الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكمة أثينا الثانية - 5- الإمبراطورية الأيوبية

هشيار مراد

2018 / 5 / 10
القضية الكردية


حاول الأكراد (الميديين) تطبيق الأمة الديموقراطية (الحضارة الديموقراطية) ونجحوا في ذلك، ولكنها انهارت، لأن الملوك الذين أتوا بعد مؤسسي الاتحاد الميدي لم يستطيعوا الحفاظ عليها بسبب نزوعهم نحو الاستبداد وتهميش العامة والشعوب الأخرى، لكن الروح الكردية لا تمل ولا تهدأ.
ففي فترة العائلة الأيوبية كان الكرد وباقي القوميات والطوائف الأخرى كالعرب والتركمان يداً بيد يحاربون الاحتلال الأوروبي في بلاد الشام، وكانت تلك الحروب تعرف بالحروب الصليبية، والانتصار الأكبر ضد التوغل الأوروبي في الشرق كان بيد الملك الناصر "صلاح الدين الأيوبي " (1) وذلك في معركة حطين.

معركة حطين

وللحديث عن معركة حطين الملحمية التي هزم فيه جيش صلاح الدين الجيوش الاوروبية، يقول عماد الدين الأصفهاني: "إن من كان يرى الأسرى آنذاك كان يعتقد أن ليس هناك قتلى ومن رأى القتلى كان يعتقد أن ليس هناك أسرى وإن الأحياء منهم جميعهم قد قتلوا. هكذا كانت الساحة تمتلئ بالقتلى والأسرى والجرحى على حد سواء. عندها تم تنصيب خيمة السلطان صلاح الدين الأيوبي وجلس على كرسيه يستعرض أمامه أسرى زعماء العدو وقد أجلس الملك كي إلى جانبه وأجلس أرناط إلى جانب كي، ثم التفت السلطان إلى الملك وكلمه وبدا يلاطفه ويخفف عليه هول المصاب وما حل به وبجنده، وطلب له ماء قراحاً وسقاه شراب الورد، وبعدما شرب الملك الماء مد يده وناوله لأرناط ليشرب ولكن قال له السلطان: أنا لن أسقي أرناط حتى لا ينال الأمان مني. وأخيراً نصبت خيمة خاصة للأسرى، ثم جاؤوا بهم وأدخلوهم واحداً واحداً إلى السلطان، وحينما دخل أرناط بادره السلطان بالقول: كنت تقول لأسرى المسلمين: فليأت محمدكم لينقذكم من يدي هاتين فها قد جئت اليوم مكان محمد وأنا مساعده في حربكم ثم خاطبه بعنف وغضب: ألا تريد أن تسلم لتنقذ نفسك من الموت؟ ولكن رد عليه أرناط بشجاعة قائلاً: لا أريد أن أعتنق دينكم أبداً. عندها استل السلطان القامة من جنبه وضربه بها ضربة قوية على كتفه وسلمه هكذا لبراثن الموت. ثم اجتمع عليه الجنود والمتعطشون للدماء ومزقوه بسيوفهم إرباً إرباً، وسحبوا جثته إلى أمام باب الخيمة، عندها شعر الملك (كي) بالذعر وامتقع لونه ولكن خاطبه السلطان بقوله: ليس من اللائق أن يقتل الملوك الملوك ولكن كان هذا الرجل قد تعدى حدوده كثيراً وغدر بي عدة مرات ولهذا السبب قتلته بالصورة التي رأيت. ثم بدأ يلاطف الملك وتكلم معه بكلام فيه الكثير من الإنسانية والرحمة والتسامح.". (2)

فتح القدس

بعد تحطم جيوش الصليبيين في معركة حطين أراد صلاح الدين فتح مدينة القدس، لكن الصليبيين بدأوا التجمع في المدينة، حيث أتى المساندة لهم من المدن المجاورة (من المدن التي انهزموا أو انسحبوا منها).
مع كامل التحصينات والتجهيزات العسكرية من قبل الصليبيين وبقدوم صلاح الدين بجيشه الجرار لفتح المدينة بدأت المعارك بين الطرفين وذلك بالمجانيق (3) التي نصبوها.
الله أكبر...، باسم الأب والابن والروح القدس...، كلاً بطريقته وبإيمانه يقاتل، ولكن بقوة الجيش الإسلامي الذي كان معظمه فرسانه وعناصره من الكرد وبإصرار من الملك صلاح الدين عرف الصليبيين الذين مازالوا متمركزين في القدس بأن نهايتهم قد حلت، فبدأوا التفاوض والحوار مع صلاح الدين، وضمن هذه المفاوضات يقول باليان بن بارزان الذي كان حاكماً للرملة: "أيها السلطان الأكبر، نحن في هذه المدينة يقارب عددنا المئة الف شخص يحاربونكم، والآن هم يريدون إنقاذ أنفسهم من الموت وترك المدينة لكم، ولكن حينما نعلم أن لا مفر لنا من الموت عندها سنحرق المال والحلال وسنقتل ذرارينا ونساءنا وندمر المدينة عن آخرها، لنبقى الرجال لوحدنا وسنخرج بعدها لحربكم وعندها سوف لن يقتل واحد منا قبل أن يقتل منكم عشرة، ولن تستطيعوا أن تنالوا فلساً واحداً منا ولا أن تحصلوا على الأطفال والنساء بينما سنموت ونحن أبطال." . (4)
فتم الاتفاق بين صلاح الدين والصليبيين، والاتفاق هو أن يسلم المدينة ويخرج الصليبيين من المدينة بشكل آمن وذلك بشروط معينة. وعلى أثر ذلك دخل جيش صلاح الدين إلى مدينة القدس، محررة إياها من الغزاة الأوروبيين. (5)

بعد فتح القدس

فُتحت القدس من قبل الملك الناصر صلاح الدين وذلك بعد بقائها تحت حكم الصليبيين لمدة 92 عاماً، وبعد انسحاب الصليبيين من القدس بدأوا التجمع مرة أخرى وذلك لهدف استرجاع ما يرونه ملكهم وهي مدينة القدس (أورشليم) وحتى إنهم استنجدوا بمسيحيي أوروبا لاستنجادهم ولاستعادة الأراضي المقدسة.
لكن صلاح الدين أراد أن يحافظ على مدينة القدس وأما الصليبيين أرادوا السيطرة عليها مرة أخرى بكل اصرار، وكلا الطرفين بدأوا في جمع الأنصار لأهدافه، فيرسل صلاح الدين رسالة إلى الخليفة في بغداد وذلك في عام 1190م ويقول فيها: "من أجل دين عيسى يضحي الرجال والنساء بالأرواح ويمدون رجالهم بالمال والعتاد، ويقدم النساء أجسادهن لجنود الصليب قراباً لهذا الحرب، يبعن أنفسهن إلى الله بدون مقابل، وقد لبس بعضهن لباس الرجال وعدة الحرب ليقاتلن إلى جانب الرجال من الجند، ومن بين جثث القتلى وجدنا الكثير من جثث النساء المحاربات، وقد علمت بأن امرأة منهن قامت بتجهيز خمسمئة محارب ليحاربوننا على حسابها الخاص، وقد اعتقل أنصارها هؤلاء في الاسكندرية، كما أصدر البابا من جهته فرماناً يقول: إن من لم يسر لمحاربة المسلمين فقد حرم من ديانة عيسى. واستجابة لهذا النداء فقد تخلى الصليبيون عن أهلهم وأموالهم وأولادهم وتوجهوا بشجاعة نحو ميادين القتال يخوضون غمار الموت غير هيابين ولا وجلين، وكل منهم خرج للحرب بدون مقابل، بل كل منهم جهز نفسه على حسابه الخاص وسار لحرب المسلمين وقتالهم، بينما المسلمون جالسون في بيوتهم وهم يتفرجون علينا من بعيد، ومن يأتي إلي منهم ليحارب إلى جانبنا فلن يأتي بدون راتب أو مال ويكون في رقبتي إطعامهم وكسوتهم وتسليحهم، وهكذا فالمسلمين غير متحدين على غرار الصليبيين وكلمتهم شتى وهم غير متحمسين للقتال ويهرب الكثيرون منهم من ساحات القتال ولا يعودون.". (6)
لكن مع كل المعارك الملحمية وبتجمع مسيحيي أوروبا رجالاً ونساء لم يستطيعوا أن يزحزحوا صلاح الدين من المنطقة، فكانت كلمة الكرد وشعوب المنطقة هي المسيطرة في تلك الفترة.

قوة الإمبراطورية الأيوبية ومدى كبرها

"كانت جيوش الإمارات التابعة للدولة ينجدونه في كل الأوقات ومتى ما شاء مثل إمارات: الموصل، وحصن كيف، وماردين، وأربيل، وحلب، وحماة، وحمص، وبعلبك، وصرخد، والكرك، ومصر، ودمشق. بالإضافة إلى ليبيا، والسودان، ومصر، وفلسطين، ولبنان، وسورية، واليمن، والحجاز، وكوردستان. وكانت جميع هذه المقاطعات تخضع لسيطرة الدولة الكردية، حيث كان الأيوبيون يعينون لكل جزء أو مقاطعة من هذه المقاطعات حاكماً من العائلة أو من الكرد أو من مماليك الكرد.". (7)
استطاع صلاح الدين أن يؤسس الإمبراطورية الأيوبية، وصحيح أنها كانت إسلامية لكن نستطيع أن نسميه بما ندعوه اليوم بالحضارة الديموقراطية أو بـ "الأمة الديموقراطية"، حيث كان العرب والكرد والمسلمين والمسيحيين وباقي القوميات والطوائف الدينية الأخرى في تعايش ووحدة داخل الإمبراطورية.

وفاة الملك الناصر

وأخيراً توفي الناصر صلاح الدين في عام 1193م ، وكان له (17) ولداً وابنة واحدة (مؤنسة خاتون)، مات ولم يترك وراءه إلا 47 درهماً وديناراً ذهبياً واحداً، مات الملك الناصر من دون أن يترك أي أراضي أو أملاك لعائلته، ولم يرثهم إلا وراثة الحكم للبلاد (8)؛ إنه الملك الناصر، الملك العادل، الملك المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي، فهل يملك أو سيملك التاريخ قائداً شبيهاً له.
.....................................

المصادر والهوامش:

1ـ صلاح الدين الأيوبي، كردي العائلة، اسمه الحقيقي يوسف، ووالده أيوب، ولد في تكريت التي كانت ضمن ولاية الموصل ذي الأغلبية الكردية سنة (1138م)، وتوفي في دمشق سنة (1193م). سيطر على مصر بالكامل في سنة (1174م)، وأسس الدولة الأيوبية.
2- جكر خوين: تاريخ كردستان - الجزء الثالث، ص64- 65.
3- المنجنيق آلة حربيَّة من آلات الحصار تُرمى بها الحجارةُ وغيرها من القذائف. (جمعها: مجانيق أو مناجنيق أو منجنيقات أو مجانق أو منجنوقات).
4- جكر خوين: تاريخ كردستان - الجزء الثالث، ص71.
5- يدخل المسلمون القدس في (2 تشرين الأول عام 1187م).
6- جكر خوين: تاريخ كردستان - الجزء الثالث، ص104.
7- جكر خوين: تاريخ كردستان - الجزء الثالث، ص237- 238.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف فجرت حرب غزة جدل حرية التعبير في الجامعات الأمريكية؟ | ا


.. Amnesty Launches Annual Report on the State of Human Rights




.. وكالة -الأونروا- تنشر مشاهد للدمار في غزة في اليوم الـ 200 ل


.. بطلب من الأرجنتين.. الإنتربول يصدر نشرة حمراء لاعتقال وزير د




.. إسرائيل تستبق الاجتياح البري لرفح بإنشاء مناطق إنسانية لاستي