الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحل كان في اصله فاشلا -- علامات انهيار الدولة الجزائرية ( 4 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
2018 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية

تساءلنا في الحلقة الثالثة ، السابقة عن الفشل الذريع ( للنموذج التنموي ) الجزائري ، حين فشلت ( الثورة الزراعية ) ، وفشلت بعدها ( الثورة الصناعية ) ، وأصبحت القيادة الجزائرية تضرب اخماس في اسداس ، لابتكار حل ينقد القيادة السياسية من حزب ( جبهة التحرير الوطني ) وجنرالات الجيش ، حتى يستمروا باسطين أيديهم على ثروة الشعب الذي اضحى غريبا في دولة لا ينتمي اليها الا بواسطة الجنسية التي لا تسمنه ولا تغنيه من جوع .
فحين تعاني الجزائر بلد البترول والغاز على كافة الأصعدة ، السياسية ، والاقتصادية ،والاجتماعية ، وحين تجد الشباب رأسمال الجزائر الذي قتلته البطالة المفروضة ، يحرگ في قوارب الموت ، ليلتحق بفرنسا التي طرها اجداده من الجزائر ، فتلكم دلالة ومؤشر على ان شيئا ما غير طبيعي ، قد وضع العصا في عجلة التطور الذي بدأه اول رئيس جزائري اشتراكي ، احمد بن بلة ، وتلك دلالة ساطعة ، على ان الديمقراطية الجزائرية ، هي ديمقراطية الشلة المسيطرة على الثروة والسلطة من ضباط كبار للجيش ومن صقور الجبهة ، وتم دلالة ساطعة ، على ان البلاد لم تكن تخطط للأجيال اللاّحقة ، بل خططت لصالح طبقة طفيلية ، ستبرز على مسرح الاحداث غداة 19 يونيو 1965 التي حولت الجزائر الغنية الى بلد مرتهن في يد اقلية ، هاجسها الأول والأخير ، هو النهب وغير النهب .
فهل افلحت القيادة الطفيلية من حل مشكل الازمة المستفحلة ، وهل نجحت في التوفيق بحل التناقضين الأساسيين ، زراعة فاشلة ، وصناعة افشل ؟
لمحاولة الخروج من النفق ، تصرفت القيادة الجزائرية من محورين :
محور داخلي ، ومحور خارجي تركز بالضبط على الصعيد الافريقي .
ا ) المحور الداخلي :
الكل يتذكر ان تاريخ 8 نوفمبر 1971 ، كان حدثا استثنائيا ، وطارئا في تاريخ جزائر بعد الانقلاب . ففي هذا التاريخ بالضبط سيوقع الهواري بومدين على قانون ، سيكون لاحقا سبب الازمة ، يقضي بالقيام ب ( الثورة الزراعية ) . والكل يتذكر كيف استولى على ضيعات المعمرين الفرنسيين ، وكيف قام وبتهور غير مسبوق ، بكسح آلاف الهكتارات التي كانت مغروسة بالكروم ، وحولها الى كلخوزات ، بدعوى ادماج القرويين في الاستثمارات الزراعية التعاونية .
ففي تصور هذا القانون ، تقوم ( الثورة الزراعية ) على إجرائيين أساسيين .
الأول ، تأميم أراضي الملاكين المتغيبين ، وتحديد الملكية العقارية .
والثاني ، توزيع جميع الأراضي التي يتم جمعها من أراضي المعمرين ، واراضي الجماعات ، والأراضي المأخوذة عن فائض الملكية المحددة ، على الفلاحين الفقراء والصغار بالمجان .
لقد كان النظام الإنقلابي التوتاليتاري يتوخى من وراء تلك ( الثورة ) تحقيق هدفين رئيسيين هما :
1 ) تحويل الملاكين العقاريين الى رأسماليين زراعيين .
2 ) خلق رأسمالية زراعية صغيرة في أوساط الفلاحين .
اما الهدف الرئيسي من كل ذلك ، فهو تطوير الإنتاجية في الميدان الزراعي التي ستقود بدورها الى تحقيق الأهداف التالية :
1 ) فعبر توزيع الأراضي على الفلاحين ، سيتمكن النظام من تخفيض الهجرة القروية الى المدن ، وبالتالي التخفيف من حدة ضغط البطالة التي أصبحت اليوم بعد الفشل ، عامة في الجزائر .
2 ) ومن خلال تطوير الإنتاج الزراعي ، سيتمكن النظام من تخفيض حجم استيراد المواد الزراعية ، وبالتالي الزيادة في حجم استيراد وسائل الإنتاج الصناعية .
3 ) ومن خلال تطوير الإنتاج الزراعي كذلك ، ستنخفض أسعار المواد الزراعية والغذائية المخصصة للطبقة العاملة الصناعية ، وبالتالي تخفيض كلفة الإنتاج ، وكلفة قوة عمل تلك الطبقة ، وبالتالي تمكين الشعب من بعض المواد المحضورة عليه ، بسبب ارتفاع اثمنتها .
4 ) كما ان وجود ( طبقة زراعية ) متطورة ، يشكل في حد ذاته سوقا بالنسبة للصناعة الجزائرية ( آلات الزراعة ، الأسمدة ، مبيدات الحشرات .....لخ )
فهل نجح النظام الدكتاتوري التوتاليتاري الجزائري في خططه الرامية الى التوفيق بين المتناقضين الأساسيين ( زراعة – صناعة ) ؟
من خلال تتبعنا لمختلف المراحل التي قطعتها التجربة التي لم تكن مؤسسة على نظرية أيديولوجية ، وكانت في اعمها تقنوية ، نكاد نحكم بفشل الخطة ، ونتفهم الوضع المُزْري والهشّ الذي اضحى عليه ما يسمى ب ( النموذج التنموي الجزائري ) الذي أوصل البلاد الى حال الإفلاس .
ان حصيلة ما يسمى ب ( الثورة الزراعية ) ، كانت اكثر من ضعيفة ، بالمقارنة مع ما كان ينتظره منها النظام في تلك الحقبة ، وهذا في نظرنا راجع للعوامل التالية :
1 ) ان ذلك الإصلاح ، كان خاليا من أي مدلول أيديولوجي ، وهو ما جعل الإصلاح تقنيا ، يتعامل مع الآلات المختلفة المستعملة في العملية ، كبضائع خصوصياتها ،ليست هي خصوصيات الجزائر ، الشعب ، والتراب ، والأرض ، والشعارات الطنانة .
2 ) الطابع الإداري البيروقراطي لتلك ( الثورة ) ، الذي عجز عن استنهاض حماس الفلاحين ، وتعبئتهم من اجل إنجاح المشروع ، ولعل اسطع تعبير عن لا مبالاة الفلاحين ،هو موقفهم من القرى النموذجية التي بيقت مهجورة . ذلك انه رغم كل الامتيازات الاجتماعية التي كانت توفرها تلك القرى من سكن شبه عصري، وكهرباء ، ومستوصفات ، ومدارس ، وملاعب رياضية .... لخ ، فان الفلاحين كانوا يفضلون الهجرة الى المدن الكبرى ، او الالتحاق للعمل بالضيعات الفلاحية بفرنسا .
3 ) مقاومة الملاكين العقاريين ( للثورة الزراعية ) . وكمثال ،وهذا شائع عند الوطنيين الجزائريين الذين اكتووا بنيران الإصلاح ، انه في الوقت الذي كانت تجري فيه تلك ( الثورة الزراعية ) ، كان القايد احمد المشهور ، والملاك العقاري الكبير الذي يملك حوالي ثلاثة آلاف هكتار ، يتقلد منصب رئيس جبهة التحرير الوطني ، الحزب الحاكم .
ان تطوير إنتاجية الزراعة يتطلب تخصيص اعتمادات مالية هامة من طرف الدولة للاستثمارات ، والحال ان كل هموم الدولة الجزائرية ، كان منصبا على الصناعة الثقيلة التي فشلت ، خاصة صناعة البتروكيماويات .
( يتبع )
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. من غزة إلى حدود مصر.. هل تسعى إسرائيل لإخراج الفلسطينيين قسر

.. الأمن السوري يصادر أسلحة ثقيلة بريف السويداء

.. الأحزاب الحريدية تعتزم الاستقالة من حكومة نتنياهو

.. احتجاج في ميناء بيرايوس رفضا لنقل مواد عسكرية إلى إسرائيل

.. إيلون ماسك ينفي أي نية لدمج “تسلا” مع “xAI”
