الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد السياسي جذوره ومفهومه

جاسم محمد دايش
كاتب وباحث

(Jasem Mohammed Dayish)

2018 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة
كثيرا ما يستخدم عامة الناس كلمة اقتصاد في أحاديثهم أو مقالاتهم إلى الحد الذي يوحي بأن لهذه الكلمة مفهوما واضحا ، و لكن ليس هذا هو المعنى الذي تحمله كلمة "اقتصاد" في جميع الأحوال , و رغم أن التعريف ضروري لأي علم ، إلا أن تعريف علم الاقتصاد السياسي أكثر صعوبة من سواه ، لان كثيرا من أوجه الاختلاف بين الاقتصاديين في اتجاهاتهم الفكرية ينشأ من اختلافهم حول تعريف علم الاقتصاد السياسي .
أولاً :- جذور الاقتصاد السياسي .
أن علم الاقتصاد السياسي علم حديث النشأة فهو أحد العلوم الاجتماعية التي استقلت عن غيرها منذ أكثر من قرنين من الزمن، و هو من العلوم الحديثة التي ما تزال توسع آفاقها و تحدد معالمها، إلا أن البحث فيه قد جرى قبل ذلك بكثير. و ترجع كلمة "الاقتصاد السياسي " تاريخيا إلى أرسطو و تعني : " علم قوانين الاقتصاد المنزلي" أو "علم مبادئ تدبير المنزل" أو " قوانين الذمة المالية المنزلية " ، حيث يوجد الأصل اللغوي لاصطلاح الاقتصاد السياسي في الكلمات الإغريقية "oikos "" nomos"" politikos" و التي تعني على التوالي "منزل" ،" قانون " ، " اجتماعي " .
ولقد استخدم تعبير الاقتصاد السياسي ، لأول مرة عام 1615 من قبل الكاتب الفرنســي *أنطوان دي مونكريستيان (1575-1621)، في كتـــابه " بحث في الاقتصاد السياسي " قاصدا بصفة "السياسي" أي الأمر الذي يتعلق "بقوانين اقتصاد الدولة" ، وهو بذلك يدخل في نطاق علم المالية العامة أكثر من الاقتصاد السياسي حيث كان يقصد به البحث في الإجراءات السياسية المختلفة التي من شأنها توفير الرفاهية المادية للمجتمع ، و مهمة الاقتصاد كانت النصح للأمير في إدارة الأموال العامة بما يتفق و تأمين الرفاه للأفراد .
وبعد ذلك جاء "أدم سميث " ليؤسس لعلم الاقتصاد السياسي " الجديد في كتابه "ثروة الأمم" عام 1776 ليبدأ يرسم ملامح عصر جديد من خلال مدرسته الكالسيكية .
وبذلك فان " السياسة الاقتصادية " قد سبقت في نشأتها علم الاقتصاد . و يمكن إرجاع تسمية "سياسي" لدى مونكريستيان (الكاتب الفرنسي) إلى الأمرين التاليين:
1- أنه أراد أن يميزه عن البحوث التي كان يطلق عليها قدماء الإغريق اسم "الاقتصاد" مجردا من كل وصف ، والتي كان موضوعها قواعد التدبير المنزلي و اقتصاديات الأسرة ، كما أشرنا سابقا . ففي وصف الاقتصاد بالسياسي إشارة إلى أن موضوعه دراسة الظواهر الاقتصادية المتعلقة بثروات الدول لا بثروات الأسر و لا بتدبير المنزل .
2- أن معظم مواضيع كتابه تدور حول البحث عن الوسائل التي تستطيع بفضلها الدول المحرومة من مناجم الذهب و الفضة أن تحصل على كميات وفيرة من هذين المعدنين، فتحفظ بذلك منزلتها في ميدان السياسة الدولية. فالغرض الذي قصد إليه من وراء بحوثه كان إذن سياسيا قبل كل شيء، و قد وصف الاقتصاد بالسياسي في عنوان كتابه لتوضيح هدا الغرض.
أما الآن فإن كلمة اقتصاد ذاتها تشير إلى أية صورة تنظيمية معينة لإدارة عمليات إنتاج و توزيع و استهلاك السلع و الخدمات بغية تحقيق مستوى معيشي معين . ولقد انتشر في الفترة الأخيرة اصطلاح " الاقتصادي " حيث يرى روبرتسون و هو اقتصادي إنجليزي ، أن هذا المصطلح الجديد و أن عدم استعمال صفة " السياسي توضح أننا نهتم في النهاية بالفرد و ليس بالدولة.
ثانياً :- مفهوم الاقتصاد السياسي .
موضوع الاقتصاد السياسي هو المعرفة المتعلقة بمجموع الظواهر المكونة للنشاط الاقتصادي للإنسان في المجتمع ، أي النشاط المتعلق بإنتاج و توزيع المنتجات و الخدمات اللازمة لمعيشة الأفراد . وبالتالي فأن الاقتصاد السياسي هو أحد العلوم الاجتماعية التي تتناول دراسة حالة الإنسان في المجتمع وتحلل الظروف التي يعيش فيها وتبني القوى الفعالة التي تؤدي دورها في الحياة الاجتماعية . ومعنى مصطلح الاقتصاد السياسي في اللغة هو فن الحصول على إيرادات للدولة، أو تحصيل وجباية الأموال لصالح الحكومة.
يعرف " الاقتصاد السياسي " بأنه العلم الذي يدرس أسس تطور المجتمع حيث يدرس أسلوب الإنتاج ويركز على العلاقات الاجتماعية في عمليه الإنتاج والوضع الطبقي والاجتماعي في العملية الإنتاجية وما ينتجه نمط الإنتاج من تشكيله اجتماعية واقتصادية، ويتسم أيضا بأنه يدرس علاقات الإنتاج في سياق نشأتها وتطورها ويوضح لنا التناقضات في علاقات الإنتاج و التي تخلق تطور لنمط الإنتاج .
ويمكن تعريفه أيضاً بأنه : العلم الذي يبغي وصف وتعريف وتفسير الظواهر الاقتصادية، انطلاقا من أسبابها، ومن ثم فهمها ككل متماسك، شرط أن يكون الاقتصاد السياسي قد تم تعريفه قبل ذلك بشكل صحيح. في صلب هذا العلم، يمكننا العثور على الظواهر النموذجية التي تتكرر لدى الشعوب المتمدنة المعاصرة، وهي ظواهر تقسيم وتنظيم العمل، وتدوير وتوزيع العائدات، والمؤسسات الاقتصادية الاجتماعية التي، بالاستناد إلى بعض أشكال الحق الخاص والعام، وإذ تكون خاضعة لهيمنة قوى طبيعية متماثلة أو متشابهة .
وهناك السياسة الاقتصادية والتي تكون مجموعة قرارات تتخذها الدولة في ميدان اقتصادي معين، وذلك لبلوغ أهداف اقتصادية واجتماعية محددة، عبر عدد من الوسائل والأدوات ، من الأهداف التي تسعى إليها السياسة الاقتصادية : النمو الاقتصادي - خلق فرص العمل - ثبات الأسعار تعزيز الصادرات أما الأدوات والوسائل التي تعتمدها لبلوغ هذه الأهداف نذكر منها: الضرائب، نفقات الدولة، معدلات الفائدة المصرفية ، الأسعار، المنشآت الاقتصادية التابعة للقطاع العام إن مفهوم السياسة الاقتصادية تعني المنهج المتبع لدى بلد معين في التعامل داخل مجال نشاط السلع و الخدمات, وفي هذا الصدد إما تعتمد الدولة سياسة أو نظام الأنشطة الحرة أي سياسة السوق المفتوح . وبيان أفضل السبل التي يمكن إتباعها للوصول إلى أهداف محددة، و تتضمن هذه السياسة ضوابط لوضع الحد من ارتفاع الأسعار ، وإجراءات لإصلاح هيكل الأجور ، وإيجاد وسائل مكافحة البطالة .
وتتضمن العملية الاقتصادية نشاطات إنسانية مستمرة التكرار و يقصد بها عملية الإنتاج و التوزيع و هذا ما يوضح اصطلاح العملية الاقتصادية ، ( اذ تعني كلمة عملية هنا نشاطا بشريا مستمر التكرار.و لا يمكن ان نشاهد نمطا من الضوابط الا في مثل هذه العملية فقط ، أي في النشاط البشري مستمر التكرار . و على وجه الدقة، ينصب اهتمام الاقتصاد السياسي على دراسة قوانين هذه العملية ، أي دراسة القوانين الاجتماعية التي تهيمن على العملية الاقتصادية ). وهذا يعني أن إنتاج السلع و توزيعها.و يسمى النشاط الذي يكيف الموارد الطبيعية و يجعلها سلعا بالإنتاج .
وتنشأ " ألعلاقات الاقتصادية بين الأفراد نتيجة للطبيعة الاجتماعية للعمل ، نتيجة لحقيقة كون عملية الإنتاج تتضمن التعاون وتقسيم العمل , وعليه تتوقف علاقات الإنتاج على العلاقة بين الإنسان والموارد الاقتصادية التي تتطور خلال عملية الإنتاج ،أي أنها تعتمد على طريقة تأثير الإنسان في الطبيعة ، وعلى طريقة نشأة الإنسان نفسه أثناء ذلك النشاط" .
ونشير هنا بأنه هناك نوعين من العلاقات الاقتصادية ،الأول يظهر في عملية الإنتاج ويسمى بعلاقات الإنتاج ،والثاني يظهر في عملية التوزيع ويسمى بعلاقات التوزيع ،فبينما تتكون علاقات الإنتاج حسب المرحلة التاريخية التي تبلغها قوى الإنتاج إي حسب طريق تطور تأثير الإنسان في الطبيعة ،تتوقف علاقات التوزيع على علاقات الإنتاج ، فتقرر شكل توزيع المنتجات في المجتمع طريقة اشتراك الناس في عملية الإنتاج الاجتماعية وهكذا تصبح علاقات الإنتاج أساس العلاقات الاقتصادية كلها ، فأثناء عملية الإنتاج الاجتماعية يقرر موقف الإنسان الفعال من العالم المادي المحدق به علاقات الإنتاج وهذه بدورها تقرر علاقات التوزيع.
وبتعرضنا للعملية الاقتصادية في أشكالها الاجتماعية المختلفة يتحدد لنا موضوع علم الاقتصاد السياسي هذا الموضوع هو الأفكار المتعلقة بالقوانين الاجتماعية التي تحكم مجموع الظواهر التي يمكن ملاحظتها والتي تكون النشاط الاقتصادي في المجتمع , وهو نشاط يأخذ شكل عملية ذات بعد زمني ومتكررة عبر الزمن . هذه القوانين الاقتصادية ، أي العلاقات التي تتكرر باستمرار بين عناصر العملية الاقتصادية ،القوانين الاجتماعية الخاصة بإنتاج المنتجات وبالكيفية التي تجد بها المنتجات سبيلها إلى أيدي الأفراد لإشباع رغباتهم. وهو ما يحدث بأشكال تختلف من مرحلة إلى أخرى من مراحل تطور المجتمع الإنساني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر التالي :
- بويبية نبيل , ماهية الاقتصاد السياسي , قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية , من على الموقع الالكتروني . https://sites.google.com/site/unisp21/ecopo2








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا