الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوّية الهيمنة الدّينية والسّياسية

محمد ابداح

2018 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إذا أراد المرء دراسة ثقافة مجتمع ما فعليه أن ينظر قريبا منه، لكن عليه أن يسرّح بنظره بعيدا لدراسة العقيدة السّياسية لذلك المجتمع، وينبغي عليه قبل كل شيء ملاحظة الفروق لاكتشاف ما تبقى من ثوابت تغيّرت تبعا لتغيّر الظروف، وقد تتيح ملاحظة الفروق فيما بين الثابت والمتغيّر للهياكل السّياسية القائمة، فرصة تحديد ملامح الهوّية السّياسية والدينية المُهيمنة لنظام الحُكم في كل عصر، وربما تُجبر الفطرة الدينية (والتي لامحلّ لها من الإعراب سوى في نظريات الفقه) الباحث على إخفاء بعض الحقائق مستعينا بأدوات الإقصاء الدينية (الكافرين، الملحدين، حطب النار، الهمجيّون، المتوحّشون، الجاهلون...)، وفي نظر الفقه الديني فإن تلك الفئة البشرية والواقعة تحت مقصلة الإقصاء؛ تقق تبايناتهم الفكرية والإخلاقية إلى مادون درجة الصفر في التمدّن من الضعف، بحيث لايُمكنهم إضافة أدنى شبهة وَهْمٍ على حقيقة الواقع الذي يعيشه المؤمن.
لكن كيف إذن يُمكن تفسير رسوخ قواعد الإندماج التاريخي بين الأسُس السيّاسية لشرعية الخلاص الديني (الحروب المقدسة، الجهاد والجنة) وبين الأسُس الدينية لشرعية الواجب السيّاسي (تكفير الخارج عن طاعة وليّ الأمر، العقاب وجحيم النار)، دون أن نعرض الأمر على أنفسنا بلا سذاجة وبالحجم الطبيعي، فنقف عند مُفترق يلتقي فيه العقد الإلهي (الإيمان والعمل) بالعقد البشري (خذ وأعطِ)، ثم يتقاطعان ببعض الحقائق: أدّي العمل (العبادة) كما يُطلب منك، وشارك في الاحتفالات الرسمية (الطقوس الدينية)، ولا تتدخّل في إدارة وسياسة الدولة (الإرادة والحكمة الإلهية)، وفي المُقابل يتم تأمين العمل (الضمان السّماوي للرّزق) والرعاية الصحية ( وإذا مرضت فهو يشفين..)، الأمن والأمان والغد المُشرق ( العدالة السماوية ونعيم الجنة)، ذلك المفترق الذي أدرك الكثيرون مغزى الوقوف عنده دون محاولة إيجاد الحل؛ من أمثال سقراط ودانتي، وبول فرجيني، والمعرّي وغيرهم، ممّا أجبرهم على إقصاء الواقع وافتراض عالمٍ مثالي في مخيّلتهم فقط، وحين يكون الأمر كذلك يتم توقيع العقد الإجتماعي وفق مفهوم جان جاك روسّو(البيعة وفق المفهوم الديني) بشكل جماعي وبفم مُغلق، شرط أن تتربّع فيه الطبقات المُخملية على رأس الهرم، حُكما وتمكينا.
ولا يُفترضُ بهذا الإختزال المُشوّه لطبيعة العلاقة الطّوعية بين الحاكم والمحكوم؛ إلا أن يُفرٍز عددا لا حصر له من التشوُّهات المُماثلة لكافة القيم الإنسانية، تستأهل وصفا حصريا قائما بذاته، باعتبار تلك العلاقة من الاعمال المُتبادلة، يستلزم كل نشاط فيها نشاطٌ مُماثلٌ آخر، دون اشتراط علاقة ظاهرة بينهما، والحق أنه بالإمكان تحديد وصف حالة ما إزاء وصف آخر؛ كحالة الإنسان الخام ( الكائن التائه في الطبيعة بلا استقرار وبلا مأوى وبلا تواصل)، في مقابل الإنسان المتحضّر المرتبط بعقد طوعي مع الجسد السّياسي للمجتمع الذي يعيش فيه، والمُعضلة هي في محاولة فهم الأول لما يُحاول الثاني إقحامه فيه، مع نسخ المنطق القائل بوجوب توافر المصلحة المشتركة فيما بين الطرفين، حتى وإن لم تظهر تلك العلاقة للعين المجردة على الإطلاق. وقد تكمن الصعوبة أيضا في تحليل مصدر تلك الإمتيازات التي تتحلى بها عمليات (غسيل الدماغ) لتنظّيم إنتقال البنية الفكرية البشرية من مرتبة لأخرى، ومن الجليّ بأن المتحف التاريخي السّياسي؛ يُشير إلى نخبٍ قد تسير مكرهة إلى أبعد الأماكن تطرفا في الكرة الأرضية في سعيها للحصول عليها.
إن ضوء الزمن السّياسي كان ولا يزال يشرق أمام أعيننا في كل صباح، ورجال السّياسة هم أنفسهم، لكن بأقنعة وجوه جديدة، كما نرى في مختبر التاريخ تجارب الأمم السابقة؛ ماكان منها مُتحدا فانفصل، وما تلاشى منها واندثر، ودول تُرسم حدودها الجغرافية بالمقصّ لا بالقلم، ثم تعلن سيادتها الصورية عليها بمؤتمر دولي، وأنهار أموال وحدائق أبراج إسمنتية، تظهر في أماكن لم تكن في زمن سوى صحراء قاحلة، وباختصار تلد الهيمنة السّياسة والدينية في كل يوم ماتشاء من النظريّات، ونحن لايعنينا سوى مدى قدرتنا على التكيّف مع واقع كل حالة هيمنة دينية وسياسية جديدة، لأنها ببساطة تحمل هوية واحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في