الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجرد رأي بخصوص الوثيقة الفرنسية

ياسين المصري

2018 / 5 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قام الدكتور وجدي ثابت غبريال من كلية الحقوق و العلوم السياسية بجامعة لاروشل بفرنسا بترجمة الوثيقة التي نشرتها صحيفة لو باريزيان الفرنسية يوم السبت 21.4.2018، وقعتها أكثر من 300 شخصية فرنسية عامة من السياسيين اليمينيين واليساريين بينها الرئيس الاسبق نيكولا ساركوزي وزعيم اليمين لوران فوكييه ورئيس الوزراء الاشتراكي الاسبق مانويل فالس ورئيس بلدية باريس الاشتراكي السابق برتران دولانو، وفنانون بينهم المغني شارل ازنافور والممثل جيرار ديبارديو، ومثقفون ومسؤولون دينيون يهود ومسلمون وكاثوليك. نص الوثيقة أو البيان الأصلي أو ترجمته لم تنشره أي من وسائل الإعلام العربية أو الإسلاموية (باستثناء جريدة مصرية واحدة)، واكتفت تلك الوسائل بنشر ردود أفعال مشايخ الأزهر ودار الإفتاء المصرية والتركيز على أقوالهم تجاهها، من دون التطرق إلى مضمونها، أو مناقشتها بموضوعية وعقلانية!
هذه الوثيقة تعد حدثًا تاريخيًا لم يألفه التاريخ الإسلامي من قبل، وتحفز المثقفين في أي مكان في العالم على العمل سَوِيًّا بهدف التصدي للأساس القائم عليه الإرهاب الإسلامي، ولكنها في نفس الوقت تضع رجال الدين الإسلامويين في مأزق كبير لا يجدون (بسهولة) منه مخرجًا . الورطة التي وقع فيها المشايخ ذات ثلاث أبعاد هي عدم استطاعتهم تكفير الإرهابيين المتأسلمين الذين يعتمدون في إجرامهم على هذه النصوص في القرآن والسنة، وفي نفس الوقت يعجزون عن تقديم خطاب ديني معتدل ومقنع، في وجود هذه النصوص، ولا يمكنهم الاستمرار في التغطية على هذه النصوص أو لي عنقها، أمام وضوحها وكشف فحواها للعالم أجمع
 أهم ما جاء فيها هو المطالبة بتعطيل (تصفية) بعض النصوص القرآنية التي تحض على معاداة الآخرين وتكفيرهم وقتلهم، ولم تشر إلى النصوص الفقهية المقدسة للبخاريستاني ومالك النيسابوري وغيرهما من الأئمة والفقهاء الفارسيين، والتي تدعوا إلى نفس الشيء، فلطالما طالب الكثيرون من المتأسلمين أنفسهم ومن غيرهم بإيقاف العمل بها. ولكن مشايخ الأزهر يذهبون إلى أن الوثيقة تطالب بتجميد تلك النصوص، مع أن هناك فرقًا بين الإبطال (التصفية) والتجميد، فهذه النصوص وغيرها سواء كانت قرآنية أو فقهية مجمدة بالفعل، أي أنها (ثوابت الدين بالضرورة)، ولكن يتم تحريكها من قبل المشايخ والمتأسلمين الإرهابيين واستعمالها ضد المخالفين لهم والمختلفين معهم، لذلك يجب إبطال مفعولها والكف عن العمل بمقتضاها، شأنها في ذلك شأن مثيلاتها في الكتب المقدسة الأخرى، إذ لا يخفى الْيَوْمَ على أحد أن وجود هذه الآيات إلى جانب الآيات المتسامحة في القرآن يصيب الطبيعة الخيرة بالفطرة لأي متأسلم بالتناقض الفج في تعامله مع الآخرين سواء اختلفوا أو اتفقوا معه.
إن أهمية الوثيقة لا تكمن في ضرورتها التاريخية فحسب، بل وبالقدر الأكبر والأكثر جدارة بالمناقشة هو ردود (أفعال) مشايخ الأزهر عليها، فبدلا من الاعتماد على أنفسهم وما يزعمونه من علم ومعرفة، والتعامل مع القضية بموضوعية وعقلانية، ينقلونها كعادتهم دائمًا إلى الغوغاء من عامة الشعب عندما يتناولون ما جاء في الوثيقة على: « أنها أمور وتدخل فى الديانات الأخرى » و « انها توحي بأن المسلمين لا يمكنهم ان يكونوا مسالمين ما لم يبتعدوا عن ديانتهم" و « إن هذه المطالبة سيقف لها أزهرهم وسيقف لها كل مسلم غيور على دينه بالمرصاد ». وأن البيان « أظهر جليا أن ما يخفونه فى صدورهم من الغل والحقد لشريعتنا أصبح ظاهرا لكل مسلم ومنصف ولا ذنب لنا كمسلمين أن غيرنا يجهل بدستورنا وتفاسيره التى كتبها علماؤنا الأجلاء ». إذن وصف الموقعين على الوثيقة بالجهل « جهلا مضرا وغير مثمر » وبالكذب والتطاول على ثوابت الدين والعبث بكتاب مقدس، واتهامهم بالغل والحقد الدفين للإسلام والمسلمين، والتدخل في الشؤون العقائدية لغيرهم ، ما هو إلَّا تصعيدًا غبيًّا وتعنتًا مدمِّرًا وإصرارًا على مواصلة الأرهاب الإسلاموي بأساليبه المختلفة. وللأسف الشديد إن مثل هذه النعوت والاتهامات يصدقها العوام من السذج ومغيبي العقل والضمير.
من الملاحظ أن الضغوط السياسية الدائرة في الشرق الأوسط تأتي ثمارها في العديد من دول المنطقة، وخاصة ما يجري من تغييرات في الدولة الراعية الأولى للديانة الإسلامية (مملكة آل سعود)، مما يثير الخوف والفزع في قلوب المشايخ، ليس حرصًا على ديانتهم، بقدر حرصهم على مكانتهم في المجتمع وما توفره لهم من نفوذ ومزايا مادية ومعنوية لا حصر لها. إنهم إذن بحاجة إلى ضغوط من نوع آخر، تتوجه إلى الفكر الديني نفسه، لمساعدتهم على تخطي حالة الخوف والفزع وتشغيل العقل والمنطق، حتى يدركون في يوم ما إن التعددية الثقافية والعقائدية والعرقية مطلبًا وجوديًا في المجتمعات البشرية وضرورة حضارية ونهضوية إذا أريد لها أن ترقي وتتقدم.
بالفعل « ما ورد فى القرآن لا يحتاج إلى مساومة ولا نقاش» كما يقول الدعاة والأئمة والفقهاء الإسلامويين، ولكنه يحتاج إلى تصفية وتنقية وإبطال مفعول مافية من حث على الكراهية والعداوة للآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحل الأمثل لشاكل الارهاب
Abdulahad Paulos ( 2018 / 5 / 7 - 04:18 )

شكراً للأستاذ ياسين المصري على فكره النيِّر

الوثيقة الفرنسية قد تكون مستفزة للمسلمين عموماً وبصورة خاصة للمشايخ وللطبقة العامة المتأثِّروة بأقاويليلهم وفتاواهم وغير القادرة على تبني أفكار نابعة من ذاتها.

الحل البديل الأفضل لما جاء في الوثيقة الفرنسية هو قيام منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإعتبارهما ممثلين لكافة الدول والأديان بسن قوانين ملزمة لجميع الدول تصان فيها حرية الفرد في الرأي والمعتقد ويمنع من خلالها كل ما يدعو لقتل أو تكفير الآخر المختلف معه في العقيدة وتعاقب كل جهة تتجاوز على تلك القوانين وهذا بحد ذاته كفيل بإيقاف العمل بأي نص ديني يدعو للارهاب والتكفير ويتحاشى المواجهة المباشرة مع أية جهة متشددة وبصورة خاصة الجماعات الاسلامية السلفية.


2 - الإسلام دين و دولة
Amir ( 2018 / 5 / 8 - 07:27 )
قمة البلطجة أن تعتبر الدين دولة و تلجا لنصوص سياسية تكفر و تحارب الغير منتمى لهذه الدولة (دين الإسلام) و ترفض من يدافع عن دولتة من بلطجة دولة الدين التى تلجأ زورا لكلام إجرامى منسوب إلى الله.
فليعلن الأزهر و جميع من يمثل الدين الإسلامى أن الإسلام دين فقط لو أرادوا محاربة الإرهاب. فالدين معتقد شخصى و كل شخص يكون بحالة و بفكرة. ولكن عندما يتحول الدين لدولة بيتم تحليل الحروب الدينية و الغزو و التدخل السافر فى معتقدات الأخرين.

اخر الافلام

.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي


.. الموت.. ما الذي نفكر فيه في الأيام التي تسبق خروج الروح؟




.. تعمير -القس تادرس رياض يوضح تفاصيل كاتدرائية ميلاد المسيح من


.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح مرسومة




.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصم