الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزعة التوسيعة الفاشلة للنظام العسكريتاري التوتاليتاري الجزائري بافريقيا -- الصحراء المغربية ( 5 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



في الحلقة الرابعة بيّنا كيف اخفق النظام الجزائري في التوفيق بين المتناقضين الأساسيين ، ( الثورة الزراعية ) التي فشلت فشلا ذريعا ، و ( الثورة الصناعية ) التي كانت افشل . وكيف ان هذا فشل ، كان تعبيرا صارخا عن فشل النظام العسكرتاري الشمولي الجزائري ، من خلال فشل ما يسمى ( بنموذجه التنموي ) . الآن النظام التوتاليتاري ، وبعد ان فقد البوصلة ، والاتجاه الصحيح ، فان وضعه كنظام ، ورغم شراسة القمع المسلط من قبل الأجهزة البوليسية المختلفة ، اصبح محط تساؤل من قبل الشعب الجزائري الذي يتساءل عن مصير الثروة التي استبد بها الجنرالات وفاشيو الجبهة ، فلا يعقل ان بلداً يتوفر على الغاز والبترول ، لا يتوفر حتى على بينة تتماه تناقض الشعارات الرنانة التي فقدت بريقها مع نهاية الحرب الباردة .
لقد تحرك النظام الجزائري لمواجهة الفشل على صعيدين : الصعيد الداخلي ، وهذا عالجناه في الحلقة الرابعة ، والصعيد الافريقي كسوق لتصريف السلع الجزائرية ، كما ان موقفه من نزاع الصحراء المغربية ، هو ملامسة مياه المحيط الأطلسي ، حيث ستصبح الدولة الجزائرية الجديدة بعد اندماجها مع الجمهورية الصحراوية ، تحيط بالمغرب من جميع الجهات ، الامر الذي سيسبب خنقا ( للاقتصاد ) المغربي ، ومن ثم تحويل المغرب الى سوق لتصريف منتوجات الصناعة الجزائرية الفاشلة ، في حين الدفع بالمغرب الى ان يصبح ، بعد هذا الخنق ، المورد الرئيسي للجزائر من المنتوجات الفلاحية والزراعية . فالمخطط مدروس بعناية ، وهو يمثل قمة طموح العسكر وفاشيو الجبهة ، قصد التحكم في المنطقة بعد النجاح في اخضاع المغرب ، والسيطرة على السوق الأفريقية .
فهل نجح المخطط الجزائري في بلوغ مراميه ؟
فكما فشل الإصلاح الداخلي ( الثورة الزراعية ) بسبب الكُلخوزات ، ونهب الأراضي الفلاحية ، وقلة التجربة ، بعد مغادرة المعمرين الفرنسيين ، فشل كذلك مخططها بغزو افريقي ، وفشل مخططها الرامي بملامسة المحيط الأطلسي ، وتحويل المغرب الى بلد تابع ومتحكم فيه اقتصاديا وجغرافيا ، وجيو – بوليتيكيا .
ان ما يسمى بالخط الوطني الحازم للقيادة الجزائرية بعد انقلاب 19 يونيو 1965 ، وهو مخطط القيادة البرجوازية المعادية للاشتراكية ، الحريص على تأميم الثروات الوطنية الجزائرية ، وتوظيفها لصالح ( الجزائريين ) ولصالح ( الوطن ) الذي نهجته برجوازية الدولة ابان مرحلة صعودها ، جعل هذه الأخيرة تصطدم بمقاومة لا تقل حزما وحدة ، من قبل مصالح رأس المال الكلونيالي القديم ، ومصالح الاحتكارات الامبريالية التي ازعجها فقدان ما راكمته من ثروات منذ ازيد من قرنين من الزمن .
فالتعارض العميق بين المصلحتين ، مصلحة عسكر الجزائر ، ومصلحة الاستعمار ، جعل إذن الصراع بين الحكم الجزائري الجديد ، وبين فرنسا ، وما تمثله من احتكارات ، يكون صراعا مريرا ، أدى في العديد من المناسبات الى تدهور العلاقات بين العسكرتارية الجزائرية ، وبين الاحتكارات الامبريالية التي كانت عرابها الدولة الفرنسية الاستعمارية . هكذا سيكون ، وكما يتذكر كل من كان خاطئا في تجربة الحكم الجديدة بعد انقلاب 19 يونيو 1965 ، انه بعد التأميم الكامل للغاز الجزائري ، تكون برجوازية الدولة الجزائرية قد صفت حساباتها نهائيا ، مع آخر اكبر رمز من رموز السيطرة الاستعمارية الفرنسية .
ان هذه ( الانتصارات ) الباهرة في وقتها ، والتي كانت تحققها برجوازية الدولة ضد المصالح الأجنبية خلال مرحلة صعودها وتشكلها ، مكنت تلك البرجوازية التواقة الى تحقيق مشاريعها الاقتصادية ، من الانكباب بخطى حثيثة على تصنيع البلاد .
وهكذا توصلت برجوازية الدولة – العسكر، في حقبة زمنة قصيرة نسبيا ، الى تشييد صناعة ثقيلة ضخمة ، تعتبر الأولى من نوعها على صعيد القارة الافريقية ، بل على صعيد بلدان العامل الثالث كله ، الحديث العهد بالاستقلال .
ان هذه الانتصارات في وقتها ، سواء تلك التي حققتها برجوازية الدولة ضد المصالح الاستعمارية ، او على صعيد معركة التنمية الداخلية ، والتي كانت مدعمة بحملات كثيفة من الدعاية المنهجية ، وبنخبة من الأطر التكنوقراطية والدبلوماسية المتمتعة بدينامية فعالة ، قد عززت موقع النظام الجزائري داخل المحافل الدولية ، ونصبته زعيما لبلدان العالم الثالث ، ونموذجا لتحررها واستقلالها . فالكل يتذكر الدور الرئيسي الذي كانت تلعبه الجزائر في منظومة دول عدم الانحياز ، والكل يتذكر كيف كان يتم وصف الجزائر ، مرة بكوبا افريقيا ، ومر بيابان العالم الثالث ، ومرة بمكة الثوار .
لكن الأهم من كل هذه الطفرة التي ستعرف ارتدادا من بعد ، ان النظام الجزائري ما أن انتهى من عملية التراكم البدائي ، وأشدّد على البدائي لرأسماله الصناعي ، حتى وجدت برجوازية الدولة نفسها ، امام سوق داخلية ضعيفة ، لا تستطيع استيعاب الإنتاج المتولد عن تلك الصناعة القائمة على التكنولوجية المتطورة .
فبطبيعة الحال ، ان الأفق التنموي الضيق لبرجوازية الدولة ، المرتبط بفهم اقتصادوي للتصنيع ، قائم على اعتبار تطوير قوى الإنتاج هو كل شيء ، وعلى نزعة تقديسية للتكنولوجية الغربية ، وكأن مجرد اقتناء آخر ما توصلت اليه الصناعة الغربية من تكنولوجية ، هو في حد ذاته كاف لردم هوة سحيقة من قرون التخلف المجتمعي .
انها نفس الرؤية حملها سلامة موسى بالمشرق العربي ، وحملها المهدي بن بركة في غربه ، وهي نفس الرؤية روج لها عبدالله العروي ، وحزب الاتحاد الوطني / الاشتراكي . ان هذا الأفق الضيق الخالي من أي مدلول أيديولوجي ، الذي تبناه دعاة التقنية ، هو الذي جعل الصناعة الجزائرية ترتطم بسوق داخلية محدودة ، بمجرد ما انتهت من عملية التراكم البدائي .
والسؤال الذي فرض نفسه على المسؤولين الجزائريين حينئذ هو التالي : في غياب شروط سوق داخلية متطورة ، كيف يمكن الانتقال من مرحلة التراكم البدائي للرأسمال الوطني ، الى مرحلة التراكم الموسع ؟ .
الجواب واضح وسريع . ليس هناك من حل سوى اكتساح أسواق البلدان الافريقية الأقل تطورا من الناحية الصناعية . أي غزو افريقيا بالمنتوجات الصناعية الجزائرية ، ومن ثم التحكم في مصير القارة بما يتماشى مع السياسة الجديدة لحكام انقلاب 19 يونيو 1965 .
هكذا بدأ العالم فجأة يلاحظ حركة كثيفة تقوم بها الدولة الجزائرية مع تلك البلدان ( الشقيقة ) . ان سياسة مد الجسور التي كانت وسائل الاعلام الدولية تتحدث عنها بشكل روتيني – ، والتي تسميها وسائل الاعلام الجزائرية ، بروح توطيد علاقات التعاون الأخوية – تتجلى في :
1 ) البعثات الاقتصادية التي تقوم بها وفود جزائرية مختصة ، الى البلدان الافريقية الأقل تطورا من اجل عقد صفقات تجارية معها .
2 ) تطوير علاقات التعاون التجاري ، والمالي ، والتقني مع تلك البلدان .
3 ) تقوية شبكات الربط الجوي والبحري .
4 ) انشاء الطريق الصحراوي الشهير الذي يربط الجزائر ببلدان العمق الافريقي ، وهو نفس الطريق تشيده اليوم مع موريتانيا للتضييق على المغرب .
.......لخ
هذه إذن كلها مؤشرات تصب في اتجاه تقوية النزعة التوسعية لرأسمالية الدولة الجزائرية ، الباحثة عن مجالات اقتصادية خارج نطاق مجالها الوطني الضيق . أي فرض الهيمنة .
ان النزاع الدائر حاليا حول الصحراء المغربية ، هو نفسه يدخل في هذا الاطار . ان المصالح التي تحرك الجزائر في قضية الصحراء المغربية ، ليست مصالح اقتصادية محدودة وعارضة ، ولا حتى مصالح جيو – سياسية واستراتيجية ، بل من خلال تحليل كل المعطيات المتوافرة ، تتعدى دلك بكثير ،لأنها تمس صلب بنية النظام الاقتصادي الجزائري في هذه المرحلة التاريخية من تطوره . وبعبارة أوضح ، ان اقتصاد الجزائر المأزم والفاشل اليوم ، وبكل المقاييس ، يحتاج الى حل ازمة التراكم الموسع ، الذي عليه يتوقف مصير الدولة الجزائرية ، من خلال نموذجها التنموي الفاشل برمته .
إذن ان خلق دولة صحراوية خاضعة لهيمنتها في مرحلة أولى ، وفي مرحلة ثانية ، دمج الدولتين الجزائرية والصحراوية في دولة واحدة لملامسة مياه الأطلسي ، ستكون الخلاص المنجى للفشل الذي اضحى عليه ليس فقط ( الثورة الزراعية ) التي فشلت ، و ( الثورة الصناعية ) التي بارت ، بل سيكون الخلاص المنجى للدولة الجزائرية برمتها .
لهذا فان الموقف الجزائري من قضية الصحراء ، لم يكن يمثل ابدا مجرد سياسة معزولة كان قد تورط فيها بومدين ، بل هي سياسة واحدة ثابتة من بومدين حتى بوتفليقة . ففهم كل القادة الجزائريين لنزاع الصحراء ، يدخل فقط ضمن هذا الفهم لانقاد الدولة الجزائرية من السقوط .
بيد ان الملاحظة العامة التي اريد التأكد عليها هنا ، هي التالية : ان نزوع رأسمالية الدولة الجزائرية للاستحواذ على الأسواق الافريقية ، ليس محاولة سهلة التحقيق ، باعتبار ان تلك الأسواق تخضع كلها الى سيطرة الشركات الاوربية ، والأمريكية ، واليابانية ،والصينية /والروسية ،وكوريا الجنوبية .
لهذا فما دام الاقتصاد الجزائري مقارنة بالاقتصادات أعلاه ، هو اقتصاد عاجز على المنافسة ، خاصة مع الشركات العالمية المتعددة الجنسيات بسبب ضعفة البيّن ، وبالتالي يبقى اماهه خيار واحد ،هو توطيد التحالف مع الرأسمال الاحتكاري العالمي .
فهل نجح النظام العسكريتاري الجزائري في هذا التحالف ؟
إذا نحن اخذنا بعين الاعتبار الصراع الاقتصادي التجاري الدائر اليوم بين أمريكا والصين ، أمريكا وروسيا ، أمريكا واوربة ، أمريكا وكندا ، فان ذاك التحالف يبقى من ضروب الخيال ، اللهم تستر النظام الامبريالي على فشل الدولة الجزائرية ، من خلال الاعتراف لها بكوبا افريقيا ، ما دامت مصابة بسعار وهستيرية نزاع الصحراء ، باسم شعارات براقة وطنانة تفيد في خدمة مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وشمال افريقيا باسم حق الشعوب في تقرير صيرها .
( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب