الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب _الألهة التي تفشل دائما_ لإدوارد سعيد .

عمر سعلي
كاتب

(Omar Siali)

2018 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في هذا الكتاب الذي هو تجميع لمجموعة من محاضرات ألقاها الكاتب الأمريكي-الفلسطيني إدوارد سعيد على أمواج الإذاعة البريطانيّة بيبيسي ،يناقش فيها مفهوم المثقف ، من حيث تعريفه ودوره ، ومن حيث علاقاته مع محيطه وتأثيره ، يحاكم ما يعتبرها انحرافات المثقف ويدعوا إلى ما يراه تصويب لرسالته .كل هذا سنبرزه في هذا المقال ، وحسب وجهة نظر الكاتب إدوارد سعيد فقط .

ينقل إدوارد سعيد في هذا الكتاب نفس تقسيمات غرامشي للمثقفين ، ويؤكد بأن نشاط المثقف ليس إطلاق الأفكار وتوليد الوعي بها وتنتهي مهمته ،وإنما تتعدى إلى الإلتزام بها، والإستماتة في الدفاع عنها وتتبع فاعليتها وتصويبها إذا احتاجت لذلك .

كما يعرف إدوارد سعيد المثقف بأنه " فرد وهب قدرة لتقديم ،وتجسيد ،وتبيين ، رسالة ،أو رؤية ، أو موقف ، أو فلسفة ، أو رأي إلى الجمهور أو لأجله أيضا ، وهذا الدور له مخاطره أيضا ،ولا يمكن للمرء أن يلعبه دون الشعور بأن مهمته هي طرح الأسئلة المربكة علنا ، ومواجهة التزمت والجمود لا توليدهما ، وأن يكون امرءا لا تستطيع الحكومات أو الشركات الكبرى احتواءه بسهولة ..وهو من يكون مبرر وجوده الدفاع عن القضايا المنسيّة أو التي سحبت تحت البساط .."

وفي المحور الثاني يعالج إدوارد سعيد المثقف والمسألة القوميّة ،فيعترف في البداية أن المثقف هو إنتاج ثقافة شعبه ،فلا يكتب إلا بلغة شعب ولا يناقش إلاّ قضايا لها علاقة بالإجتماع الإنساني ولا يمكن للأي مثقف أن يترفع أو يتجرد من بيئته. وفي نفس الوقت ينتقد إدوارد سعيد بشدة ويمقت السقوط في الشوفينيّة والعنصريّة التي يعتبرها منبت الإستعمار ،ويضرب مثال عن ذلك ببعض المثقفين الأروبيين الذين لا يرون في الثقافة إلاّ إنتاجا أروبيّا ،كمثال الكاتب بيندا مؤلف كتاب " خيانة المثقفين" الذي لم يذكر فيه من خارج أروبا إلاّ النبي عيسى ، وصاغ منهج بحثه على حقيقته المفترضة بأن المثقفين لا يوجدون إلاّ في أروبا .

كما ينتقد الكاتب أيضا في هذا الصدد نزوح المثقف إلى "الأنا الدولة" ، أي استبدال معايير المثقف بمعايير الدولة ،كما عند الكُتاَّب الأمريكيين الكبار وبخاصة كتَّاب أعمدة الصحف الكبرى الذين بوقع مكانة صحفهم التي أريد لها أن تعبر عن عموم الشعب ، قد سقطتهم في الكلام باسم الدولة، لا يتقلبون إلاّ في اتجاه مصالها ولا يعادون إلاّ أعدائها ،وهنا ضرب أمثلة عن كتاباتهم عن حرب الفيتنام وحرب الخليج الأولى ، بحيث تماهي هؤلاء الكتاب تماما مع الخطاب الرسمي للدولة ،وهذا ما لابد للكاتب أن ينتبه له وأن يهدم كل رغبة في إنشاء ألهة ومقدسات توضع أمامه للتقديس وظبط بوصلة فكره .سواء كانت سياسية أو محرمات مجتمعه أو إيديولوجيّة حالة استعماريّة أو وطنيّة .

وفي معرض دفاعه هذا عن المثقف المتمرد والمستقل ذكر إدوارد سعيد عدد من أمثلة هؤلاء المثقفين المتصدين لحالة توجيه المزاج العام ، فيذكر انتقاد نيشه لسياسات دولته ألمانيا اتجاه فرنسا ،ورينان حول أعمال نابليون العنيفة والكاتب الفرنسي فرانس فينون في انتقاده لممارسات فرنسا ضد الثورة الجزائرية ،كما ذكر أيضا جرأة سارتر وفوكو وأخرون مما ينتسبون إلى المثقفين المزعجين.

في المحور التالي يناقش إدوارد سعيد حالات اغتراب المثقف ، سواء كان اغتراب حقيقي أو مجازي كما سنبين ،فيرى أن النفي حالة مأثرة أكيد على المثقف ،ولكنها ليست مكانيّة أو ميكانيكيّة ، بقدر ما هي مجازيّة ونفسيّة ، لها علاقة بموقع المثقف من القضايا العالقة ، فيحدث أن يغترب المثقف أشد الإغتراب في داخل وطنه ،كما يمكن أن يكون فاعلا حاضرا في أقصى المنافي بعدا عن وطنه .وإذ يربط إدوارد سعيد كذلك مثقفه النموذجي بالإغتراب ويرى أن المثقف من واجبه الإنذار بالخطر لا بالمعتاد ، وأن يستجيب لجرأة المغامرة لا لمنطق التقاليد ،وأن يسير قدما لا أن يستكين للراكد.

في المحور الآخر ، نجد أن إدوارد سعيد ينتقد المثقف الأكاديمي ويبين اقتصار مجهوده على التقدم الأكاديمي لا على الإصلاح الإجتماعي ، ويحذر من مهب سقوط المثقف في المؤسسة واحتواءها له عن طريق الجوائز وكراسي التدريس ، ويضرب مثال ذلك بالكاتب الفرنسي سارتر الذي رفض جائزة نوبل عام 1964 ، كما يسلط الضوء كذلك على مساوئ التخصص ويذكر أمثلة إعاقته للمعرفة وسوء استخدامه من طرف مراكز تناقض الأهداف العامة للإنسانيّة ،فيخلص إدوارد سعيد في هذا الصدد إلى الدعوة إلى المعرفة الهاويّة وإلى المثقف الهاوي الذي يتناول المعرفة كهواية ،يحركه في البحث عنها عشقه وحبه ،الذي ببقيه خارج دائرة التسليك والتوظيف التجاري أو السياسي لمعرفته ولصوته .

في الأخير ،ينتهي إدوارد سعيد إلى نتيجة وهي أن المثقف لابد أن يكون علماني ، لا مقدس له ، ولا حدود متافيزيقيّة أو ماديّة تحدد معارفه أو استنتاجاته ، هو كائن طائر بأفكاره باحث مجتهد لا يترك أي منفذ لسيطرة المقدس عليه ، فارضا وهذا مقصد عنوان الكتاب ،على الألهة بكل تشكيلاتها بأن تفشل سطوتها دائما أمامه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين هي العنوان في المقالة
ايدن حسين ( 2018 / 6 / 10 - 03:26 )
بالرغم ان موضوع و نص المقالة رائع
و لكن
الالهة التي تفشل دائما
لم اجد لها اثرا في نص المقالة
مع احترامي
..

اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم