الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسول شوارعي وأيضاً عقلي ..

مروان صباح

2018 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


تسول شوارعي وأيضاً عقلي ..

مروان صباح / لم أكن بحاجة للإنتماء إلى ثقافة التسول بقدر ما كانت الشوارع دالة في تشكيل معرفي لدي ، لما أخفته هذه الظاهرة وراءها ، وببساطة شديدة ، عندما تتحول الحالة من فردية هنا وهناك ، لتصبح ظاهرة منتشرة بشكل منظم ، تكون القصة قد تحولت بالفعل من مباردة فردية إلى فكرة تجسدت بين أفراد ثم منظومة ، الأول احتكم ممتهنها على الجهل ، والأخر ، احتكم واضعها على الخباثة ، وقد تكون مصر سباقة بين الدول العربية في انتشار مهنة التسول ، كونها الأكبر تعداداً للسكّان ، ففي فيلم المتسول لعادل امام ، اظهر السيناريو عن أزمة التسلق والسقوط بين الطبقتين ، الوسطى ، وأخر ، تجاوزت خط الفقر أو تلك التى تترنح بينهما ، فعندما المجتمع يتلقى هزيمة على مستوى أفقي ولا يعمل على تلافيها ، يبدأ الفرد في البحث عن طوَّق النجاة من أجل إنقاذ عيشته ، احياناً نجده مختلف أو متطرف ، فكيف إذاكانت الأكثرية تحت خط الفقر .

تحول التسول إلى مهنة منظمة لا يستهان بها . قد يختلف الكثير حول نوعية التنظيم ، لكن في نهاية المطاف ، هناك إطار قد شُكل ، بل لا يُخفي ذاته ، يعيه الفرد في المجتمع ، تماماً ، كما تعيه الجهات المسؤولة ، يحارب ممن لديهم قناعة راسخة ، بأن تلك الشريحة خارج دوائر العُوذ أو هناك من يجد أنها ذريعة مناسبة للهروب مِنْ استحقاق الصّدقة أو المساعدة ، في جانب أخر من المسألة ، هذه الفئة تلاحق من الجهات ذو الاختصاص ، لكن الجهتان ، الأفراد والمؤسسات ، عاجزتين عن تقديم حلول جذرية ، بل التعامل معها ، يرتهن دائماً إلى صيغ مزاجية ، لا يمكن للمرء ، تنبؤ النتائج التى يمكن أن تصدر عن تصرفات محدودة من الفرد أو المؤسسة .

لو أبتعدنا عن صفة المؤامرة ، وأخذنا من المؤامرة ما تختص به ، كونها فقط للأذكياء وبالقدر ذاته أبتعدنا عن المسلمات ، كونها صِفة الجبناء ، الذين لا يؤمنون بالمؤامرة ، سنجد بأن المجتمع العربي يتلقى العبارات ويكررها دون أن يشارك في صياغتها ، بل الخطورة تكمن في الواقع ، لأنه خاضع فقط للتأويل والتفسير ، بينما كان الأجدر ، أن يُواجه الواقع بالتفكير ، ثم وضع الحلول ، بل أيضاً ، سنكتشف أمر بالغ الأهمية ، وهو معادل موضوعي ، عندما المؤسسة تعيش مرحلة لا مؤسسة ، بالطبع ، لا يمكن لها بناء مجتمع متوازن اجتماعياً ، لأن بإختصار ، تصفية الحسابات مع القائم ومعالجة أسبابه ، يأتي فقط من مجتمع قادر على التنبه إلى المؤامرة ، بحاضرها الآني وعمقها المستقبلي ، وهذا ، يفسر تجاوز حالة التسول من نسبته المعقولة وتحوله إلى إطار منظم ، بهذا المعادل ، تكون المؤامرة استفحلت والجبناء تحالفوا مع الذرائعين ليكتمل الفارق الإجتماعي ، الذي يمهد إلى انحطاط شامل .

خلال الانحطاط ، يتضخم الفارق ويصبح الطرفين لا يروا بعضهما البعض سوى أعداء ، بل ، يتمترس كل طرف بخندقه ، ينطلق كل واحد منهما من معتقدات وليس حلول ، وهذا يفسر لجوء هذه الشريحة لإنشاء تسول منظم ، لأن الاعتقاد الأخطر في نظري ، يكمن في أعتقد هذه الشريحة ، بأن الشغل الطبيعي ، ليس سوى عمل مجاني أو استغلال من رب العمل للعامل ، من هنا ، تكشف لنا المرحلة الانحطاطية عن السبب الرئيسي في انتشار مهنتين ، المومسات والمتسولين ، ساعات قليلة وإيرادات كبيرة ، بل ، الاهانة والبهدلة هي واحدة ، لأن ، معظم المهن البسيطة ، وهي الأغلب في المجتمعات التى تبتعد عن انتاج الفكر والصناعة أو الزراعة ، يتعرض أصحابها للاهانة والتحرش الجنسي ، بالرغم من تدني أجورها ، بالطبع يسبق هذا النهج ، تساقط تدريجي للمنظومة الاخلاقية أو تغيبها عن السلوك الإنساني ، فيصبح كل شيء معقول أو مقبول ، الذي يترتب على المجموعات الواقعة تحت هذه المنظومة إيجاد حلول أسهل من أجل تأمين دخل أكبر .

تماماً ، ينطبق هذا الحال ، على منتج الدخان ، وايضاً مسوقه ، في قرارة نفسه ، يعلم علماً يقيناً ، أن الدخان بأشكاله ، سبب أساسي في إصابة الانسان بالمرض ، لكن ، من أجل اكتساب المال ، يُضحي اولاً بضميره وثانياً بالآخرين ، وعندما يصادف مومس أو متسول على الطريق ، يتساءل عن الأخلاق التى غابت هذه الأيام أو عن أسباب التى دفعت الانسان امتهان مهنة التسول ، بل يتعجب ، كيف له الوقوف تحت أشعة الشمس أو في جو بارد ممطر يتظاهر بالمسكنة من أجل حفنة من المال .

بطبيعة الحال ، المعادلة الدائمة للحياة البشرية ، الأغلبية فقراء وهناك قلة من الأغنياء ، لكن المال الهائل لدى الأغنياء ، لم يتحول هذا الكم إلى تراكم إنساني ، لمعرفة خصائص الاجتماع الأهلي ، لأن العلوم الاجتماعية ، قادرة على احداث منعطفات حلولية ، جذرية ، تضع حد للفارق بين الطرفين ، بل ، كانت ومازالت القلة ، مبدعة في توسيع الفجوة وتعميق الانحطاط . والسلام
كاتب عربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في