وفي المجالات العسكرية, وتوافق الرؤى الإقليمية والدولية, والتي باتت إعلانا صريحا, لبدء مرحلة تأريخية عالمية جديدة, معلنة أنتهاء النظام الدولي أحادي القطبية, والبدء بالشروع بالنظام متعددة القطبية, بدخول القطب الروسي بقوة, بما يعد العالم, بمرحلة من السلم والتوازن الدوليين, وسيكون الصراع الدولي في سوريا نموذجا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان