الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب ليس جريمة !

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 5 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يعرف معجم المعاني الحب بأنه ميل وانجذاب إلى الشخص العزيز والجذاب والنافع، بهذا المعنى يكون الحب نوعا من الانزياح أو الخروج عن الذات والتوجه صوب الغير، أي نحو الذات الأخرى، أي أن الحب ضد التقوقع والانكماش، بل هو بحث عن التلاقح، فيصبح الحب تجسيدا للحياة، فكل تقوقع هو موت، إذ أن غياب الحب في كثير من الأحيان يفيد الكراهية، فما معنى أن تكره الذات الغير؟ معناه الذات تحب ذاتها وتضفي عليها الكمال، يمكن أن نقول هنا أن الذات تكون نرجسية حينما تحب ذاتها وتختزل الحقيقة في الذات وحدها.
والواقع أن الذات النرجسية ذات ميتة، فحتى لو خلقت الغير في ذاتها، فإنها فانية لا محالة ومحكوم عليها بالزوال، فإذا رجعنا إلى الأسطورة الاغريقية، نجد نرجس ذلك الصياد الجميل الذي ينحدر من مكان يدعى تيسبيا، كان ابنا للإله كيفيسيا والحورية ليريوبي، كان مغرورا وفخورا بنفسه لدرجة تجاهله وإعراضه عن كل من يحبه، لاحظت الإلهة نمسيس تصرفه ذاك و أخذته إلى بحيرة حيث رأى إنعكاس صورته فيها ووقع في حبها دون أن يدرك بأنها مجرد صورة، أعجب بصورته لدرجة عجز فيها عن تركها ولم يعد يرغب بالعيش وبقي يحدق بصورته إلى أن مات. إن من يعجب بنفسه، يحكم على ذاته بالموت، فالذات مثل البيت، يجب أن تفتح نوافذها حتى تستقبل أشعة الشمس والهواء الجديد، إنه الغير، الذات الأخرى التي تلقح الذات وتضفي عليها الحياة، إن الغير بذرة حياة في صحراء الذات القاحلة، وبالتالي ليس هناك حب ذاتي، بل إن الحب غيري يتوجه نحو الغير، لا يمكن للذات أن تستمر على قيد الحياة إذا لم تترحل عن طريق الحب نحو الغير .إن شخصية نرجس التي غرقت في الماء من فرط حبها لذاتها، ألهمت عالم النفس سيغموند فرويد في دراساته النفسية وقام بصياغة مفهوم العقدة النرجسية وتمثل أسطورة نرجس نمطا من أنماط البشر الذي عاش وما يزال يعيش حتي الآن، وهو الشخص الذي يعجب بنفسه ويعتز بها لدرجة تنسيه إعجاب الآخرين به، وتنسيه أيضا حبه وإعجابه بالآخرين، والذي يؤدي في النهاية الى انسلاخ الشخص رجلا كان أو امرأة عن المجتمع الذي يعيش فيه وتكون نهايته حينئذ الموت أو الفناء، ميت ذاك الذي لم يحب يوما هكذا قال بابلو نيرودا، فإذا لم تسافر عن طريق الحب، فلا معنى لحياتك، ينبغي أن تكون مغامرا ترمي نفسك بين ألغام الحب، وأن تقذف ذاتك بين أشواك العاطفة المترنحة، ويجب أن تكون صريحا محطما الأغلال والأسوار، ما جدوى الحياة إذا لم تحب ؟ ما فائدة الحياة إذا لم تصل إلى أورغازم العاطفة؟ وما غاية الحياة إذا لم تكن شبقيا ايروتيكيا على غرار شخوص جورج بطاي في روايته 《حكاية العين》؟ فلتتمرد على نرجس الذي يسكنك وتسافر محلقا نحو أرض الغير، أليست حياتك سفر في سفر، فلماذا لا تسافر نحو الطفولة؟ هناك تجد ذاتك الحقيقية عارية تعانق الطبيعة! ذاتك التي نسفها وصقلها المجتمع! هيا يا رفيق لقد آن الأوان للعودة إلى الأم، هناك الأرض، أيتها الأرض مرحى ! على بساط الأرض سمعت أرسطو الحكيم يقول: 《 إن الحب إحساس فطري في قلب الكائن(... ) ومن ساح سياحات كبرى أمكن أن يرى كم يكون الإنسان في كل مكان للإنسان شخصا جذابا وصديقا 》(كتاب علم الأخلاق الى نيقوماخوس ص 219، ج 2، ك 8)) هذا الصوت الفطري قادم من عمق الأرض، من أدغال الطبيعة، يغني للحب، الحب إحساس متأصل في قلب الإنسان، الحب سفر، يولد ويموت، ثم يولد ويموت، فأينما رحل الإنسان يرحل معه الحب، وأينما توطن الإنسان يتوطن معه الحب، ومتى مات الحب مات الإنسان، لكن الحب إذا إذا لم يتجدد وإذا لم يولد في كل مرة يموت، فيتخشب ويموت معه الإنسان، ولكن مادام البشر مترحلين ونوماديين وينجذبون إلى بعضهم البعض، فإنهم على الدوام يبقون ذواتا حية.إن الحب ليس جريمة، أي ليس مخالفة وليس جنحة، بل إن الحب هو مصالحة مع الذات ومصالحة مع الغير ومصالحة مع الطبيعة، ومصالحة مع الحياة، هو نبذ للكراهية وتمرد على الموت، وإقصاء للسكون، إن الحب هو أرضية مفتوحة للتسامح الإنساني، حينما يحب المرء شخصا، فإنه يحب العالم بأسره، وهذا الحب يعتبر منطلقا نحو الحب الصوفي الذي يصل إلى درجة الحب الإلهي حيث التوله بالإله والانغماس في نوره السرمدي، إذ يتم الوصول إلى المكاشفة بين الإنسان والله، فيتخلى الإنسان عن كل رذائله ومعايبه، وهناك يصير ندا لله، فيتوحدان وينغمسان، فليس الحب الإنساني سوى حلقة أولى للحب الإلهي في تعمقه وتجريده وعنفوانه، فكيف تشبب عاطفتنا نحو الله، وعواطفنا ميتة نحو الإنسان، فليعد البشر إلى أحضان الطبيعة، لكي يفهموا معنى التوله بالحب، إن الطبيعة صاخبة ومضجة بالحب، فالطيور الراحلة في السماء أثناء الغروب تغني سمفونية الحب، والغابة الراقصة خلال شروق الشمس توحي بالشوق، وشذى العصافير وقت الزوال تسرد آيات الحياة، فمن هنا نتعلم الحب، الحب ليس جريمة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا