الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة عند مسرحية ذهان

عمر مصلح

2018 / 4 / 30
الادب والفن


وقفة عند مسرحية ذهان

من ضمن فعاليات مهرجان حقي الشبلي للدراسة الصباحية، في معهد الفنون الجميلة، بدورته الثلاثين تم عرض مسرحية الذهان للكاتبة البريطانية سارة كين التي أعدها كرار فياض وأخرجها غيث كاظم.
وقبل أن ألج عوالم المسرحية وصفاً وتحليلاً وتأويلاً علينا توضيح شيء عن الكاتبة، التي كانت تعاني من مرض الذهان الإضطهادي إضافة إلى أمراض نفسية أخرى.
سارة كين 1971 ـ 1999
كاتبة بريطانية من عائلة ملتزمة دينياً، لكنها رفضت القيم الدينية بعد دخولها إلى جامعة برستول لدراسة الدراما، وحصلت على شهادة الماجستير في التأليف المسرحي.. كتبت خمس كسرحيات إلا أني لم أقرأ إلا ثلاث ( ألبغيض ـ عشق فيادرا ـ ذهان ).
عانت من الاكتئاب لفترة طويلة وحاولت الإنتحار بالتهام كمية كبيرة من علاجها فأدخلت المستشفى وهناك كررت المحاولة بشنق نفسها بشريط حذائها.
تعد سارة كين من أشهر أعلام مسرح الصدمة، وكانت تؤكد على التطرف والعنف والحب التعويضي والجنس، وتتخذ المنحى الجريء والعنيف في الحياة، وتظهر عمليات الإغتصاب وتركز عليه.
أما في مسرحية البغيض فقد أثارت ضجة إعلامية رافضة للعمل لما حملته المسرحية من لغة صادمة ومشاهد فجة مثيرة للاشمئزاز.. لما تحتويه من مشاهد عنيفة بصرياً ولغوياً، وعلى سبيل المثال البسيط قدمت مشهداً لرجل يفقأ عين رجل آخر، ولا أريد الخوض ببعض التفاصيل المحرجة.
وكل أعمالها التي اطلعت عليها تنحو هذا المنحى وبسوداوية مملة.
أما مرض الذهان الذي كانت تعاني منه، التي اتخذه المعد خطاً اشتغل عليه، بعد أن أهمل بعض الأمراض النفسية الأخرى، فهو مرض عقلي ناتج عن اختلاف هارموني في المخ، إضافة إلى الإستعداد الوراثي، وأسلوب التربية.. ومن العوامل المساعدة هي بعض الأمراض العضوية والإدمان على المخدرات.
ومن حق المعد إهمال أو إضافة أشياء كثيرة من هذه المسببات، بغية تحقيق رسالة معينة.
رسارة كين كانت تعاني ـ كما أسلفنا ـ من مرض الذهان الإضطهادي، ومن علامات هذا المرض ألشك بالآخرين وعدم الثقة بغاياتهم، لذا تتهمهم بأمور غير صحيحة، وهذا مالم أجده بالعرض، كوني لم أقرأ النص المعد. لذا كان الأولى بالمخرج التأكيد عليه.
ولولا إعجابي الكبير بحسن اختيار المخرج للقضية المعدة مسرحياً، لما كتبت ورقتي هذه، كون النقد هو إثراء للتجربة المستقبلية، وعلينا مراقبة هذا المخرج بدقة، لأنه طاقة ممتازة، وتتقدم هذه الطاقة مسألة دقة الإختيار.
وعودة إلى حالة سارة كين المرضية، يتوجب على المعد والمخرج التأكيد على الحساسية المفرطة، وعدم الثقة بالنفس رغم تظاهر الشخصية بالعكس، وتبقى مصرة على فكرة المؤامرة.. قد يكون هذا قد طرح في العرض على لسان الهو id القابع في منطقة اللاشعور، على لسان الممثل الآخر الذي شخصه المخرج نفسه، لكن الصوت كان خافتاً لدرجة يصعب فيها فهم الحوارات، وهذا خلل أدائي، وكان على المخرج أن يعي ذلك، ويستعين ببدائل، كالنك مايك مثلاً.
والمصاب بهذا الداء يميل إلى العزلة بعد انتخاب شخص واحد يضع ثقته فيه بعد اختبارت كثيرة.
ولم يتحقق هذا في العرض علنا ولا تلميحاً، ولربما قائل يقول أن ليس كل ما هو موجود يجب أن يعرض.. أقول نعم، لكن في هكذا حالات لابد من ذلك.
ترافق هذه العزلة كثرة الحركة وعدم الاستقرار المكاني حد الإزعاج، وإهمال المظهر.. وعلى هذا الأمر لي عودة آنفاً.
ومن طرق العلاج غير الكيميائية، وأقصد النفسية تحديداً ألتقرب من المريض حد زرع الثقة، فيقوم الشخص المعالج (ألصديق) بتكليف المريض بأمور معينة وإشعاره بأنه الوحيد القادر على الحل، وليس هناك من يدير الأمور ويتبرها غيره.
وهذا ما أشار له المعد تلميحاً، ولم يلتزم به المخرج إطلاقاً، ولم يعره أية أهمية.
ومن الطرق الأخرى أيضاً ألتركيز في عيني المريض أثناء محاورته وعدم إهماله، لأنه خلافاً لذلك يلجأ إلى فكرة الشك والمؤامرة.. لكن الذي حدث في العرض، اهتمام الطبيب بمتابعة حالة المريض عبر اللاب توب وهذا يتقاطع تماماً مع العلاج النفسي، وليس هناك ثمة مبرر لذلك رغم خطورة الموقف، وانعكاساته السلبية على الشخصية المريضة.
هذا بالإضافة إلى مهمة أخرى على الطبيب (الصديق) أن يؤكدها من خلال الإقناع بالدعوة إلى الإيمان، وهذه الحالة جاءت معكوسة تماماً إعداداً وإخراجاً، ولا أراها موجبة لإظهار الطبيب بصورة مشوهة، كون قضية المريض أهم من حالة شاذة لمهنة إنسانية.
أما العلاج الفيزيائي فله طرق عدة، ولكن هناك مايمكن إضاحه مسرحياً، كتدليك راحة يد المريض دائرياً والضغط على منتصف المنطقة المحصورة بين الأنف والشفق العليا للمريض.. لكن الذي حدث هو بعد الطبيب عن المريض تماماً، وكأنه محقق في قضية، وليس طبيباً.
وعوداً على بدء، علينا أن نتناول ما يمكن تناوله، وسأحاول الابتعاد عن المصطلح النقدي، كوني أتحدث مع مهتمين بالمسرح إخراجاً وتمثيلاً، وقد يزعجهم التوعير المصطلحي قرائياً، ويحيل القضية إلى الإختصاص النقدي المحض.
قام مخرج العرض بوضع ثلاث منصات في يمين الوسط ويسار الوسط وأعلى الوسط، وكان الممثلون بحالة ثبات تام، سوى الحركة الموضعية غير المبررة، ولم يتغير هذا إلا عندما هبطت الممثلة سندس علي من منصة يمين الوسط وتتجه إلى يسار الوسط، ليقوم الآخر الـ id بشنقها وكأنه شخص موجود فعلاً، لا كتفكير يحاول تسريب مخزوناته كاحتيال من احتيالاته على الـ ego الأنا، بعد خمول الـ الأنا الأعلا super ego، وتمت هذه العملية أقصد عملية الشنق بطريقة غير منقنعة إطلاقاً.
وهذا يتقاطع مع المتعة البصرية للمتلقي، وعدم تحقيق تكوينات جمالية، إذ أن التكوين التشكيلي والأداء الحركي عنصر مهم جداً في العرض المسرحي، حتى وان كان المشهد مرعباً أو مزعجاً على أقل تقدير.
إضافة إلى ما أسلفنا من حالة ثبات المريضة الذي مثل لنا خلل واضح جمالياً وعلمياً.
من جهة أخرى.. أثث المخرج الفضاء بلونين، أللون الأزرق أولاً.. وكلنا نعلم أن هذا اللون هو لون بارد، واستخدامه يجب أن يكون مؤقتاً في مثل حالة سارة كين، إضافة إلى أنه لم يكشف وجه الممثلة ليطلعنا على ردود أفعال الشخصية الرئيسة.
وقام بعملية "فيد آوت" وبث اللون الثاني الأحمر على أعلى الخشبة، ليظهر الطبيب بأجواء ساخنة!.
ومن خلال حواري مع المخرج بعد العرض برر ذلك بأنه أراد توضيح مسألة استفزاز المريضة للطبيب.. وهذا خطأ آخر، حيث أن الطبيب المختص بهكذا حالات لا يستفزه المريض إطلاقاً، وفي حالة هناك قصدية من قبل المعد أو المخرج، وهذه القصدية ملحة أو موجبة ـ رغم عدم قناعتي بها وفق معطيات التسلسل المنطقي ـ فكان على المخرج تسليط بقعة ضوء حمراءعلى الطبيب، وعدم تعميم الجو العام كله.
أما على صعيد الصوت الحي.. فلم أستطع سماع صوت الطبيب ولا صوت الآخر إلا بجمل يصعب ربطها لتحديد المبتغى، باستثناء صوت الممثلة التي كانت واضحة الصوت وسليمة الحروف من حيث المخارج ونقية التوصيل، ومن خلاله استطعنا التواصل مع العمل وربط الأحداث بتركيز مجهد.
وهناك قضية أخرى.. إذ استخدم المخرج التوقيت وأكد عليه عدة نراو في حبن أن التوقيت ليس مهماً بقدر أهمية القناعة التي استدعت قرار الموت، وكذلك الطريقة.
إذ كان باستطاعته الإشتغال على هذه المنطقة فلسفياً وجمالياً رغم بشاعة المشهد الذي كنا سنشاهده، كون رسم المشهد المرعب وتوصيله جمالياً تعد شاهداً على خصوبة مخيال المخرج وأناقة تفكيره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث