الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاطعة الاقتصادية: السلاح الجديد في الصراع الطبقي

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2018 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


عرف الصراعُ السياسي بالمغرب ضدّ الاستبداد والظلم والاستغلال والإذلال صِيغا مُحددة مثل: الإضرابات والتظاهرات والمحاولات الانقلابية والفضح والإدانة. وانخرطتْ جماعات وأحزابٌ وأفراد في هذا الصراع منذ بداية الاستقلال. وكان الصراع مركزا على المُكون السياسي للنظام، خاصة لما نجحت الدولة في تحويل الاتحاد المغربي للشغل إلى نقابة تمارس الحياد السلبي بتجميد قيادتها لخوض أي صراع مهم وطنيا ضد الدولة وأرباب العمل، وتدشين عهد الانقسامات المُوجهة داخل النقابات والأحزاب والجمعيات. ونشط دور المبثوثين العملاء في التنظيمات النقابية والسياسية. وصار النظام يُحارب بروز أي قائد سياسي أو نقابي مستقل يمكن أن يتمتع بمصداقية شعبية تجعله يقود نضال واحتجاجات الشعب. وسادَ جوّ الرعب والخوف والتشكيك والعمالة. وتمكن النظامُ من تخويف الناس بالتنكيل باليساريين الجذريين والعسكريين والاتحاديين الانقلابيين. وتم تجفيفُ منبع التكوين السياسي والفكري للشباب المتعلم الذي هو الجامعة بحظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وإقحام العنف في الجامعة بين اليساريين العلمانيين والإسلاميين. وانقسم المنخرطون في الصراع السياسي المعارض إلى مؤمنين بإصلاح سياسي للدولة بدمقرطتها، وبين مقتنعين باستحالة ذلك ودعوا لتغيير جذري للنظام. ثم انتقل معظم الذين كانوا يؤمنون بالتغيير الجذري للنظام إلى صفّ الإصلاحيين مع التشديد على جذرية الإصلاح والتشبث بعدم تزكية النظام سواء بمقاطعة مؤسساته أو بفضح ممارساته. ولم يَجنِ الذين انخرطوا في إصلاح النظام من الداخل أية نتائج سياسية تبرّر انخراطهُم لكنهم جنوا مصالح شخصية وعائلية مما حولهم إلى جزء من أجهزة النظام المُبررة لممارساته. وشرع المعارضون الجذريون يركزون على ربط المسؤولية بالمحاسبة وهو ما يعني رفض الملكية التنفيذية والتطلع لمرحلة تتم فيها محاسبة جميع المسؤولين في الدولة عن ممارساتهم. وفي خضم هذا الصراع بين المعارضين والدولة تضخّم جيش المتملقين والمرتزقة وأعضاء حزب "كاري حنكو" والانتهازيين المحترفين من الصحافيين ومُحللي الأخبار ومالكي مؤسسات إعلامية والمؤسسات المخترقة بالمال والتوجيهات. وأدى تضخم هذا الجيش من المرتزقة الإيديولوجيين إلى تشويه الصراع بين المعارضين والنظام السياسي. وحجبَ المرتزقة الأعداء الطبقيين الحقيقيين للشعب والذين هم محتكرو الثروة ومستغلو الشعب ومصاصو دمائه. وصار من غير المجدي الاستمرار في حصر الصراع في الحقل السياسي لأن هذا الأخير ليس إلا تعبيرا عن الحقل الاقتصادي. وبما أن الاحتجاجات كانت تؤدي إلى خسائر باهظة في صفوف المحتجين وإلى التنكيل بهم واعتقال زعمائهم وسجنهم، وبما أن النضال الفردي هو نضال بطولي يُتوج غالبا بنهاية مأساوية، وبما أن الشعب لم يكن ينخرط بقوة في الاحتجاجات الجماهيرية وعيا منه بوحشية القمع الذي سَيسلط عليه كان ضروريا ضرورة سياسية وحيويّة إبداع شكل جديد من الحرب الطبقية وهو المتمثل في المقاطعة الاقتصادية. وقد تكون المقاطعة الاقتصادية هي الشرارة الأولى التي سوف تتولد عنها أشكال جديدة من الصراع ضد محتكري الثروة ومصاصي دماء الشعب، شرارة تنقل الصراع الطبقي من مجال سياسي ضيق هو المطالبة بالإصلاح والاحتجاج على ممارسات الدولة إلى مجال أوسع يشكلُ قلبَ النظام السياسي النابض والذي هو: مجال الثروة. فإذا كان النظام والباطرونا قد دجّنوا النقابات، وقسموا التنظيمات السياسية، وحولوا معظم الإعلاميين إلى مرتزقة، وخلقوا صراعا وهميا بين الشعب ومرتزقة النظام، فإنه قد حان الوقت لبزوغ الوعي بأن الصراع الحقيقي هو صراع ضدّ مالكي الثروة ومصاصي الدماء الذين جن جنونهم لما أبدع المغاربة صيغة الحرب الطبقية عبر المقاطعة، فوصفوهم بالمداويخ والخونة والقطيع، وعبروا عن احتقارهم للشعب وعن تصورهم لوظيفته والتي هي: العبودية. عبّر المغاربة بتلقائية وبدون إكراه عن غضبهم وعن رفضهم للأوضاع وعن وعيهم بأنهم يعيشون في ظل استغلال بشع وسرقة لثرواتهم. وكما قالت الفتاة الشعبية من كاريان الدار البيضاء التي أسمت نفسها أفلاطونة: "حليبكم خليوه يريب، مازوطكم حركوه، ماكم عومو بيه، حرّك الغربال باش تعرف الشفارة فينا هوما".
لم يذهب نضال المغاربة في الماضي سدى. جاء وقت النتائج والتجاوز. فمن حزب الاستقلال نحتفظ بشعار من أين لك هذا؟. ومن الاتحاد الاشتراكي السابق نحتفظ بفكرة القوات الشعبية. ومن اليسار الماركسي نحتفظ بالتضحية وبأولوية الصراع الطبقي بقيادة الشعب الكادح. ومن الإسلاميين المستقلين نحتفظ بانتماء الشعب للإسلام المقاوم، إسلام المستضعفين الذي يخلق القوة والتضحية. ومن اليساريين الديمقراطيين نحتفظ بجذرية الإصلاح السياسي وسلميته. ومن الحقوقيين نحتفظ بأولية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ومن الشعب نتعلم رفض الوسطاء واحتقار المرتزقة والمنتفعين من مناصبهم والقائمين بدور حقير يتمثل في التبرير والتمويه وتشويه سمعة المعارضين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة