الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرؤية الصورية

منير الكلداني

2018 / 6 / 1
الادب والفن


تعتبر الصورة الشعرية من اهم مقومات النصوص الادبية التي تتكأ على المخيلة في طريقة العرض والصور هذه تنشئ من خلال التركيب الشكلي بمختلف ادواته وفروعه وهي بكل تاكيد تعمد على مدى قدرة الكاتب في وصف صوره ليراها المتلقي واضحة ناصعة بلا تشتيت ولا ضبابية ، فكلما كانت الصورة منسجمة مع ذهن المتلقي كانت افضل وكلما ابتعدت كانت ادنى في النضوج ولعل ما يسمونه حسن الاستهلال تابع بطريقة ما الى تشكيل الصورة الاولى ورفدها بما بعدها لتتكون مجموعة من الصور التي بدورها تشكل الحركة (( المشهدية )) في النص ، والمشهد هنا يعم كل اصناف الادب ولا يستثنى منها شيء سواءا كان شعرا ام نثرا وجدانيا ام قصة ففي الجميع تتكون تلك المشاهد بحسب اجادة الكاتب ومدى قدرته على تصويب (( عدسته الفنية )) ...
فالصورة الفنية في كل نص هي عبارة عن نقل مشهد برؤية الكاتب اليه من زاويته الخاصة وفق حركة معينة ثنائية البعد لها نقطتان اساسيتان قربا وبعدا ويتوسطهما خط نستطيع ان نسميه (( الازاحة الصورية )) وتعتبر رؤية الكاتب (( عين الكاتب )) هي المحور البؤري لتلك الصور ...
وكتقريب على ذلك يمكننا القول : ان كل صورة يلتقطها الكاتب تنطلق منه او تعود اليه ، فان انطلقت منه فان الصورة تنتقل من القريب الى البعيد وان عادت اليه فهي تنتقل من البعيد الى القريب وبينهما تكون الازاحة الصورية وهي وسطيات الرؤى التي تربط القريب بالبعيد وقد يكون لها ايضا نفس التاثير في نقل الصورة وسطا وعودتها الى قريب او انطلاقها الى بعيد ...
وهذه الصور تعم ما هو اشمل من الماديات والمعنويات ما دام التشخيص هو المقرب لكل تلك الصور فهو ياخذ كل الاشياء بمقدار رؤيتها اليه ولا تشذ عن هذه القاعدة ...
وعلى ما تقدم يمكننا القول ان للصورة هذا الرسم الثنائي البعد
الكاتب .... قريب ..... ازاحة صورية ..... بعيد
ولتوضيح تلك الحركة نستعين بالامثلة التالية :
المثال الاول : يقول شاعر العرب الاكبر الجواهري
ولي زفرة لا يوسع القلب ردها وكيف وتيار الأسى يتدفع (( طويل ))
فحركة الصورة هنا تبدا (( لي – الكاتب )) (( زفرة – قريب )) (( لا يوسع القلب – ازاحة )) (( ردها – بعيد ))
كما تلاحظ ان هذه الحركة شملت ما هو ملموس وما هو محسوس وترى ان الصورة الشعرية انتقلت من اقرب الصور للكاتب الى ابعدها وهو كثيرا ما يكون ملائما مع الغرض الاساسي لما يريده الكاتب من هدف النص وعليه تكون حركته المشهدية فالصورة هنا تحركت من الكاتب لما لها من عمق في التاثير من حيث ما يجول في صدره من زفرة (( الم داخلي )) ويعطي قربا صوريا واضح جدا ليفهمه المتلقي وبين تلك الزفرة وردها يكون القلب هو الازاحة الصورية التي تقع بين القريب والبعيد
المثال الثاني
يقول امرؤ القيس
وليل كموج البحر ارخى سدوله ... علي بانواع الهموم ليبتلي
ولك ان تتخيل شخص ما يقف على شاطئ بحر وعتمة الليل تاخذ المكان فيريد ان يصورها من عدسته الفنية فيبدا من البعيد الى ان يصل اليه بهذا الشكل
(( وليل – بعيد )) (( كموج البحر – ازاحة صورية )) (( ارخى سدوله – قريب )) (( علي – الكاتب ))
وهذه الحركة المشهدية من الانتقال من البعيد الى القريب تعطي هالة من التفخيم لليل بحيث تبدا الصورة به منتهية الى الكاتب الذي احاطته كل تلك الظلمة وهو بلا شك يعتبر من ارقى الحركات التي تجعل المتلقي يقف مع كاتب النص في وحدته
المثال الثالث
يقول الجواهري
اجب ايها القلب الذي لست ناطقا
(( اجب ايها القلب – بعيد )) (( لست – الكاتب )) (( ناطقا – قريب ))
وهذه الحركة حينما يكون الكاتب وسطا (( ازاحة صورية )) ومن خلال هذه الوسطية يقدم البعيد ويبعد القريب بحسب وضع الهدف النصي من حيث التركيب المناسب للعمق المطلوب فهو هنا يجعل القلب (( المشاعر )) هي الاصل في وضعه (( ككاتب )) ويركز عليها لانه بدونها لن يكون قادرا على النطق ولك ان ترى مقدار هذه الرؤية في تسليط الضوء على ذلك الحدث المشهدي مشخصا ...
وكل النصوص الادبية تتحرك وفق هذا المخطط ولا تشذ عنه بحال وهو باب واسع جدا لمن اراد ولوجه في معرفة حركة الصور في النصوص ومدى قدرة الكاتب على توظيفها لما يخدم هدفه ، وهو افق جديد لكل ناقد يستطيع الاستعانة به في النقد الصوري للنصوص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو