الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا اذا كان قاضيك غريمك؟

جواد بولس

2018 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ماذا اذا كان قاضيك غريمك؟

جواد بولس

ظهرت محكمة "العدل العليا" إلاسرائيلية بكامل عُريها وقباحته، بعد أن أصدرت، خلال الأسبوعين الفائتين، سلسلة من القرارات المعيبة فاجأت الجنّ ومَن لا زالوا يؤمنون أنها صرح العدل الأعلى ومذبح الديمقراطية الأطهر.

موقفي الشخصي من هذه المؤسسة، غير النزيهة، معلن منذ زمن؛ فلقد دعوت الفلسطينيين مرارًا إلى ضرورة التوقّف عن التظلّم أمام قضاتها، والامتناع عن رفع الالتماسات إليهم؛ فهي، كما ثبت، بالبراهين القاطعة، ليست إلا ذراعا في ماكينة الاحتلال، تنفّذ ما أنيط بها من مهام لتسويغ قمعه وتجميل ضرباته وتعميق جروح الفلسطينيين ودفنها تحت ضمادات التخدير الخانق.

قد تعكس إشكالية توجه الفلسطينيين إلى المحكمة العليا الاسرائيلية واحدًا من أوجه الخلاف الجذري بين واقعنا، نحن المواطنين العرب في إسرائيل، وبين واقع فلسطينيي الضفة المحتلة وغزة؛ وقد يُثبت هذا الخلاف ما قلناه ونقوله دومًا؛ فرغم كوننا جزءًا من الشعب الفلسطيني إلا أننا نعيش في واقعين سياسيين مختلفين ونواجه تحديّات مغايرة، تفرض، بالتالي، اختلافًا في وجهاتنا السياسية وفي أساليب ووسائل النضال ضد سياسات الاحتلال هناك وضد سياسات القمع العنصرية وأهدافها، هنا.

فتظلُّمُنا ، كمواطنين في الدولة، أمام المحكمة العليا هو أمر مبرَّر وطبيعي وفي كثير من الحالات هو خيار المواطن أو المؤسسة الأصحّ والأنسب؛ فليس كسلطة القانون فيصل لمواطن يشكو تعسّف الدولة وممارسات أجهزتها، وليس كالمساواة أمام القانون شرع معترف به في فقه العقود المدنية بين الابن/الفرد وبين الدولة/الأم.

لم تنصفنا هذه المحكمة كأقلية قومية واجهت وتواجه سياسة قمع عنصري، فعلى الرغم من محاولات قضاتها الظهور وكأنهم تروس المواطنين العرب وحماة حقوقهم الأساسية، إلا أنّ واقعنا ومعاناتنا المستمرة يكذّبان هذه الادّعاءات والفرضيّات؛

فباستثناء بعض القرارات الايجابية المنصفة، أثبتت سياسات المحكمة العليا ، عبر العقود الخالية، وقوفها في صف القمع في نفس الخنادق مع العنصريين؛ مع أن معظم قضاتها عرفوا كيف يسوّغون انحرافاتهم عن بوصلة الحق وكيف يسددون "طعناتهم" بسلاسة خبيثة وبحرفية مبهرة.

يترك ما يجري في داخل المجتمع الإسرائيلي آثاره على منظومة التوازنات التقليدية السائدة بين السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد أدّى ذلك الى نشوء حالة من التنافر الجوهري وعدم الرضا من دور الجهاز القضائي، ممّا دفع بالقوى الجديدة إلى السعي من أجل السيطرة عليه أو تركيعه.

كانت أشدّ معارك قادة اليمين العقائدي المتطرف ضد قضاة المحكمة العليا، فاستعدوهم بشهوة "نيرونية" وأعلنوا عليهم الحرب وكشفوا، من دون خوف أو تردّد أو خجل، عن استعدادهم لتقويض أسس المحكمة حتى لو استدعى ذلك هجومهم عليها ببولدوزر من نوع D-9، وهو أحد أقوى آليات الهدم والتدمير!

شعر القضاة بدنو أجلهم فحاولوا، بأساليب منضبطة، الاعتراض على مخططات اليمين السافرة؛ لكنهم مارسوا، بنفس الوقت، سياسة المهادنة وقطف الرأس وكأنهم لا يعرفون دروس التاريخ؛ فحين تهرب الضحية مذعورة من صيّادها يصير هو أسرع من القدر. وحين تحني ظهرها، كي تمر العاصفة، تصير هي مداسًا للقطيع.

حذّرنا القضاة من رقصهم على موسيقى النار وجرّبنا تعليمهم حكمة "الثور الأبيض" في حكايا أسلافنا، لكنهم أعرضوا واستمروا في تراجعهم؛ وكنا كما توقعنا، نحن المواطنين العرب، قرابينهم المقدمة على مذابح العنصرية وكانت حقوقنا المسلوبة رشاويهم لسكارى القمع والعنجهية.

يعرض أمامنا مسلسل رعب وتُمثّل بعض فصوله في قاعات "محكمة العدل العليا" وتستدعي تساؤلنا: إلى متى ستبقى لنا هذه القاعات عنوانًا طبيعيا أو بقعة ضوء وطاقةً للأمل؟

فقبل أيام رفضت محكمة العدل العليا التماسًا قدّمه النائب في القائمة المشتركة د. يوسف جبارين ضد قانون يتيح لأعضاء الكنيست الإسرائيلي فصل أحد أعضائه اذا صوّت تسعون عضوًا من أصل مائة وعشرين على فصله وذلك اذا "وجدوه" محرضًا على العنصرية أو يدعم الكفاح المسلح ضد إسرائيل.

يذكر أن القرار صدر بتوقيع تسعة قضاة، بعدما التأموا كهيئة موسّعة، برزت في مقدمتها رئيسة المحكمة القاضية استر حيوت، التي كتبت بشكل متناقض أنها تعتقد أن "قانون الفصل يمسّ مسّاً حقيقيًا بالحقوق الاساسية والتي هي من الأمور الهامة في نظامنا".

وفي قرار آخر رفضت نفس المحكمة التماسًا طالبت فيه مجموعة من المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية اصدار أمر قضائي يمنع بموجبه جيش الاحتلال الإسرائيلي من استخدام الذخيرة الحية ضد الفلسطينيين المتظاهرين الذين لا يشكلون تهديدًا مباشرًا على أرواح الجنود الاسرائيليين عند الحدود مع غزة.

من اللافت والمستفز أن رئيسة المحكمة تبنت موقف الجيش حين قضت بأن حركة "حماس" والتنظيمات الفلسطينية الأخرى تمثل تحديًا كبيرًا للقوات الاسرائيلية بواسطة دمج منفذي الهجمات، عمدًا مع المدنيين، بمن فيهم النساء والاطفال، وبذلك يصعّب من مهمة الجيش.

وعلى "جبهة" أخرى رفضت ذات المحكمة التماسًا بمنع جيش الاحتلال من هدم المجمع السكاني "الخان الأحمر" والذي تقطنه 35 عائلة فلسطينية بدوية.

علاوة على وحشية تهجير هذه العائلات من بيوتها؛ فلقد شكّل المكان شوكة في حلق التمدّد الاستيطاني اليهودي، بحيث منع تواصل المستعمرات الزاحفة من جهة أريحا، وارتباطها مع الأحياء الاستيطانية التي اقامتها إسرائيل في الجهات الشرقية لمدينة القدس.

لن يكفي مقال واحد لسرد مواقف هذه المحكمة المعيبة، لا سيما في السنوات الأخيرة، ولا كيف كان دورها مكملاً لسياسات الحكومة المضطهدة ضد مواطنيها هنا، وفي الجهة الأخرى مسوّغًا ومسيّرًا لموبقات الاحتلال ضد السكان الفلسطينيين هناك.

يجب أن يحسم موضوع هذه المحكمة في فلسطين ؛ وإلى أن ينجز ذلك أظنني أننا نقترب نحن، المواطنين العرب في اسرائيل، من نقطة سنجبر فيها على اعادة النظر في علاقتنا مع الجهاز القضائي الإسرائيلي وخاصة مع محكمة العدل العليا.

فمن سيتولى هذه المهمة؟

لقد كتب المحامي حسن جبارين مدير مركز "عدالة" مقالًا في جريدة هآرتس، نشره بتاريخ 12/5/2018 تحت عنوان: "محكمة العدل العليا لم تدافع عن الأقلية" ،

حاول ، وهو صاحب خبرة طويلة في هذه الساحة، أن يثبت كيف امتنعت المحكمة وبشكل ممنهج عن مساندة حقوق الأقلية العربية في إسرائيل، وكيف ساهمت قراراتها بتمرير جميع القوانين التي انتقصت من الحقوق الأساسية لهذه الأقلية وتلك التي مسّت بشرعية وجودها.

للمقال أهمّية أكاديمية، لكنه يفتقر إلى موقف واضح تجاه مستقبل العلاقة مع هذه المحكمة أو إلى نظرة تتعرض لوسائل التأثير عليها وفرص تغيير سياساتها تجاه المواطنين العرب.

قد يعتبر المقال بداية لتوجّه أعمق سيستأنف الكاتب معالجته قريبًا وبأسلوب أكثر حزمًا وصراحة كما يليق بالموضوع وبمكانة "العدالة" وبمن كانوا شركاء في تكريس حالة الغبن التي نعاني منها في إسرائيل ويعاني منها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة .

جاءت قرارات كثيرة للمحكمة العليا منافية للقوانين الانسانية البديهية، يجب التعاطي معها على هذه القاعدة، مثلما فعلت مثلًا منظمة "بتسيلم" في تعقيبها اللافت والمميز؛ حين أعلنت قبل أيام وعلى أثر اصدار المحكمة العليا قرارها بشأن هدم البيوت في موقع "الخان الاحمر" أنّ المحكمة العليا "سمحت للدولة أن تنفذ جريمة حرب وفي حالة تنفيذها سيتحمل القضاة مسؤوليتها كذلك".

كلام لا يشوبه غموض؛ فالقضاة، عندما يجيزون للدولة اقتراف جرائم حرب، يصبحون هم شركاء بالفعل وبالمسؤولية.

على جميع الأحوال، تثير قضية العلاقة مع المحكمة العليا جملة من الاشكالات ومن التساؤلات، وفي طليعتها دور القيادة وغيابها في تحديد أساليب النضال على جميع تفرّعاته وتثير كذلك أفكارًا حول أسس وقوالب تحديد العلاقة مع الدولة ومؤسساتها ومن سيتولى مسؤولية كل ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لكن الشاهد صلب وشجاع
ابو محمد ( 2018 / 6 / 2 - 09:36 )
بعثت بالامس تعليقي ولكنه شكله ما وصل فالنت كان ضعيف ما انت عارف فساد قطاع الاتصالات والنصب على الناس في بيع السرعات فيوم ما كانت السرعة قديما 64 كيلوبايت كان الاداء افضل من 16 ميغا بتوع اليوم
ما علينا
وتعليقي شو بده يعمل القاضي في قضية تم الحكم فيها ازلا وفيها نص قرار
الا نقرا يوميا فاذا جاء وعد الاخرة فليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة
الان لو لم تكن القضية تخصنا فهل درسنا تفاصيل تاريخ اليهود
او تعمقنا لنعرف ما هي اليهودية او نفتح الصندوق الاسود بتاعها؟
طالما الحكم صدر من الاعلى نتحاكم عند الصغار ليه فهي القضية الوحيدة التي حكم بها من عرش الرحمن العادل سلفا لاهل الارض
ويتبادر للذهن سؤال كيف يحكم بقضية احداث لم تقع بعد اي غيبا زمانيا ومجرمين وادوات جريمة
فالوحيد الحاكم بهكذا قضايا من عنده علم الغيب ولا يعتقد بحكمه الا مؤمن وبناء عليه يعرف دوره
انظر للفلسطينيين صباح مساء وفي كل المحافل العالمية يفضحون جرائم وانتهاكات هذه الحكومة والدولة المعتدية
ما نفعله وبالسلمية الفلسطينية تنجز اوراق الادانة باساءة الوجه وهو في اسوا من وجه ترامب الفاحش وشريكه الذي تتلهف نيابتهم لادانته

اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م