الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النهضة نداء تونس: صراع أم ترتيبات من داخل منظومة حكم القطبين

بشير الحامدي

2018 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


النهضة نداء تونس: صراع أم ترتيبات من داخل منظومة حكم القطبين

في الحقيقة ليس مفاجئا أن يصل وفاق 2014 إلى حالة الشدّ والجذب السائدة الآن فما يقارب الأربع سنوات كانت كافية ليبدأ تحالف النهضة والنداء في التصدع وينطلق كل طرف من الطرفين الأقوى في الساحة السياسية في ترتيب شروط وصوله للعام 2019 ولاستحقاقاته الانتخابية وهو يحوز على أوفر شروط البقاء على رأس قوى حراس سياسات الانتقال الديمقراطي.
تحالف النداء والنهضة الذي أملته الأوضاع التي تلت اعتصام الرحيل وفرض استقالة حكومة الترويكا وتراجع حركة النهضة وإذعانها عن الانفراد بالسلطة الذي مكنها من تلافي مآلات حركة الإخوان في مصر والذي وقع تأكيده من قبل راشد الغنوشي بعد ذلك بثلاث سنوات في مؤتمر حزب النهضة في 2016 حيث قال "... أن مسار التوافق أنقذ تونس وأنقذ قيادات كثيرة من العودة للسجون."
التوافق أو تحالف النداء النهضة كان في الأساس خيار القوى الأجنبية التي عَيْنُها على تونس و أحد استراتيجياتها للانتقال الديمقراطي الموجهة للقوى السياسية التي يعنيها ترميم نظام الديكتاتور بن علي وقد أكدت نتائج انتخابات 2014 هذه المعالجة فلا نداء تونس كان بمقدوره الحكم دون النهضة ولا النهضة كان بمقدورها الحكم دون نداء تونس.
لم يكن أي حزب منهما مستعدا للحكم منفردا أو قيادة تحالف هش في مواجهة معارضة ستكون بالضرورة قوية ومربكة ومعطلة وقادرة على قلب الأوضاع وإن لم يكن تشريعيا فبواسطة التعبئة والشارع.
النهضة كانت تعرف ذلك وجربته بعد انتخابات 2011 وفشلت فيه ونداء تونس لم يكن مستعدا لخوض نفس التجربة وتزعم تحالف ضعيف مكون من أقليات يعلم أنه لا يستطيع الذهاب معها بعيدا.
التوافق بين نداء تونس والنهضة كان يعكس أيضا اتحاد مختلف فئات البرجوازية التونسية لوقف المسار الثوري وكل محاولات استمراره وبكل الطرق من جهة ولقبر كل إمكانية لنشوء قوة سياسية جذرية معارضة ومناهضة لمسار الانتقال الديمقراطي من جهة أخرى.
استراتيجية التوافق هذه والتحالف السياسي والطبقي بين نداء تونس والنهضة لم يجد من يعارضه عقب انتخابات 2014 فلا البيروقراطية النقابية كانت ترى نفسها خارج التوافق والحوار ولا الجبهة الشعبية جبهة اليسار اللبرالي كان لها سياسة معارضة لسياسات الانتقال الديمقراطي أو خيارا غير الخيار الانتخابي.
لكل هذه العوامل يمكن القول أن تحالف النداء النهضة وفق في تنفيذ المشروع السياسي الذي جاء من أجله كما ذهب بعيدا في سياسات الانتقال الديمقراطي. لقد أعاد رموز نظام بن علي إلى الواجهة بفرض المصالحة معهم ورمم جهازي الدولة الأهم: جهاز البوليس وجهاز القضاء وأعاد لهما سطوتهما كأهم جهازين للدولة البوليسية والنظام وفتت الحركة الاحتجاجية وقضى على كل إمكانية لتطورها المستقل ونجح في حماية الشركات الأجنبية النهابة وفرض سياسة التقشف ومواصلة سياسة التداين والارتباط بالقوى الاستعمارية... إلخ.
فرض هذه السياسات لم يقابله على أرض الواقع أية معارضة فاعلة عدى بعض الاحتجاجات المواطنية المحلية والتي وقع محاصرتها وانهائها [الكامور ـ قرقنة ـ فرنانة ـ احتجاجات جانفي 2018 الليلية] أو بعض التحركات التي كانت وراءها قرارا وتعبئة وفشلا جبهة اليسار اللبرالي تحركات لم تتمكن من لفت انتباه أصحاب الحق الأغلبية التي يطحنها نظام رأس المال وسياسات الانتقال الديمقراطي التي تسهر على تنفيذها حكومة حزبي التحالف النهضة والنداء.
طبعا لا يمكن القول أن هذا التحالف والتوافق كان في كل الفترات على أحسن حال لقد تخللته هزات وصراعات وعرف عديد المرات فترات فتور وصراع مكشوفا ومخفيا ولكن ما يمكن الجزم به هو أن هذه الهزات والخلافات لم تطل أسسه وثوابته وقد أكد ذلك أكثر من مرة سواء الباجي قايد السبسي أو راشد الغنوشي وكلما كان ذلك ضروريا.
أسس وثوابت هذا التحالف التي لم يقع المساس بها يمكن تحديدها في:
ـ توفير كل شروط الممكنة للاستمرار في سياسات الانتقال الديمقراطي
ـ توفير كل الشروط الممكنة لمناخ من السلم الاجتماعي
ـ التمسك بالشرعية الدستورية
ولقد جاء تصريح راشد الغنوشي الأخير بعد حدث تعليق العمل بوثيقة قرطاج عقب المطالبة بإقالة حكومة يوسف الشاهد ليؤكد أن النهضة مازالت متشبثة بأسس تحالفها مع نداء تونس حيث قال " النهضة مع الاستقرار والاستمرارية لحكومة يوسف الشاهد و... من يريد تغيير الحكومة عليه التوجه إلى البرلمان."
سعي النهضة إلى عدم إسقاط تحالفها مع نداء تونس هو في الحقيقة تغليب لشق من شقوق نداء تونس يقاسمها نفس الرؤية ومحاولة لدفع الصراع داخل هذا الحزب إلى أقصاه لحسم الأمور نهائيا وفرض ما دعاه راشد الغنوشي بالاستقرار والاستمرارية وهي أيضا رسالة حاسمة للباجي قايد السبسي ولمؤسسة الرئاسة بشكل أوضح من أجل إعادة الأمور إلى نصابها وعدم القفز عن السلطة التشريعية أو تعويضها بأي وثيقة أو بأي تفاهمات مهما كانت درجة التوافق حولها.
النهضة دعمت يوسف الشاهد ليس فقط لإضعاف حليفها نداء تونس إنها أيضا تريد أن تضعف بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل وكل معارضيها والمراهنين على دفع نداء تونس لفك تحالفه معها والاعداد لاستحقاقات 2019 على أساس هذه القاعدة.
كارثة قرقنة وإقالة لطفي براهم وزير الداخلية المقرب من شق حافظ قايد السبسي ومن جبهة اليسار اللبرالي هي التي سارعت بكشف عناوين ورهانات هذه القوى التي تطرح نفسها حليفا لشق حافظ قايد السبسي في حزب نداء تونس بديلا عن النهضة. ولئن بدت مواقف ومعالجات هذا الطيف لا تحمل الجديد من حيث الطرح والتصور ومرتبكة ومتناقضة أحيانا إلا أنها كشفت كذلك عن تخبط واضح يشق كل مكونات هذا الطيف وعجزه عن طرح مشروع سياسي يمكن أن يلف حوله جزء مهم من الجماهير الشعبية التي فقدت ثقتها ككل في السياسة وفي البرامج السياسية لأحزاب السلطة وأحزاب المعارضة.
الذي يغيب عن مكونات هذا الطيف وعلى رأسهم جبهة اليسار اللبرالي والتي ارتمت من يومها الاول وراء وهم دفع التناقض إلى أقصاه بين نداء تونس وحزب النهضة هو أن منظومة الحكم صارت بقطبين قطب النهضة وقطب نداء تونس ولا يمكن أن تستمر وعلى الأقل على المستوى المتوسط بإقصاء أي قطب من القطبين و أن كل محاولة لفك ارتباط النهضة بالنداء هو محاولة لضرب المنظومة ككل و أن قوى الانقلاب لا يمكن أن ترضي بذلك واقصى ما يمكن أن تتنازل عنه هو أن تصنع من معارضات النهضة ومن معارضات النداء ظلالا لقطبي المنظومة لا أكثر.
حزب النهضة وعى ذلك منذ 2013 حين قبل بالخروج من الحكم وبسقوط حكم الترويكا
والباجي قايد السبسي نفسه لم يكن له من خيار غير الرضوخ لهذا الواقع الذي فرضته تداعيات مسار ثوري مجهض عجز الفاعلون فيه عن تنفيذ مهام إسقاط النظام وبناء مؤسسات للتغيير الجذري بدله لذلك كان اتفاق باريس السري وكانت انتخابات 2014 وما أدت إليه من اوضاع حتى يومنا هذا.
من هذا المنطلق يمكن تحليل سياسات النهضة والنداء ومواقفهما اليوم وبناء الاستراتيجيات البديلة فلم يعد اليوم جائزا الاستمرار في اعتماد التحليلات السابقة والمقاربات التقليدية " الحريات ـ النضال الديمقراطي المدني ـ البرلمانية ـ التحالف مع شق منن البرجوازية ـ المشاركة في السلطة وووـ لأنها انتهت بمن تبناها قوة على هامش الصراع لا تقوى حتى على مجرد نقد ذاتها مآلها الاندثار.
إن القوة الوحيدة القادرة على مواجهة منظومة حكم النداء النهضة وسياسات الارتباط والتفقير التي سيتزعمانها في الطور القادم من الانتقال الديمقراطي لا يمكن أن تكون سوى قوة طبقية مستقلة بمشروع مقاوم من أجل التغيير الاجتماعي الشامل و قلب الأمور جميعا لصالح الأغلبية دون وساطة بيروقراطيات الأحزاب والنقابات.
الطور القادم من الانتقال الديمقراطي سيضع النهضة والنداء وجها لوجه ضد الأغلبية التي تطحنها سياسات الانتقال الديمقراطي وعصاهما المهيمنة على دواليب الدولة وستكون المهمة المباشرة: إسقاط سياسات الانتقال الديمقراطي لكن وللأسف فالأغلبية تتقدم نحو ذلك مجردة من سلاح الاستقلالية التنظيمية والسياسية عن النظام و أحزاب النظام ومن هيئات للدفاع الذاتي .
ـــــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
10 جوان 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ