الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرصفة الحكمة

مظهر محمد صالح

2018 / 6 / 21
الادب والفن


أرصفة الحكمة


الكاتب:د. مظهر محمد صالح

30/9/2015 12:00 صباحا

لم تفلت مني زمام الحكمة وانا اعاود المحاولة كي اتنفس اركان المعرفة التي اصطفت على بلاطات ارصفة الزقاق الرابط بين شارع مادسون ومكتبة مدينة نيويورك العامة. فجنبات الزقاق التي اضاءها الصباح تجعلك لاتبالي باناس ذلك الدرب ،فهم مجانين في مدينة المال ولايرون الا ما في رؤوسهم من حسابات ، فاستعبرت طويلاً قبل ان تلوح في عيني لمعة خاطفة تجاهلت فيها المارة والواقفين حتى وقعت عيني على قطع برونزية شديدة اللمعان ثبتت على بلاطات الرصيف وامتدت بقطع متجاورات تذكي ضياءً من جد وتوثب. وقع نظري على واحدة من تلك القطع البرونزية ولكن بلا تحدي ولا ابتسامة الظفر فوجدتها تخاطبني ،وهي تتمتع بزينتها من دون قلق ولا اعتذار ، وهي تقول : أقرأ ايها القادم من شرق المتوسط ،قبل ان ينقلب الجو عليك متخشعاً تحت سمرة المغيب. فليس ثمة اهمال او عدم مبالاة في هذه البلاد فنحن مشغولون في اعداد المستقبل دون نكران الماضي لنخوض غمارمعركة الحياة .
شعرت حالاً ان سبل الحياة في هذه الامة تقتضي الكفاح وان الكثير يشقى بعنادها وكيدها، وان الحياة بدون تلمس ابرة بوصلتها هي العدو الوحيد الذي لاتدري الامة كيف تأخذ بتلابيبه. لامست ارجلي فجأة قطعة برونزية فريدة على ذلك الرصيف وكانت تحاكي بحق وجه من اوجه شقاء الحياة ومفارقاتها ويقول نصها: الطبيعة والفن يبدوان مختلفين. فلايمكن للاشياء ان تكون نفسها، وعلى الرغم من ذلك ،فان الفن الذي يجسد فهمنا يؤكد دوماً ان الطبيعة هي واحدة ولا تختلف!. قلت في سري من هو قائل ذلك النص الذي ثُبت على تلك القطعة البرونزية اللامعة ؟ عاودت نظري ثانية محدقاً عيني لاجد ان قائلها هو الرسام التشكيلي بابلو بيكاسو. استدركت من فوري لاُعيد انتاج شيئاً رقد في مستودعات ذاكرتي لاسيما تلك الحادثة التي عاد يومها بيكاسو الى بيته بصحبة صديق له، فوجد أثاث منزله مبعثراً وان ادراجه محطمة وجميع الدلائل تشير الى ان اللصوص اقتحموا البيت في غياب صاحبه وسرقوه. وعندما عرف بيكاسو ماهي المسروقات ظهر عليه الضيق والغضب الشديد. هنا سأله صاحبه: هل سرقوا اشياءً مهمة؟أجاب بيكاسو:كلا لم يسرقوا سوى اغطية الفراش.فقال صديقه وهو يسأل بدهشة:إذن لماذا انت غاضب؟اجاب بيكاسو وهو يحس بان كبريائه قد جرح : يغضبني ان هؤلاء الاغبياء لم يسرقوا شيئاً من لوحاتي..!. هنا اخذت ارجلي تغادر نهايات الرصيف متذكراً حكمت بيكاسو بان الفن هو الذي يجسد الطبيعة الواحدة نفسها وان السراق هم تصرفوا خلاف الطبيعة. واخيرا انتهيت بآخر لوحة برونزية اصطفت في رصيف ذلك الزقاق وكانت للشاعرة الاميركية اميلي ديكنسون ، وهي تقول: تموت الكلمات عندما تقال في يوم ما، ولكنني اقول ان الكلمات بدأت لتعيش منذ يومها الاول! .ختاما،وقفت امام مكتبة نيويورك العامة وقد اعتلا مقدمتها اعلانا كبيرا يقول ان بين شهري ايلول وتشرين الاول 2015 سيقدم عدد من الكتاب والمؤلفين نبذة من اصداراتهم الجديدة والدعوة عامة للجميع. استدركت هنا ان ذلك الجمع (من الكتاب والمؤلفين والروائيين ) لم تُغيبهم ارصفة الحكمة طالما ستصطف رموز اعمالهم على ارصفة طريق مكتبة نيويورك العامة . فالطبيعة هي واحدة مهما اختلفت الاشياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي