الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن سام نزيما و ملفيل أديلشتاين – شهادةٌ على انتصار الإنسانية.

نضال الربضي

2018 / 5 / 14
حقوق الانسان


عن سام نزيما و ملفيل أديلشتاين – شهادةٌ على انتصار الإنسانية.

-------------------
إننا نُقرُّ بأن َّ هذه الحقائق تدلُّ على ذاتها (تشهد بنفسها على صحَّتِها)
بأن َّ كل َّ البشر خُلـِقوا مُتساووين
-----------------
(عبارةٌ قصيرةٌ مُقتضبة، من نص ِّ إعلان استقلال الولايات المُتَّحدة الأمريكية، في الرابع من يوليو تموز للعام 1776. الترجمة إلى العربية: لكاتب المقال)


في 16 يونيو (حزيران) 1976 بدأ الطلاب السود في دولة جنوب إفريقيا مجموعة من المسيرات عُرفت فيما بعد باسم: انتفاضة سويتو Soweto Uprising، رفضا ً للقرار الصادر بإلزام مدارس السود باستخدام اللغة المعروفة باسم: أفريكانز Afrikaans كلغة رسمية للتعليم في المدارس.

كانت لغة الأفريكانز ترمز لنظام الفصل العنصري لانحدارها في الأصل من اللغة الهولندية التي تتكلمها الطبقة الحاكمة و يستخدمها المواطنون البيض، و لذلك رفضها الطلاب الذين خرج منهم ما بين 10 إلى 20 ألفا ً في مظاهرات سلمية الطابع، ليجدوا أمامهم حواجز الشرطة تغلق الطرق، فيتجهوا في طرق ٍ أخرى حرصا ً من منظمي التظاهرات على إبقائها في إطارها السلمي الحضاري.

لكن الظالم مهما حاولت َ أن تحاوره بالفعل الحضاري سوف يكشف ُ في مرحلة ٍ ما عن وحشيته، و سوف يجبرك َ على الخروج عن الحضارة مهما كنت َ حريصا ً ألا تفعل، و هذا ما حدث مع الطلاب الذين وجدوا فجأة َ أنفسهم في مواجهة الكلاب البوليسية التي أُطلقت عليهم، فدافعوا عن أنفسهم فقتلوا كلباً، لتنطلق الرصاصات الحية و تردي منهم 176 طالبا ً (هذا هو الرقم الموثَّق، بينما تتداول الحكايات رقما ً قريبا ً من 700 قتيل، و لا يمكن معرفة العدد الدقيق).

من هؤلاء الطلاب الشجعان كان هكتور بيترسون Hector Pieterson الطفل الذي لم يكمل عامه الثاني عشر (12 سنة) و الذي تلقى رصاصة ً قاتلة، فيحمله زميله: مبويسا ماخوبو Mbuyisa Makhubo بين يديه برفقة شقيقة هكتور الطالبة: أنطوانيت Antoinette ذات ال 17 عاماً، و ينطلقا به في طلب المساعدة الطبية.

في تلك اللحظة رصدت عدسة المصور الأسود: سام نزيما Sam Nzima المشهد الدموي الذي صاحت قطرات الدم النازف فيه مع حشرجات صياح الأخت المكلومة بأخيها لتشهد على وحشية الإنسان حين يتجرد من إنسانيته و يستعلي على أخيه الإنسان. مات الصبي الصغير هكتور لكن َّ الصورة انتشرت في جرائد دولة جنوب إفريقيا تستحضرُ الظلم و تتوعدُ الظالم.

عانى سام المصور ُ صاحبُها من المعاملة الوحشية حتى اضطر إلى العودة إلى مسقط رأسه و البقاء تحت الإقامة الجبرية و المراقبة لمدة 19 شهراً، و لم يتمكن لسنوات ٍ طويلة من إعادة استخدام الصورة بحرِّية. هذه الصورة ُ كانت من القوَّة ِ في رسالتها للدرجة ِ التي جعلت مجلة Time Magazine تصنِّفُها ضمن الـ 100 صورة الأكثر تأثيرا ً في التاريخ.

يمكنك( ِ ) مشاهدتها عن طريق طباعة النص: Sam Nzima Pictures على محرك جوجل، و سوف تتعرف (ين) عليها فورا ً. توفي المصور: سام، يوم السبت 12 مايو (أيار) 2018 أي قبل يومين فقط من كتابة هذا المقال، لكن َّ الصورة التي التقطها ما تزال حيَّة ً تستنهض في البشرية وعيا ً أسمى و عقلانية ً أكرم.

سام لم يكن البطل الوحيد في ذلك اليوم من خارج صفوف الطلاب السود الذين هم الأبطال الحقيقيون، فقد شاركه و شاركهم الإنسانية و البطولة أيضا ً: الدكتور ملفيل أديلشتاين Melville Edelstein، و هو أكاديمي ٌّ أبيض اللون، يهوديُّ الديانة، كرَّس حياته للقضايا الإنسانية و خدمة الشباب السود في منطقة سويتو Soweto حيث اندلعت الاحتجاجات. كان الدكتور ملفيل معروفا ً بحكم نضاله الإنساني و تضحياته الكبيرة لكنه لم يكن معروفا ً في أوساط طلاب المدارس الذين لا يُتوقع منهم إدراك كل ما يحيطهم و تنحصر اهتماماتهم كأي طلاب في أي دولة بما يتعلّقُ بأعمارهم.

حين بدأ الرصاص الحي يقتلُ الطلاب السود، اشتعل الغضب، و فارت الدماء، و احتجب العقل وراء الغمامة السوداء للحيوان البدائي الذي يسكنُ كل َّ البشر، و شاءت الصدفة أن تمرَّ المجموعة الغاضبة من حيث ُ تواجد الدكتور ملفيل لترجمه بالحجارة حتى الموت، و لتعلِّق على جثته عبارة ً شاهدة ً على الظلم الذي كانوا يعانون منه، و الذي خلق منهم وحوشا ً لتظلم َ بدورها من أحسن إليها.

قالت هذه العبارة:
“احذروا، إن لغة الأفريكانز أخطرُ شراب ٍ على مستقبلنا”

سام و ملفيل صنف ٌ من البشر يقفُ في وجه الظلم و التَّعصب و الكراهية، و كلاهما دفعا الثمن:

- سام: دفعه للظالم.
- بينما ملفيل: دفعه للمظلوم.

يجبُ علينا أن نقف طويلا ً أمام هذا المشهد لنتأمَّل نتيجة الظُّلم، لنرى كيف يُخرج منَّا أسوأ َ ما فينا من صفات، و أردأ ما نمتلك ُ من طبيعة ٍ حيوانية، دفاعا ً عن الحق و العدالة و الحُريِّة و الكرامة. هذا التناقضُ العجيب بين نُبل الهدف و وضاعة الطريق و انحطاط ِ المسلك يجب أن يقودنا إلى الاتِّفاق على مبادئ عامَّة لا يمكن ُ التخلي عنها حين إنشاء القوانين و صياغة ِ الأعراف و تحديد ِ المناهج المُتَّبعة، في البيوت و المدارس و الجامعات و جميع نقاط التفاعل الإنساني داخل الدولة، أي على مبادئ: اشتراك البشر جميعهم في ذات الطبيعة البشرية و ذات الكرامة الإنسانية و ذات الحقوق المُتعلِّقة بطبيعتهم و كرامتهم، دون تميزٍ أو فرقٍ أو تفضيل،،،

،،، لأن مغادرة هذه المبادئ و لو بالانحراف الجُزئي أو البسيط سوف يخاطِب ذات الطبيعة لكن من جهة حيوانِها الكامن الذي سوف يستيقظُ لكي يدمِّر الأخضر و اليابس، الطيِّب و الشرير، المُنقذ و المُلهم و الظالم في نفس الوقت دون تميز، و لنا في سوريا خيرُ مثالٍ على انتفاضة ٍ طلبت الكرامة و العدل و الحرية فوجد طالبوها أنفسهم في قبضة ٍ الشر ِّ البدائي الكامن في النفوس، و الذي أخرجه ظلم ٌ مُستمرٌّ و قهر ٌ مستدام، فلم يسلم لا الظالم و لا المظلوم من الحيوان ِ الكامن ِ في أدنى مراتب الوعي البشري، و الذي كما يعرفُ و يحبُّ العدالة يعرف ُ و يحبُّ أيضا ً الشر و الدمار.

في ذكرى سام و ملفيل، و هكتور و كل الشجعان الذين قضوا من أجل زوال نظام الفصل العنصري، و قد زال بالفعل و أستطاع رجل إفريقيا العظيم الراحل طيب الذكر: نيلسون منديلا Nelson Mandeka أن يحقق المصالحة الوطنية بين البيض و السود دون إراقة قطرة ِ دم ٍ واحدة و دون تحريض ٍ أو تحشيد ٍ أو تأجيج ٍ للغضب لكن بكل الحكمة و الخير الداخلي الكامن في النفس و بكل ِّ الحب،،،،

،،، في هذه الذكرى و بكل الأمل و الرجاء ننظرُ إلى مجتمعاتنا العربية التي ما زالت لم تدرك بعد الأبعاد العظيمة َ الحضارية َ و الإنسانية َ لمبادئ احترام حقوق الإنسان القائمة:

أ‌. على المساواة التامة بين الجندرين (الذكر و الأنثى) و بين المواطنين جميعا ً في الوطن الواحد، بعيدا ً عن المذهبية و التعصب و الاحتماء بالأدلجة من الأخوة الإنسانية.

ب. و على سيادة القانون، و الاحتكام التام غير المُجتزأ للمُنجز الحضاري بديلا ً عن المذهبية و العشائرية،،،

،،، أقول: بكل الأمل و الرجاء ننظر ُ إلى يوم ٍ نأخذ ُ فيه قرارنا (و ليبدأ كل ٌّ منَّا بنفسه) بأن نتَّحد مع المجموع الإنساني العام، لنحيا إنسانيتنا، و ليكون لنا مُنجُزنا الحضاري الذي نساهمُ به في الارتقاء بالإنسان إلى أعلى مستويات الوعي و الكرامة، هذا الإنسان الذي هو عندي دائماً: المُقدَّسُ الأوَّل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهلا نضال
قاسم حسن محاجنة ( 2018 / 5 / 14 - 19:59 )
حبيت اقولك مرحبا وتحياتي


2 - نفتقد مقالاتك القيمة يا قاسم
نضال الربضي ( 2018 / 5 / 15 - 08:15 )
هلا بالطيب الجميل!

كيفك يا قاسم، وينك يا رجل؟؟؟؟؟

دائما ً في مقالاتك تسلط الضوء على جوانب من الضروري فحصها و إنشاء قيم جديدة بصددها، لكنك تبخل علينا هذه الأيام، فما القصة؟

دمت بكل الود!

اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة