الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم النظام والتنظيم ودورهما في صيانة المجتمع المدني

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 5 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مفهوم النظام والتنظيم ودورهما في صيانة المجتمع المدني


أساس فهم فكرة النظام الأجتماعي أنه يفترض ويشترط أولا في بنية المجتمع وتصوره المتوقع وحدة في المفاهيم ووتوحد في الرؤى، وبالتالي وحدة في النتائج المتوخاة منه كأهداف غائية يسعى لها النظام من خلال تطبيق مفرداته أو مقدماته العملية، هنا لا بد أن يخضع المجتمع تحت النظام لديكتاتورية الفكرة حتى لو كانت تتبنى الحرية والديمقراطية أهداف، لأن النظام يفرض على المجتمع قسريا خياراته هو وغن كانت بالحقيقة هي إنعكاس لروحية المجتمع وتطلعاته المترجمة، في حين أن فكرة التنظيم فهو يتيح لمجموعات متماثلة أو تتوافق على أهداف ومعطيات ومبادئ أن تمثل نفسها أيضا وتحت نظام خاص بها، فيتحول المجتمع عموما إلى عدد كبير من التنظيمات التي تختار بحرية ما يناسبها من وضع أجتماعي أو فكري أو سياسي.
النتيجة ستكون أن المجتمع المتنظم أقدر على تمثيل نفسه ليس على قاعدة الغلبية والأقلية بل على قاعدة تعدد النظم التي تتيح للجميع تمثيل وجودهم بخيارات حرة، هذا التعدد والتنوع داخل الجسد الأجتماعي يمكنه من أمتصاص حالات عدم التوازن والأهتزاز حينما تتمكن الأكثيرية بموجب فكرة النظام من فرض خياراتها وأختياراتها على جزء من المجتمع دون أن يتمكن هذا الجزء حتى من الدفاع عن وجوده، لذا فتكون الديمقراطية الحقيقية التي تحمي الفرد وقيمته أكثر تمثيلا في المجتمعات المنتظمة منها في المجتمعات التي تخضع لصرامة النظام وحديته.
الأحزاب عادة تمثل نوعا من التنظيم الذي يعبر عن أهتمامات ورؤى قطاعات مهمة من المجتمع ولكنها أيضا لا تعبر عن حقيقة الروح التنظيمية الأجتماعية كاملة، لأنها في وجه منها تمثل سلطة المال السياسي والقوى الأكثر قدرة على فرض شروطها في العملية الديمقراطية ذاتها، التنظيم المتعدد لفئات اكثر في تنوعها من حيث الأسس والأهداف والمبادئ يجعل من المجتمع المدني أكثر تمثيلا لنفسه وخياراته، وأكثر تعبيرا عن وحدة المجتمع من الداخل البنيوي التي تضمن ديمومة الديمقراطية ومنح سيرورتها قوة في فهمها وفي التعامل مع النتائج البعيدة في البناء الديمقراطي، حتى أن البعض يقول أن الديمقراطية تتحول إلى عملية تهميش واسعة وممنهجة في ظل مجتمع خاض لنظام موحد خال من التنوع ولا يهتم بالتنظبم الداخلي لأفراده حتى مع وجود أحزاب وكتل سياسية فيه.
التنظيم المطلوب هو تفعيل لروح المشاركة من الجذور من الحلقات الأصغر داخل وحدة المجتمع، تماما مثل بناء الكتلة الجسدية مثلا في الكائن الطبيعي التي تتكون من كم هائل من جزيئات تنتظم في وحدة عضوية واحدة، ولكنها جميعا لا تخضع لنظام واحد في العمل فلو نظرنا مثلا لجسد الكائن الحي نرى تنوع في التنظيمات الفسيولوجية داخله والتي لا تتشارك في خضوعها لنظام واحد في العمل، كل منها لها نظام خاص تعمل بموجبه وأليات متنوعة ومتباينة والنتيجة أنها جميعا تشترك بنسق منتظم من الفاعليات والأهداف في وحدة هذا الكائن، وهي التي تعطيه المرونة في التعامل مع حاجات الجسد وقدرته على العمل في ظروف وبيئات وضروريات مختلفة، المجتمع النشط والمعافى هو الذي يشبه الجسد بتنوعه وتنوع تنظيماته فهو ليس ألة تخضع لقانون محدد، نعم نحتاج للنظام لضبك الحركة ولكن ليس بالشكل الذي يفقد بعض الجزئيات قدرتها على الحركة والتمثيل.
يأتي فهمنا للعمل الأجتماعي المدني وضرورة تفعيل كل جزئياته أبتدأ من الجماعات الصغيرة الأسرة وصعودا إلى شكل المجتمع ذاته، فكثرة الجماعات المنتظمة فيه تؤدي إلى تنوع في الخيارات وتنوع في النتائج والأفكار وكلها تصب في رفد السيرورة بماء الحياة التي تعتمد على الديناميكية البعيدة ولا تحد من حرية الفرد ثم الأفراد ثم الجماعات الأكبر لتطغي هذه الديناميكية على كل مفاصل حركة المجتمع، فالجماعات وإن كانت تترابط وفقا لمشتركات أشد إلتصاقا بذاتيتها من قربها من مفهوم المصالح والمشتركات العامة الموضوعية بحاجة إلى ما يحفظ لها هذا الترابط، عكس المجتمع الذي يقوم على فكرة المصلحة المشتركة الموضوعية ولا يهتم كثيرا بالروابط الأقرب لذات الإنسان، العائلة كلما كبرت وتوسعت قلت فيها أثر الرابطة النسبية وبالتالي تضعف أطرافها المتباعدة ولكنها تتحول من أنتماء على اساس الدم والقرابة إلى الأنتماء إلى الأسم والمصلحة المشتركة ولكنها تبقى تدور في دائرة واحدة هدفها الحفاظ على كيانها وأسس تنظيمها الأول.
من هنا تأت أهمية منح الجماعات المنتظمة قدرا من الأهتمام تخفيف سطوة النظام العام عليها لتتدراك وحدة بنائها ضمن المجموع العام الذي هو المجتمع، هذا الأمر لا يدعو للخوف من تقوقع الجماعات على نفسها وتحولها إلى مجتمعات متعددة داخل المجتمع مما يهدد وحدته لاحقا، بل ومن خلال منح التنظيم الحرية في أطار مفهوم المجتمع المنظم ستجد نفسها محمية بوحدة المجتمع الذي منحها القدرة للتعبير عن نفسها، هذه الحرية مهددة في حالة فكرت هذه الجماعات المنتظمة تحن فكرة وأهداف خاصة من الإنسلاخ عن المجتمع أو العمل على زعزعة نظام التنظيم لأنها قد تفقد حريتها في ظل تنامي فكرة الإنشقاق في داخلها، فتعمل لحماية نفسها ومن ثم النتيجة حماية المجتمع الواحد، مجتمع قائم على حرية متبادلة بين الفرد والمجموع والمجموع والمجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة