الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس الباكية .

فريد العليبي

2018 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


ماتت السياسية التونسية مية الجريبي فانفحرت عواطف التونسيات و التونسيين من المواطن ‏الفايسبوكي التعيس حتى ‏الرئيس الذي أصدر بيان تأبين . قالوا كانت مناضلة شرسة ولبؤة ‏وعملاقة وأيقونة ومقاتلة واستثناء الاستثناء وهي من معدن نادر ، ‏وتمنوا السلام لروحها ‏‏الطاهرة والزكية وطالبوا بتشريفها بجنازة وطنية ، واقترح مدرس فلسفة سك عملة تحمل ‏صورتها الشخصية وأفرج اعلامي ‏عن صورة تجمعه بها وقد وضع يده على كتفها ،وقال ‏طالب أنه سمع أنها كانت تقف وسط الطريق دفاعا عن حرمة الإنسان ، ودبج شعراء ‏فايسبوكيون قصائد بالمناسبة ‏وقال أديب أنها كانت تحبه ويحبها ، وبكوا زمانا رديئا يأخذ ‏فيه عزرائيل " اللعين والانتقائي " المناضلين تباعا ورجا " يساريون "ملاك الموت " ‏‏الالتفات قليلا الى اليمين وإلا انقرضوا وبقي اليمين وحده يسرح ويمرح .‏
وبلغ آخرون مية رسائلهم الى ‏أحبائهم في العالم الآخر من الشهداء حتى الآباء والأمهات ‏والإخوة فقد أضحت المسكينة مكلفة بمهمة ‏ساعي بريد بين الدنيا والآخرة حال موتها ، ‏وكتب أحدهم الكلمات التالية التى تعكس حالة احباط جارفة تعصف بتونس كلها : ‏‏"حبيبتي ‏مية بلغي شهداءنا أن تونس تنزف وأن وضعنا يزداد سوءا ،وأن دماءكم مازالت في أعناقنا ‏‏،بلغهم أننا في زمن ردئ ،زمن ملوث ، وطننا بين ماض مستعمر وحاضر عاجز ومستقبل ‏مجهول،رحمك ‏الله،وأعاننا على زمننا‎.‎‏"‏ بما يذكر بتلك الرسائل التي كان يكتبها المظلومون ‏المصريون الى الامام الشافعي المتوفى منذ قرون راجين إياه رفع الضيم عنهم فوجد فيها ‏عالم الاجتماع النابه سيد عويس مادة خصبة لتحليل سيكولوجية المقهورين ( أنظر كتابه : ‏من ملامح المجتمع المصري المعاصر – ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي ‏‏).‏
هل كانت "مية " السياسية كل ذلك يا ترى ؟ كان حزب مية المتقلب الأسماء من ‏الاشتراكي الى الديمقراطي وصولا الى الجمهوري الأقرب من بين " اليسار الرسمي " الى ‏سلطتي بورقيبة وبن على ، حتى أن أمينه العام كلف في وقت ما بمهام من قبل الرئيس الفار ‏وشارك في أغلب المسرحيات الانتخابية وسمح له بإصدار جريدة ومجلة ، كما كان الأقرب ‏الى الجماعات الاسلامية حتى أنه لقب بـ "نجيب الله "، ومية نفسها لم تقل يوما أنها تريد " ‏اسقاط النظام " ولا أودعت زنزانة ، وعندما حلت بمدينة الرقاب المكلومة بشهدائها ‏وجرحاها بعد الانتفاضة الأخيرة لتعقد اجتماعا طردها غاضبون من القاعة رافعين شعار " ‏البي دي بي والتجديد باعوا دمك يا شهيد " في اشارة الى تولي قائد حزبها وحزب التجديد ‏للوزارة في استغلال رث لانتفاضة لم تحقق بعد أهدافها . ‏
يبدو أن تونس الباكية تبحث عن أبطالها بين الموتى وعيونها مشرئبة الى السماء بينما ‏تغرق رجلاها في أرض رخوة ، انها تضع وزر أزمتها على الأموات وتعترف أنهم الأقدر ‏على حلها لو كانوا بين أحيائها ، فقد مات الرجال ومية نفسها لم تكن امرأة ....بل كانت " ‏ألف رجل " بحسب ما كتبوا ..........ربما نجد في العجز عن مواجهة الأزمة والخوف من ‏‏" المجهول " ما يفسر كل هذا الكم من البكاء كما أن الأساطير تجد في ذلك أخصب تربتها .‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو