الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان كريم

سليم صفي الدين

2018 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الأستاذ رمضان كريم، رجل طيب، يزور منطقتنا الفقيرة شهرا واحدا فى كل سنة، يأتى بميعاد ويرحل بميعاد. حتى إن الناس فى المنطقة، كانوا يستقبلونه قبل قدومه بأسابيع، احتفالا واحتفاء به، لم يأتِ مرة واحدة بيد فارغة، دائما يحمل معه الخير، أطعمة ومشروبات ولحوما، فضلا عن تشجيعه للناس على العبادة، فكل من يصلى أثناء وجود الأستاذ رمضان، يحصل على جائزة مضاعفة على عبادته فى الأيام العادية.


لكن الدنيا لا تَبقى على حالها، تحول استقبال الأستاذ رمضان كريم، من المَغْنًى إلى تحريم الغناء، ومن "رمضان جانا وفرحنا به" إلى أغنيات لا معنى لها ولا مذاق، ومن تلوين الشوارع وتزيينها إلى فرض السيطرة على الشوارع بالبلطجة، فكل صاحب محل يبيع الياميش والمكسرات، كالعادة لاستقبال الأستاذ رمضان، أصبح يضع أمام محله بضائع تقتحم نصف الطريق وأكثر! فتحول المشهد من ألوان وفرحة أطفال إلى سب للدين، ولعن للناس، وازدحام رهيب، واستغلال سافر للفقراء، بعدما كان يوما دعما لهم وعونا. وتحول المشهد من حالة التلاحم إلى الفرقة، وسفرة الطعام أصبحت أداة للتفاخر عبر مواقع الإنترنت، ورسّخ الأستاذ رمضان كريم عادة رائعة، إذ كان كلما يأتى يقيم سفرات طعام للفقراء وعابرى السبيل، تحت مسمى موائد الرحمن، اليوم أصبحت هذه الموائد للشهرة والكِبر، كأنها موائد الشيطان! فلا أظن أن الرحمن يرضى بالتعالِى على الناس والتفاخر بإطعامهم، كما قال الأستاذ جمال بخيت فى قصيدته الرائعة "مش باقى منى": " الليلة راحت عيوني تطل على البستان.. رجعت لى توصف خيال الذل فى موائد الرحمن".


ازداد المشهد عبثا وظلما وإجراما، بعدما تحولت العبادة فيه إلى نوع من أنواع التجسيد والتناظر، فتظهر السبَحُ فجأة فى أيدى كل الناس، وتجد نقاشا حادا بين مجموعة حول أيهم قرأ أجزاء من القرآن أكثر من الآخر، وافتُرِشت الشوارعُ، وقُطِعت الطرقُ من أجل الصلاة، غير أن الأستاذ رمضان يأتى بالعبادة، التى تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى، تنهى عن قطع الطريق والتفاخر بالعبادة والتناظر بها، ترفض الإزعاج الصادر من مكبرات الصوت، والمشاهد العبثية التى تحدث بعد كل صلاة من كلِّ مَن حفظ كلمتين اثنتين عن الأستاذ رمضان "الله يرحمه".
الوصال يوما عن يوم يقل، لأن العبادة فقدت الحب والروح. الروح طائر يحلق، لا يكبت بعادات ولا تقاليد ولا نمط، والحبُ من ابتغى غيره دينا فقد فسق، اليوم الأول فى ذكرى حضور الأستاذ رمضان، يذهب الجميع إلى المساجد ويصلون، وفى المنتصف والآخِر لا أحد يقربها! أمر طبيعى لفقدان الحب وسجن الروح، على مدار سنين الأمر يزداد عبثا وينحدر بالجميع، فأصبح الأستاذ رمضان ثقيلا على الفقير الذى كان ينصفه، مرفوضا من الشباب الذى كان ينتظره، حملا على أصحاب الأعمال والمال، الذين كان يطهرهم، ظل الوضع هكذا حتى تحول شهر الأستاذ رمضان من الحب إلى العداء، ومن الرحمة إلى الغضب، ومن السكون إلى الإزعاج والتعدى على خصوصيات الجميع عبر مكبرات الصوت، وافتراش الشوارع سواء للصلاة أو للبيع!


إلى أن جاء أخيرا الأستاذ قانون العلمانى، هو من عائلة لها تاريخ ومشهود لها بمناصفة الأقليات أو الضعفاء، كما يستخدم البعض، حاول جاهدا أن يفهم الناس أن ما يفعلونه خطأ كبير، وأن الأستاذ رمضان كريم لو كان حيا لما قبل بمثل هذه الأمور أبدا، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل، والذين آمنوا به وبأفكاره قلة، لا حول لهم ولا قوة.


كان الأستاذ قانون بصحبة الأستاذ فكر جديد، يعملان معا على التغيير الشامل للمنطقة، استغلا كل دقيقة عبر سنوات من العمل السياسى الدءوب، ما بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، وخوض انتخابات البرلمان والمحليات والنقابات، حتى أصبحت أفكار قانون العلمانى مؤثرة وبقوة فى المنطقة كلها، ما إن جاءت انتخابات الرئاسة حتى رشح نفسه لها، بقوة ما صنع فى السنوات الماضية بصحبة فكر جديد، وبالفعل نجح بعد منافسة قوية وشرسة أمام المرشح الدائم الذى ينجح كل دورة رئاسية بلا عناء، السيد أصول، ومن وقتها فُرِضَ القانون على الجميع، مكبرات الصوت لم تعد موجودة لا فى المساجد ولا الكنائس عبر أجراسها، والذين تعدّوا على حرمة الشوارع تم فرض الضرائب عليهم، واسترداد ما قد استولوا عليه، ولم تُقطَع الطرقُ من أجل الصلاة، ولا من أجل الجلوس على المقاهى، ولا من أجل موائد الرحمن، والأفراح والمآتم، القانون يُطبَّق على الجميع، فقد كان ملخص فكر الأستاذ قانون العلمانى "الوقوف على أبعاد متساوية من كل سكان المنطقة".


الجميع عاش فى سلام وحب، وعادت الروح الطيبة، لم يعد هناك إزعاج فى الشوارع، ولا أزمة فى المواصلات، ولا مضايقات ومعاكسات وتحرش، جميع أيام السنة أصبحت عادلة، وكل المتدنين يمارسون طقوسهم بكل حرية، من دون تدخل من أحد، والذين هجروا الأديان يعيشون فى سلام، من دون تهديد ولا وعيد من أحد، العنصر الفاصل فى تولى الأستاذ قانون العلمانى للسلطة، هو تطبيق الدستور والقانون، ولا فرق بين مواطن وآخر على أساس دين أو لون أو عرق... إلى آخره.

لم يعد من بعدها فقط شهر الأستاذ رمضان، كريما، إنما أصبحت كل الشهور كريمة وجميلة، والمنطقة أكثر أمنا وسلاما.. وعقبال منطقتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر