الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس: والي بمحافظة تطاوين بالجنوب الشرقي التونسي..يرفض مقابلة أحد مثقفي الجهة..ويستقبل- الرعاع-..!!

محمد المحسن
كاتب

2018 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


“أكثر الأفراح حزنا..أن تكون شاعرا.كل الإحزان الأخرى لا قيمة لها حتى الموت”(لوركا)

لا تغيب تجليات الأزمة العربية الراهنة ثقافيا عن رجل الشارع العربي البسيط،في ظل عصر الفضاءات المفتوحة والمباشرة،فكيف بالمراقب الخبير والمطلع على تفاصيل المشهد الراهن وتعقيداته ببلادنا،التي على وشك أن إن تمادت في نهج المزايدات السياسية والمناكفات الفجة إلى المربع الأول،مربع الظلم والقهر والاستبداد بعد أن كناعلى وشك تجاوزه نهائيا، وإلى غير رجعة.
فقد مثلت-ما يسمى-ب”ثورات الربيع العربي”المفاجأة واحدة من اللحظات التاريخية العربية الفارقة،التي بنجاحها قد تعيد تعريف كل مفردات هذه اللحظة العربية والإنسانية من جديد،بعد أن فقدت الكثير من هذه المفردات دلالاتها الاصطلاحية كاملةً،ولهذا كُثر المتآمرون داخليا وخارجيا على هذه الثورات التي تونس ليست إستثناء من تداعياتها..
والثقافة هي التي تعطى للحياة البعد الجميل وهي التي تشعرنا بجمالية الإنسان في كل أبعادة وبجمالية الكون أيضا .والعلاقة بين الإنسان والثقافة علاقة قديمة للغاية بل هي ملازمة له منذ ميلاد الإنسان الأوّل،ومنذ اللحظة الأولى للإنسان تأسسّت معادلة مفادها أنّه لا إنسانية بدون ثقافة،ولا ثقافة بدون إنسان،ولا إزدهار ثقافي بدون الحوار بين كل الرؤى و الأفكار المتعددة .
ولأجل ذلك كانت الثقافة هي السلاح الذي إعتمده الإنسان في تأكيد ذاته وحريته،وتأكيد أنّه خلق ليعيش حرّا.
وعلى إمتداد التاريخ البشري أستخدمت الثقافة لمواجهة الظلم وإحقاق العدل،لمواجهة الديكتاتورية وإحقاقالديموقراطية والحريّة،ويؤكّد التاريخ تاريخ الإنسان مهما كان لونه وشكله ودينه وقوميته أنّ المبدعين والمثقفين هم الذين قادوا التغيير وهم الذين مهدّوا للتطورات الكبرى التي عرفها التاريخ،والفلاسفة والأنبياء والشعراءوالكتّاب والروائيون ما هم إلاّ بشرا من نوع خاص.هم بشر يحملون همّا ثقافيا ويهدفون إلى تغيير حياة الإنسان نحو الأفضل.
.. إن مصير البشرية سيكون مظلما بدون ثقافة تعددية،و القصائد والأشعار والروايات والأفكار التي تحدّت العسكريتاريا في العالم الثالث ستتحوّل إلى منارات لأجيال الغد.وأكبر دليل على ذلك أنّ الأفكار والثقافات كانت وراء كل التغييرات الكبرى الإيجابية التي عرفها التاريخ..
و هنا نقول جازمين أن الثقافة الوطنية هي إرث يجب أن نعتز به نضيف إلى سياقها و مساراتها و لا يمكن أن يتأسس الحوار على إستئصال هذه الثقافة لتحل محلها ثقافة أخرى فرضتها الكوكبية و العولمة وأفكار أخرى موغلة في الدياجير ..
كنت أظن أن الثورة التونسية المجيدة حررت الجميع من عقال الإستبداد وردت للمثقف العضوي بالأساس( مع الإعتذار لغرامشي) مكانته الرفيعة التي تليق به بعد أن كان ما فبل الثورة يكتب بحبر الروح ودم القصيد ولكن أمعاؤه خاوية.. من قبل ربما كان المسؤولون يتعللون بالتعليمات النازلة “من فوق”.غير أن ثورة التحرير التونسية و-كما أسلفت- كانت لها هذه المزية،بأن حررت الجميع،بمن فيهم الوزراء.
هذا الإعتقاد"الأحمق" ذهب زبدا وطواحين ريح حين اصطدم بالواقع المرير الذي سأريق في المدى المنظور الحبر الغزير كي تتجلى الحقائق تحت شعاع الشمس..
ولعل ما دفعتي لإثارة هذا الموضوع هو ما تعرضت إليه من "إهادنة" نت لدن السيد والي تطاوين..إهانة حزّت عميقا في وجداني وقربتني-قسر الإرادة-من هوة الإحباط حيث غدوت منها على الشفير..
وإلى السادة القراء الكرام جزءا من -هذه المهزلة-التي نرقص على إيقاعها ونحن نيام..
أنا الكاتب الصحفي المقيم في الشمال الإفريقي وتحديدا بمحافظة تطاوين بأقصى الجنوب الشرقي..هذه المحافظة الموغلة في الظلم والظلام،وتحيط بها الدياجير من الجهات الأربع (وهذا موضوع آخر سنتولى مقاربته بشكل مستفيض في مقال قادم) محمد المحسن الذي "يزعم" بتواضع شديد أنه كان يكتب من خلف شغاف القلب،يوم كانت تونس غارقة في الإستبداد في نخاع العظم، وقبل-أيضا- أن يركب" الثورجيون الجدد" سروج الثورة في الساعة الخامسة والعشرين بكبريات الصحف العربية والدولية عن قضايا الأمة العربية السليبة والمستلبة بجسارة من لا يهاب لسعة الجلاد..
واليوم ذهب بي الظن أن تونس التحرير ستحتفي بكتابها العضوييين (مع الإعتذار لغرامشي) وترد لهم الإعتبار -كما أشرت-بإعتبار أن الكاتب صوت الأمة والمدافع الجسور عن قضاياها ولسان متاعبها ومصاعبها..في يقيني إنها علاقة توجيهية قياديّة نظرا لما يملكه (الكاتب الملتزم بقضايا أمته) من صفات وإمكانات تؤهِّله على تحمُّل المسؤولية،ولذلك يطلب منه أن يكون أكثر التحاما بقضايا مجتمعه وهو الذي يملك وسيلة مؤثرة، فكل شيء يمكن أن يزول إلا أثر الكلمة ولا يتغيّر شيء إلا عن طريق الكلمة؟
فالكاتب يملك القدرة على ربط الماضي بالحاضر وكشفه وترسيخه لقيم الخير وهذه أمور أساسية في الأدب ومن أهدافه.فالكاتب المنسجم مع قضايا أمته له عين تكشف الغطاء عن روح الأمة، ويد تربط بين أجزاء شخصيتها ومراحل تطورها، وله قدم تسعى إلى مستقبل أرحب. وهذا لا يتحقق إلا بتوفُّر أدباء وكتاب ناضجين مسؤولين واعين لقضايا أمتهم ومؤمنين بمعالجتها، فالأديب له رسالة،وهذه الرسالة تتطلب منه زادا ثقافيا وفكريا يغني تجربته ويعمق رؤيته للمجتمع والإنسان ولا نفهم علاقة الأديب بمجتمعه أنها انخراط بمشاكل المجتمع، بل نفهمها إحساسا صادقا مفعما بالحب والغيرة والرغبة في تطوّر مجتمعه، فعلاقة الأديب بمجتمعه علاقة تفاعليّة يتأثر بالمجتمع وأحداثه ويتأثر بالوسط الاجتماعي ويتفاعل معه مما يزيد انتماءه وإحساسه.
نعود إلى السيد والي تطاوين الذي رفض مقابلتي وأستمعوا جيدا لقصتي"الإغريقية": توفي نجلي اليافع (24 ربيعا) ذات صيف دامع من سنة 2017 غريقا بإحدى البحيرات الألمانية..ورثيت موته المفجع في كتاب عجزت عن طباعته نظرا لكلفة الطباعة الباهضة ببلدي :تونس..وظللت أتوسد قصائدي الدامعة بقلب معطوب ومكلوم..
إلتجأت إلى والي الجهة بمحافظة تطاوين التي تتربع على حقول من النفط (وهذا موضوع آخر أيضا يلزمه الحبر الغزير والعرق الوفير) عله يساعدني على تحقيق هذا الطموح (إصدار كتاب) تخليدا لروح إبني الذي سافر إلى الماوراء..حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..لكنه رفض مقابلتي بإعتبار كثرة مشاغله واهتماماته بهموم الجهة (وهنا ليس لدي تعليقا فمعذرة من القارئ الكريم)..!!
إتصلت بمن ينوبه وهو -حضرة المعتمد الأول-ورويت على مسامعه قصتي وتقدمت إلى -حضرته-بطلبي المتواضع..فأصغى إلى جيدا..وانبهر بلغتي العذبة-على حد تعبيره-ثم صافحني مكتفيا بكلمة واحدة متداولة بربوعنا الجنوبية"يرحم الله".. لكن حين غادرت مكتبه الوثير-محبطا أحسست أني أرقت هدرا كرامتي الأدبية،كما لم أحافظ على -عفتي الثقافية-كما يقول المفكر المصري الراحل الدكتور محمود أمين العالم..
راسلت معالي وزير الشؤون الثقافية بتونس فطلب حضوري بمكتبه واستقبلني بحفاوة..وكان لي ما أردت حيث ساعدني-مشكورا-على إصدار كتابي لأنه (السيد وزير الشؤون الثقافية) لا يطيع إلا سلطة ضميره.كما يعتبر بميؤولية ضميرية عالية المبدعين التونسيين متساوين أمام الدولة.ولا أحد يمن عليهم بذلك.
ختاما،أقول إلى هذا الوزير الفذ أنّ المثقف الذي يشكل عاملا إضافيا و رقما صعبا في معادلة التكامل الثقافي هوذلك المثقف العضوي(مع الإعتذار دوما لغرامشي) الذي يضحي من أجل أن تسود أفكاره و أفكار الآخرين،و ينطلق عقله من قاعدة التحاور مع عقول الآخرين لصناعة دولة ومجتمع الرفاهية للإنسان العربي الذي تخبط في تجارب فردية ساهمت في تراجع مشروع التنمية و النهضة..و الثقافة في مطلقها الحضاري هي التعددية وتشريك المثقف في بناء حضارة بلاده،و المثقف لا يمكن أن يكون أسير فكرته ومنطلقاته،فذاك سيؤدي إلى تحجيم العقل و تطويقه،و المثقف الحضاري هنا..أو هناك هو ذلك الذي يتشاور و يتحاور و يتجادل ويتبادل الأفكار،لكن في نهاية المطاف ينصاع للفكرة البناءة العملاقة التي تردف الدولة والمجتمع بأسباب القوة و المناعة و الحصانة من عوامل التعري و التآكل .
كما أن المثقف-أولا وأخيرا-هو ذاك الذي يكرس ثقافة الحوار كمبدأ و يجيد السماع والنقاش وإستخلاص المعادلات من الأفكار البناءة.و الحوار هنا:هو الحوار بين أبناء الشعب الواحد حول آليات تسيير الدولة أو النهج السياسي المتبع أو الثوابت و المتغيرات التي يجب إتباعها في مسرح دولي متعدد تهب رياحه العاتية من الجهات الأربع،كما أن الحوار قد يكون بين الشعوب والحضارات و التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب منسمات الراهن البشري و مجالات الحوار الحضاري تشمل الحوار المتفتّح في المجال الديني و المجال السياسي و الاقتصادي وغير ذلك من مجالات الحوار ..
وتونس اليوم تتهودج في ثوب الديموقراطية الذي خاطته أنامل ضحّت بحياتها في سبيل أن ننعم بكلمة”لا” حين يقتضيها المقام-.. في زمن كانوا يريدونها بالأمس-دوما-“نعم”.
..وأرجو أن يفهم-والي تطاوين-رسالتي جيدا ويستسيغ مقاصدها ودلالاتها..
وتظل في الأخير-تونس التحرير-ولادة لرجال أفذاذ ما هادنوا الدهر يوما على غرار وزير الشؤون الثقافية بتونس التحرير الغني عن التعريف..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال