الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة في واقع اليمين الأوروبي “الشعبوي” المتطرف وإمتداداته السياسية والفكرية, النمسا نموذجا

هيثم الحلي الحسيني

2018 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


مقاربة في واقع اليمين الأوروبي “الشعبوي” المتطرف وإمتداداته السياسية والفكرية, النمسا نموذجا
دهيثم الحلي الحسيني, باحث في الدراسات الإستراتيجية
أفضت مخرجات الحلقات السابقة, من سلسلة مناقشة واقع اليمين الأوروبي المتطرف, وإمتداداته في عموم الساحة السياسية الأوروبية, أنه لا يمكن تجاهل البحث المنهجي, كأداة لإنتاج الرأي والفكر, في مقاربة ما حققه اليمين المتطرف, بدء في السباق الرئاسي الفرنسي, وإستمرارا في النتائج الإنتخابية البرلمانية, في الساحة السياسية الأوروبية, بأن التطرف "الإسلاموي" وتفرعاته, وما أفرزته تداعيات الإسلام السياسي, بفرعه المتشدد المنسوب الى الفكر "القطبي", المناهض للإنسانية والفكر الحضاري عموما, وبما يشتمل العداء لثقل الفكر الإسلامي العقلاني المعتدل, وعقائده المذهبية التقليدية, قد أصبح أسّ المعضلة ودالّتها, وهو ما يجعل إستحقاق الكتابة التحليلية في مقاربة القضية, من زواياها المختلفة, قائما وملّحا, وبعيدا عن الإنغلاق والتشدّد.
والإستدلال المعقول في ذلك, هو خطاب زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف "مارين لوبين", بعيد الإعلان عن نتيجة الجولة الرئاسية الثانية, أن حزبها قد حقق مكاسبا تأريخية, وهي تمضي بثبات وتصميم, الى الإنتخابات النيابية, أو ما يطلق عليها بالجولة الثالثة, ضامنة أن تكون الرقم الصعب, في تصدّر المعارضة السياسية داخل قبة البرلمان, متسلحة بحصدها أكثر من ثلث أصوات الناخبين.
وقد تحقق لها الكثير مما وعدت, إذ صوت لمرشحي حزبها اليميني المتشدد, الجبهة الوطنية, قرابة الثلاثة ملاين ناخب في في الجولة الأولى من الإنتخابات النيابية للجمعية الوطنية الفرنسية, مما يجعل جرس التنبيه, في حالة إشتغال وتصاعد, إذ يؤشر إنعكاسا, لحالات الفزع والتوجس, لدى الشارع الأوروبي, إزاء الحضور المريب, للخطاب "الإسلاموي" السياسي المتطرف والمغالي, وردود الأفعال السلبية المتوقعة إزاءه.
ثم شكل النجاح الذي حققه اليمين المتطرف, أو ما يطلق عليه بالشعبوي لتجميل صورته جزافا, نجاحا كبيرا في الإنتخابات الرئاسية والنيابية في النمسا, فكان حدثا مفصليا, يترجم الصعود اليميني الكبير الذي يشهده العالم الغربي، والقارة الأوروبية تحديداً في الفترة الأخيرة، ومن شأنه أن يشكل رسالة إنذار لبقية دول أوروبا.
حيث أصبح لليمين الأوروبي المتطرف, وزن متعاظم، خصوصاً في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا, فضلا عن النمسا وجمهورية التشيك والكثير من دول أوروبا الشرقية، ضمن تحالفات وتوافقات معلنة, وتحت شعارات منسقة أو متوافق عليها بينهم, محاورها الرئيسة هي مناهضة الهجرة, ومعاداة اللاجئين والأجانب عموماً, والإسلام والمسلمين خصوصاً, ومناهضة العولمة والتكتلات الإقليمية الاقتصادية الكبرى.
فباتت النمسا رسمياً، أول دولة في الغرب الأوروبي, واقعة تحت حكم اليمين القومي المحافظ, بالتحالف مع اليمين المتطرف "الشعبوي"، وقد تشكل هذا الحكم, بدء بعهد رئيس حزب "الشعب" المحافظ، مستشاراً للبلاد من جهة، وانطلاق حقبة حزب "الحرية" اليميني المتطرف "الشعبوي", شريكا حكومياً له من جهة ثانية، بعد اتفاق الحزبين على تشكيل ائتلاف حكومي لخمس سنوات مقبلة، وتضمن البرنامج الحكومي, إجراءات تعسفية غير مسبوقة, بحق المهاجرين والأقليات واللاجئين أو طالبي اللجوء, بما لا يخرج عن طروحات ورؤى ومنطلقات اليمين المتطرف في عموم الساحة الأوروبية.
وقد أولى الإعلام الأوروبي تحديداً, اهتماماً كبيراً للحدث النمساوي، نظراً لما يجسده هذا البلد, من خصوصية سياسية وإجتماعية تأريخية, وخصوصاً في الذاكرة الأوروبية للفكر النازي، الذي يعد الأكثر تطرفا في مخرجات اليمين الأوروبي المعاصر, وحيث إن زعيم النازية ومنظرها, "أدولف هتلر" هو نمساوي الأصل والمولد, ونظراً لرمزية ما تمثله النمسا, كبلد شبيه نسبياً بألمانيا, فضلا أن الإنتخابات الرئاسية في العام الماضي, لم يستطع مرشح اليمين المتطرف فيها, من تخطي مرشح اليسار, بينما هو يشكل الحكومة الحالية بأغلبية مريحة.
فهذه العودة القوية لحزب "الحرية" في النمسا, ليست سهلة على الإطلاق، فهي للمرة الأولى بعد إثني عشر سنة في صفوف المعارضة, وقد سبق للحزب أن شارك في الحكم أولا بين عامي 1986 و1987، وفي المرة الثانية بين 2000 و2005, وحينها ثارت ثائرة أوروبا في تلك المرحلة, بوصول رئيس الحزب السابق "يورغ هايدر" إلى سدة الحكم، ما استدعى استنفار القارة الأوروبية, والتهديد بمقاطعة فيينا, كفعل احتجاجي على سياسات الحزب, وقد إنتهى الحدث مأساويا, إذ لقي حينها "هايدر" حذفه بحادث مشبوه ومريب.
أما في الحاضر, فقد تغيرت أوروبا، وصار الفاعل الرئيس فيها, والذي يحرك سياساتها الخارجية والداخلية الى حد كبير, هو ذلك التحالف الخفي, بين اليمين المتطرف من جهة, وإسرائيل والصهيونية العالمية من جهة أخرى, حتى أن دخول اليمين القومي في ائتلاف حاكم في النمسا، لم يحرّك القوى الفاعلة في أوروبا.
وفي الحقيقة, أن شخصية زعيم الحزب اليميني "هايدر" نفسه, لم تكن بصورة اليميني المطلوب من قبل إسرائيل والصهيونية العالمية, فقد أتهم جزافا "بمعاداة السامية", لمواقفه العادلة من القضايا العربية عموما, مما قد يفسر نهايته الماساوية, وقد أثبتت متبنيات الحكومة اليمينية الحالية, التي وصلت سدة الحكم في النمسا, وخطابها ومواقفها, على الأصعدة المحلية والدولية, وفي القضية الفلسطينية حصرا, حقيقة هذا الحلف اليميني الصهيوني, وأن زعامة هذا التيار, لنموذج ما بعد "هايدر", هي المطلوبة صهيونيا.
فهذه الوقائع المتتابعة في الساحة السياسية الأوربية, وتحديدا في الجانب المتعلق بالاتحاد الأوروبي، ربما لبعض مواقفه المعلنة في المحافل الدولية, خاصة قضية القدس ومعارضته للإستيطان وللقمع الإسرائيلي, أثبتت أنه لم يعد خافيا, بأن خطاباً يمينيا "قومياً شعبويا" متطرفاً, تستخدمه بشكل منسق وموحد, جميع الأحزاب اليمينية أو "الشعبوية والقومية", كما يحلى لها التسمية جزافا, عبر الدعوة لبناء "السيادة الوطنية", قد بات مسيطراً في الساحة الأوروبية, وفي النمسا نموذجا, مع اتهامات صريحة إلى ما يطلق عليها, "المؤسسات فوق القومية" في المقر الأوروبي "بروكسل", التي تناهض هذه الطروحات, متهمة إياها بسلب "السيادة الوطنية".
مما يثبت أن التيار اليميني المتطرف, في تبنيه الخطاب القومي أو الوطني, أو الذي تسميه بالشعبوي, بمعنى أنه يعبر عن مصالح الشعوب ويتبنى آمالها وأحلامها, هو في الحقيقة غطاء, يتحرك تحته, وفق متبنياته اليمينية الضيقة المتطرفة, المتوافقة ومصالح حليفته وموجهته وراعيته, الماكنة الصهيونية العالمية.
وبدا أن خطاب رمي المسؤولية على مؤسسات الإتحاد الأوروبي في "بروكسل", سمة مشتركة بين أقطاب اليمين الأوروبي المتطرف، في عموم الساحة الأوروبية, إرضاء لإسرائيل وإنسجاما مع رغباتها, ومحوره مناهضة الهجرة ورفض اللاجئين, وعلى الرغم من وجود أحزاب وشخصيات وحركات ذات توجه أوروبي معتدل، إلا أنها باتت لا تملك نواصي الأمور, في النموذج النمساوي مثلا, وبرأي متابعي التأثير المتبادل، فهي أصبحت صورة من التشابه البنيوي والبرامجي, بين أنصار اليمين القومي الأوروبي المتطرف، وقد خرج ذلك الى العلن, في إجتماع قادة أحزابهم وحركاتهم السياسية, الذي عقد في ضيافة "الأشقاء", في العاصمة التشيكية براغ.
فقد وصل التنسيق ذروته, بين ممثلي هذه الأحزاب الأوروبية "الشقيقة", التي تلتقي بالفكر اليميني المتطرف, أن عقدت اجتماعا في براغ، بدعوة من حزب "الحرية والديمقراطية المباشرة"، في جمهورية التشيك، للمطالبة بحل الإتحاد الأوروبي, وقد إرتفع منسوب التنسيق السياسي بين هذه الأحزاب, فأسست ما يطلق عليه "حركة أمم وحرية أوروبا"، وجميع أطراف اليمين الأوروبي المتطرف, منضوية فيها, وقد أعلنت في إجتماعها, أن النمسا تسير في خطى متسارعة, وفق أهداف ورؤى الأحزاب والحركات السياسية الأوروبية, وبإقتداء شخصيات يمينية أوروبية متطرفة ونافذة تأريخيا, كنموذج زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية, "مارين لوبان" وغيرها.
وفي ساحة أوروبية قريبة للنمسا, ومحورية في السياسة الأوروبية, وبما شبه بزلزال انتخابي، فقد حصل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي, بزعامة المستشارة "أنجيلا ميركل", على نسبة متدنية من الأصوات, تعد هي الأدنى نتيجة له منذ نشوء جمهورية المانيا الاتحادية, قبل قرابة ست عقود, وكذا حليفه الحزب الاشتراكي الديمقراطي, بينما فرض اليمين الألماني المتطرف, والذي يتسمى بالقومي والشعبوي, بزعامة حزب "البديل لألمانيا", نفسه بصفته القوة السياسية الثالثة في البلاد, وقد أقرت المستشارة "ميركل", أن دخول اليمين المتشدد البرلمان بهذه القوة, يعتبر تحديا جديدا.
والحال فقد صعبت هذه النتيجة التاريخية, التي حققها حزب "البديل لألمانيا"، على "ميركل" وحلفائها المحافظين, فرصتهم بالبقاء في السلطة, دون قبولهم بتحالفات جديدة, فرضت عليهم تنازلات كبيرة, لليمين المتطرف, والشعبويين الصاعدين الجديد, الذين يجاهرون بمناهضتهم لقبول الإسلام كدين رسمي في المانيا, وللمسلمين كمواطنين مساوين لغيرهم بالحقوق والواجبات, رغم أنهم يعدون بالملايين, فضلا عن مناهضتهم للهجرة واللجوء ولحقوق الأقليات عموما.
وهي المرة الأولى التي يدخل فيها هذا الحزب إلى المجلس النيابي في المانيا, بعدما فشل في دخوله خلال الانتخابات السابقة عام 2013، فإنه اليوم يتفوق على اليسار الراديكالي, وعلى الليبراليين, وعلى الخضر, بما يعد هزيمة وإنكسارا لليسار التقليدي, وللمحافظين المعتدلين, مقابل صعود ملحوظ لليمين "الشعبوي" المتطرف, كونه قد شكل ثالث أكبر كتلة نيابية.
وقد شدد حزب "البديل لألمانيا" في خطابه وبرنامجه السياسي، بالإشادة بسياسات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب", برغم وصف العالم الحر لها, بالإنعزالية والمثيرة للجدل والريبة, والمعادية صراحة للمسلمين والمهاجرين, فضلا عن الإساءة للأجناس ذات الأصول الأفريقية أو غير البيضاء.
وقد أشادت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي "مارين لوبان" بـحلفائها في حزب "البديل لألمانيا", لتحقيقهم هذه النتيجة التاريخية، ورأت في ذلك رمزا ونموذجا ليقظة الشعوب, فالبداية من النمسا وهي الدولة الأولى في غرب أوروبا, التي يشارك بحكومتها حزب يميني متطرف, لكن كرة الثلج قد تدحرجت.
ولم يقتصر تمدد اليمين المتطرف على النمسا وألمانيا وفرنسا، ففي السويد أيضا، حيث يقدّم حزب "ديمقراطيو السويد" نفسه, على أنه يمين تقليدي معتدل، بيد أن مواقفه السياسية ورؤاه المعلنة, لا تختلف كثيراً عن مواقف اليمين الأوروبي المتطرف التقليدية, وكذا في هولندا, حيث حزب "الحرية" اليميني المتطرف, وقد حصلت هذه الأحزاب, على نسبة كبيرة من المقاعد في الإنتخابات النيابية, تؤهلها للتأثير والمشاركة, في صناعة القرار السياسي, وفي الجهاز الحكومي التنفيذي بشكل كبير.
وفي إيطاليا كذلك, فقد تقدّمت حركة "النجوم الخمسة", مرتفعة في نسبة مشاركتها النيابية بشكل كبير في إنتخابات العام المنصرم, فضلا عن النجاح الذي حققته "رابطة الشمال", مما أهلها لتغير تسميتها لتكون "الرابطة", وليشمل نشاطها السياسي عموم الساحة الإيطالية, والحركتان تمثلان بقوة, رؤى وتصورات وأهداف تيارات اليمين الأوروبي المتطرف, ولا تختلف عنها, بل هي متحالفة ومتفاهمة مع جميعها, وفق تجمعها المعروف بحركة أمم وحرية أوروبا.
وعليه فإن تمدد اليمين الأوروبي المتطرف, ضمن توافقات وتفاهمات بينية, في الرؤى السياسية والفكر والأهداف, هي في حقيقتها تحالف يميني واسع النطاق, إذ أصبح يمتد أفقيا في الساحة الأوروبية, من قلبها وشرقها, وحتى شواطئ البلطيق والإسكندنافي غربا, ويتحرك قدما من خلال نافذة الصهيونية العالمية, الحليفة لها, والسياسة الإسرائيلية وماكنتها الإعلامية, التي تحاول فرض سياسة الأمر الواقع, والحقائق على الأرض كما تسميها, وتسعى لفرضها على الإقليم والعالم, برغم محاولات التستر لإخفاء حقيقة هذا التحالف, مثل توجيه تهمة معاداة السامية, أو تسمية اليمين المتطرف بالنازيين الجدد, بحق رموز اليمين المتطرف وزعاماته, لكن الحقيقة يبينها إنسجام المواقف بين الطرفين, بل أصبح هذا اليمين المتطرف, لسان حال الصهيونية وأهدافها, المعبر عن السياسة الإسرائلية, خاصة في المحافل الدولية.
ومن دلائل التنسيق في المواقف بين الجانبين، فقد كشفت تقارير صحفية إسرائيلية, عن إبلاغ حكومة اليمين المتطرف في النمسا لحكومة إسرائيل, دعمها لتحصل على مقعد في مجلس الأمن الدولي, ضمن تخاطب بين رئيسي حكومتيهما, في اجتماعهما على هامش انعقاد مؤتمر الأمن في ميونخ, فضلا أن رئيس الحكومة النمساوي, وهو زعيم الحزب اليميني المتطرف فيها, قد تعهد لرئيس الحكومة الإسرائلي, بأن تستغل بلاده ترؤسها للاتحاد الأوروبي هذا العام، لتعمل على تطوير العلاقة بين إسرائيل والاتحاد.
وكذا فقد أكد رئيس الحكومة النمساوي, على دعم اعتراف العالم بإسرائيل كدولة يهودية، والقدس عاصمة لها, إلى جانب التوافق على تعزيز العلاقات والتعاون البيني, وهي تعد سابقة في في السياسة الخارجية الأوروبية, وتحديدا لبلد مثل النمسا, قد عرف عنه دعم المواقف العربية, والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.
كما تبين مواقف النموذج اليميني الأوروبي المتطرف, شكل التناقض الذي تعلنه "إسرائيل", أنها تعارض الحكومات التي شكلها اليمين المتطرف في أوروبا أو شارك فيها، متهمة إياها بالنازية الجدد أو معاداة السامية, فضلا عن إتخاذها قرارا بمقاطعة وزراء الحكومة النمساوية, الذين ينتمون لحزب "الحرية" اليميني النمساوي المتطرف.
والحال أنه يجري إستقبال الوزراء اليمينيين النمساويين, من قبل زعماء الليكود المتطرفين دينيا, كمثل الحاخام "يهودا غليك", في أروقة المجلس النيابي "الكينيتت" الإسرائيلي, كما حصل مع زعيم حزب "الحرية" المتطرف, الذي يشغل منصب وزير الخارجية، "هانز شراخه", فضلا أن الحاخام الصهيوني المتشدد "غليك", يعد من أكثر الناشطين في حركات "الهيكل", التي تطالب بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه.
ومع أن دود الأفعال الدولية, إزاء هذا الصعود المريب لليمين المتطرف في الساحة الأوروبية, وكانه سياسة مبرمجة مشتركة, وعمل منسق بينها, هي متواضعة ولا ترتقي الى خطورة الأحداث وتسارعها, والتنسيق الكائن بين صنّاعها وبناتها, فقد تصاعدت بعض الأصوات الدولية الرافضة لهذا الخطر الكائن, الذي يستهدف السلم العالمي وسياسات التعايش السلمي التقليدي, الذي ساد القارة الأوروبية والعالم, منذ نهاية الحرب الباردة, بين القطبين الكبيرين الإتحاد السوفيتي والولايات المنتحدة.
فقد رفضت المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان, انضمام اليمين المتطرف إلى الإئتلافات الحكومية الجديدة في الساحة الأوروبية, واعتبرته تطور خطير، محذرة من نشر الخوف في الحياة السياسية الأوروبية. واعتبرت المفوضية قرار قادة هذه الأحزاب, تبني المواقف اليمينية والشعبوية المتطرفة, في مواضيع مثل السياسات المعادية للهجرة واللاجئين وحقوق الأقليات, من أجل الفوز بتأييد الناخبين, يشكل تطورا خطيرا في الحياة السياسية بأوروبا, ولسياساتها التقليدية المناهضة للفصل العنصري وقمع الأقليات والداعمة لحقوق الإنسان.
وعليه لا يمكن أن نلغي دواعي القلق والريبة, لدى الآخر الغربي, وأن نتجاهل أسبابه المعقولة, خاصة بما يرتبط والسلوكيات المريبة, التي يجري تعمد ممارستها, بدعوى التمسك بالعادات والتقاليد, بينما هي موغلة في الخصوصية, ومبالغ فيها, كونها تضمر أهدافا لا ترتبط بهذه الأسباب, وقد جرى التفصيل بها, وعليه فهي تثير حفيظة الآخر الغربي, ويصنفها ضمن سياق التقاطع وثوابت ومدركات مجتمعاته, وتقدم بيئة خصبة, لدعوات رفض الآخر غير الأوروبي, وتهئ فرصة سانحة, لنشر متبنيات اليمين المتطرف, وتبريرها أمام القاعدة الشعبية, والمجتمع الناخب عموما.
وهو ما سيجري مناقشته في الحلقة القادمة من هذه السلسلة, التي تقارب واقع اليمين الأوروبي المتطرف وإمتداداته في عموم الساحة الأوربية, بهدف تبيان أسبابه وعلته, وبالتالي تعرض الدعوة لمعالجة تداعياته, في المستويات الشعبية والسياسية والإعلامية, كونها تستهدف تشويه الصورة الحقيقية والمعتدلة للإسلام, ودعوته للتسامح والسلم وقبول الآخر, والتصالح مع الذات ومع المخالف, على إعتبار المشاركة في الآدمية والإنسانية, كما تبين رفض المنطلقات التي تسوقها الصهيونية العالمية, وحليفها اليمين الأوروبي المتطرف, لتبرير سياساتها وعدوانيتها وسلبها للحقوق والمقدسات.
دهيثم الحلي الحسيني.. الباحث في الدراسات الإستراتيجية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات