الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطلس الحُزن العظيم

عماد عبد اللطيف سالم

2018 / 6 / 5
سيرة ذاتية


لستُ سعيداً .. ولَمْ أكُنْ يوماً كذلك.
لا أتذَكَّرُ أنّ أُمّي كانت سعيدةً يوماً.
و ماتَ أبي ، وهو حزين .
(حسيبةُ) بنت خالتي (بدريّة) ، كانت تُعاتِبُ اللهَ دائماً على كثافة حزنها الذي لا ينتهي ولا يُحتمَل ، وماتَتْ من القهر.
خالتي (بدريّة) ،انكَسَرَ ظهرها على ماكنة الخياطةِ اليدويّةِ "سُنْكَر" من شدّة الحزن.
خالي (نجم) ، كانَ عندما يرانا اطفالاً أيتاماً ، يبدأُ بالمزاحِ معنا ، ليجعلَ أيتام شقيقاتهِ يضحكون .. وعندما نبداُ بالضحك ، كان يختبيءُ من أسانا العميق ، ليبكي وحيداً في معمل "الدامرجي".
عمّي(حميد)، وعمّي (محمد) ، علّمونا أنْ لا نحزنَ أبداً ، وذهبوا لاصطياد الحزن الأبديِّ بعيداً عن شواطيء "العطيفيّة" التي أحّبوها .. حيثُ السمك ، حتّى السمك ، بعيونهِ التي تسألُ أسئلةً كثيرة ، كان يبدو حزيناً جداً .
(خالد) ابنُ خالتي (خيريّة) ، كانَ يرى الحزنَ طافحاً على "دشاديشنا" ، وبعدها على بناطيلنا الرخيصة ، ثُمَّ على وجوهنا الصَبيّة ، وكان مثلنا يتيماً و حزينا ، وما يزال .. وها هو في السبعينياتِ من العُمرِ يُردّد : لا تَحْزنوا .. لا تحْزَنوا ، سواء اكان اللهُ معنا ، أمْ لم يكن معنا في كلّ حين .
هذا أنا. الحُزنُ أهلي . الحزنُ عائلتي السعيدة.
أنتُم ايضاً ، لستُم سعداء.
حتّى اذا استلقيتُم على قفاكُم من الضحكِ ، وأصبحتُم بلا قفا ، فإنّكُمْ لستُم سعداء.
بلدي ليسَ سعيداً ، ولَمْ يكُنْ يوماً كذلك .
لَمْ يكُنْ سعيداً في زمن الآشوريّينَ ، والبابليّينَ، والسومريّينَ، والأكّديّينَ، و الغساسنة، والروم ، و ملوك فارسَ ، والخلفاء العثمانيّين ، والمندوبينَ السامينَ البريطانيّين ، و ملوك الحجاز ، والجمهوريّينَ الثوريّين ، والديموقراطيّين – التعدّديّين – الاتّحاديّين.
لَمْ يكُنْ الحلاّجُ سعيداً ، ولا الجُنَيْد البغداديّ ، ولا معروف الكرخيّ ، ولا الحافظ خليل ، ولا يوسف عمر ، ولا سعد الحليّ ، ولا عبد المحسن السعدون ، ولا عبد الجبار عبد الله ، ولا عبد الرحمن البزاز ، ولا السيّابُ ، ولا طه باقر ، ولا محمد سلمان حسن ، ولا جان دمّو .. ولا جاسم "أبو المُوَلّدة" ، ولا محمود "أبو الزِبِل" ، ولا قدّوري " أبو الغاز".
ليسَ لدينا "فَرّاشٌ" سعيد ، ولا مَلِكُ سعيد ، ولا رئيسُ جمهوريّةٍ سعيد .. مِن حسّوني "الفرّاش" في مصلحة البريد والبرق والهاتف ، الى دُريد "الفرّاش" في المفوّضيّة "العليا" ، "المُستقّلة" للانتخابات .. و مِن فيصل الأوّل ، الى فؤاد معصوم .
المسلمون ليسوا سعداء ، والمسيحيّون كذلك ، والصابئةُ المندائيّين ، والأيزيديّين ، والبهائيّين ، والعرب و الكُردَ والتُركمانَ و الشَبَكَ والفَيْليّين .
اليهودُ لم يكونوا سعداء بيننا . لقد "فرهدناهُم" هُنا ، و هَجّرْناهُم من هُنا ، فذهبوا الى اسرائيلَ ، ليكونوا أكثر سعادةٍ هُناك .
نحنُ جميعاً لسنا سعداء ، ولَمْ نكٌنْ يوماً كذلك .. منذُ كان أبانا آدم سعيداً ، فطردوهُ من الجنّة ، وجاء الى هُنا ، وكان حزيناً جدّاً ، فجلَسْنا كُلُّنا حولَهُ في "القُرْنَةِ" لنواسيه ، مثل شيخِ عشيرةٍ ساخط ، لأنّ أبناء عشيرته لَمْ يُقاتِلوا معهُ ببسالةٍ ، ضدّ جميع الأعداء .
لا أدري لماذا لَمْ يُطرَدُ آدمُ الى اليمن .
لأنّهُ لو كانَ قد طُرِدَ الى اليمن .. لما كانَ العراقُ حزيناً الى هذه الدرجة ..
ولَما كانَ اليمنُ سعيداً الى هذا الحدّ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس