الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيار الإسلامي السياسي ونظرية المؤامرة

أسامة فاخوري

2018 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محمد قطب ونظرية المؤامرة :


محمد قطب، المنظر الأكبر للإسلاموية المعاصرة، أخ سيد قطب، مؤلف كتابين أيديولوجيين هما :

- كيف نكتب التاريخ.
- ورؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر.

هذان الكتابان، يتعاضدان لتأكيد خرافات أيديولوجية بوصفها حقائق معاصرة، يجري استثمارها للتجييش والتجنيد الأصولي ضد الغرب وضد العالم. في الكتاب الأول الذي ينظر فيه لكتابة التاريخ الإسلامي، يقول محمد قطب بعد أن وصل إلى التاريخ المعاصر : (استغرق غزو العالم الإسلامي ثلاثة قرون أو أكثر حتى تم إخضاعه للنفوذ الصليبي الصهيوني. ولكن الغزو الصليبي الصهيوني جاء هذه المرة بأداة مستحدثة من أدوات الغزو، ليمكن لنفسه أطول مدة ممكنة، وليحاول القضاء الأخير على الإسلام) (كيف نكتب التاريخ ص182).

استبدل محمد قطب مصطلح الغرب ب مصطلح من مصطلحات الصراع - الصليبي الصهيوني - التي تهيج العالم العربي المتأسلم، لأنه يدرك أهمية استحضار هذه المصطلحات التي تحتفظ الذاكرة العربية لها بأكبر قدر من الكراهية والبغض والرفض.
مصطلح الصليبي يذكر الجميع بالحروب الصليبية التي احتلت ديارهم في القديم، ومصطلح الصهيوني يذكرهم بالحركة الصهيونية التي احتلت ديارهم اليوم. وبالجمع بينهما يؤكد للمتلقي أن أعداء اليوم هم أعداء الأمس وأعداء الغد، وكما كانوا حاقدين وغزاة في الماضي؛ فهم كذلك في الحاضر، إضافة إلى أن حلف أعداء الماضي وأعداء الحاضر، حلف عقائدي أزلي، ليس له من هدف إلا القضاء على الإسلام، رغم أن هؤلاء بينهم وبين الإسلام مسافة ما بين المشرق والمغرب.

ويتوهم محمد قطب - بناء على أواهامه - أن التكتلات الاقتصادية الطبيعية ليست بريئة كما تبدو، بل هي موجهة للنيل من الإسلام والمسلمين تحديدا. لنجده يقول : (فالمسلمون هم أكثر سكان العالم الثالث، والمقصود من السوق الأوربية المشتركة هو الضغط الاقتصادي، أو قل: القهر الاقتصادي للعالم الثالث بحيث يكره على بيع خاماته بأرخص الأسعار، ثم يشتريها ـ مصنعة ـ بأغلى الأسعار) (رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر ص209).
ثم يضيف : (إنما الذي صنع أوروبا الحديثة الغنية المتعالية هو ضعف العالم الإسلامي وعدوان أوروبا عليه ونهب خيراته) (المصدر نفسه، ص192).

وفق التنظير القطبي، فكل ما تقوم به أوروبا والغرب - إيجابيا كان أو سلبيا - هو في حقيقته مؤامرة لمحاصرة المسلمين، وخنقهم سياسيا ،اقتصاديا، ثقافيا ...

ومن الواضح أن الوقائع لا تنطق بهذا الوهم، وإنما تنطق به العقائد، ثم يجري تأويل الوقائع لتؤكد ما اعتقده المؤدلجون سلفا بوصفه حقائق أزلية لا تقبل النقاش بتاتا. حتى عندما يناقش محمد قطب كتابة المستشرقين للتاريخ الإسلامي، تجده يؤمن بفكرة التآمر، فبدلا من أن يتناول جهودهم في العصر الحديث، نراه يرجع إلى تاريخ العلاقة بين المسلمين من جهة، واليهود والنصارى من جهة أخرى قبل أربعة عشر قرنا. وحينما يريد أن يذكر رأيه فيهم، يورد جملة من الآيات، مثل: {يا أهل الكتاب لِمَ تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}، {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين}، {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع مِلّتهم} ...
وغير ذلك من الآيات التي تتحدث عن وقائع وتحالفات وصدامات وقعت قبل أكثر 1400 عام. ثم يتحدث مباشرة عن المستشرقين بوصفهم امتدادا لكل ما سبق: "وكونهم لبسوا مسوح العلم، وتظاهروا بالموضوعية والنزاهة العلمية، لا يجوز أن يخدعنا عن حقيقتهم، فالبضاعة التي يتداولونها، ويظلون يبدئون يعيدون فيها، هي ذات البضاعة التي تداولها أسلافهم، الذين كلفتهم الكنيسة بالكتابة ضد الإسلام في العصور الوسطى، وشجعتهم عليها، لتشويه صورة الإسلام في نفوس الأوربيين وتنفيرهم منه" (كيف نكتب التاريخ ص11).

هكذا تكلمت الأصولية في أشد صورها تطرفا وتجهيلا، هكذا يخلط المنظر الأصولي محمد قطب، المنطق العقدي بالمنطق التاريخي، وحوادث الماضي بحوادث الحاضر. جميع الحوادث يجري تثبيتها بقوة المعتقد الصلب الثابت، فيهود ونصارى القرن الأول الهجري، هم نصارى الحملات الصليبية في القرن الخامس، وهم الغرب المعاصر، وهم إسرائيل أيضا. ويهود يثرب زمن النبي، هم يهود متخفون متآمرون منذ زمن عثمان بن عفان، وهم في العصر الحديث مستشرقون يهود يزيفون تاريخنا ويدسون السم في العسل، كما يقول محمد قطب.
تؤكد الإسلاموية المعاصرة، وبالخصوص محمد قطب، أن الغرب الممتد لأكثر من 1400 عام لم ولن يتغير. ليس هذا فقط، بل ونحن أيضا لم ولن نتغير، فالهويات جامدة، إنهم باقون كما هم، ونحن باقون كما نحن، العداء هو العداء، والصراع هو الصراع.


أسامة فاخوري
باحث إسلامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الغزو الإسلامى
طاهر مرزوق ( 2018 / 5 / 5 - 17:58 )
الأستاذ/ أسامة فاخورى
تحية طيبة,
تجاهل أو تناسى محمد قطب أنه كان هناك غزو إسلامى قبل الغزو الصليبى، والغزو الإسلامى كان إحتلالاً وإستعماراً بمعنى الكلمةوكل البلاد التى غزاها العرب تم تعريبها وتم إسلمتها، وهذا أسوأ غزو وأحتلال وأستعمار فى التاريخ الذى أعرفه.
كان هناك الغزو التتارى والغزو المغولى لكن الجميع رجعوا إلى بلادهم ، بمن فيهم الغزو الصليبى ما عدا الغزو الإسلامى الأستعمارى الذى أمتلك البلاد التى غزاها وجعل أصحابها فى المرتبة الثانية بينما المسلمين الغزاة فأصبحوا هم فى المرتبة الاولى التى يتسلطون على البلاد.
يتناسى المتأسلم محمد قطب أن العرب القادمين من الجزيرة العربية المعروفين بغزواتهم الهمجية قد طوروا أسمها وصفاتها وجعلها فتوحات إسلامية وهى غزوات قتلوا فيها الأبرياء بأسم إلههم الرحيم وهى غزوات وحروب لم يطلبها منهم ذلك الإله أو رسولهم، لكن السلب والنهب والسبايا شجعهم على الغزو وإرتكاب المعصية ضد أوامر إلههم وهى أعمال باطلة ويعرفون ذلك لكنهم لا يعرفون الإله الحق أو الرسول الحق ولا الكتاب الحق لأنها كلها أفعال وعقائد بشرية.

اخر الافلام

.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني


.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح




.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل