الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا و أنت (2)

هيثم بن محمد شطورو

2018 / 7 / 1
الادب والفن


كنا أسرة مبتهجة بالعودة النهائية الى تونس بعد أربع سنوات في الأجواء الصحراوية الليبية في مدينة "سبها" بالجنوب. حرارة شديدة في الصيف الذي يغطي نصف العام او اكثر.
أتـذكر أمي كيف كانت تملأ الحوض الأبيض في غرفة الحمام ليلا كي نستحم به نهارا و قد زالت حرارته الشديدة. كنا نـقضي سهرات الصيف الحارق في الحديقة العمومية ذات الاشجار و العشب و رشاشات الماء، فيصبغ الماء رائحة جميلة على المكان بفضل الرطوبة التي يبعثها في ورق الشجر و العشب و في مشاعرنا الظمآنة الى الرطوبة.
متعتـنا كانت في وجودنا الأسري خارج البيت مع بعض الأسر الأخرى فنجتمع الأطفال و نلعب. اضافة الى ذلك فقد كان أبي يأخذني أنا و أخي معه الى "النادي السوداني" و هو مقهى فسيح جدا في الهواء الطلق، فيه نافورة ماء كبيرة الحجم يتدلى فيها الماء منحنيا راقصا الى الحوض الدائري ازرق اللون. فيه كذلك ألعاب للأطفال مثل "السرسابة"، و تـنـتـشر الطاولات و الكراسي البلاستيكية البيضاء و كم هو الغروب جميل في تلك الحرارة و الماء. مازال مذاق الشاي بالحليب في ذاك النادي أتحسسه من خلال الذاكرة، و انظر كيف تحتـفظ النفس اللامادية بالمذاق المادي و لو بعد كل هذه السنوات، لذلك تُـقـنعني فكرة الخلود و أجدها منطقية جدا، لو تحرر التـفكير من المنطق الحسي.
كانت الأسرة محيط الأمان ندور في فلكه بقوة الحب وسط محيط غريب شبه عدائي. كنت طفلا مشاكسا و لكن من موقع الدفاع. ذات مرة كنت ألعب مع أطفال الجيران. قـذفت الكرة عاليا فوقعت في محيط منزل رفض صاحبه ارجاع الكرة لنا. نشب عراك بيني و بين بقية الأطفال و كأن بالأمر مؤامرة مسبقة بيني و بين صاحب المنزل الحقير. طالبني صاحب الكرة بأن أدفع ثمنها و بطبيعة الامر رفضت و تـشاجرت معه، و أصبحت المعركة بين التونسي و الليبيين حيث اجتمعوا حولي و عاركتهم بالحجر و ضربوني. أنـقـذتـني أمي من بين أيديهم و انتهت المشكلة بأن اشترى أبي كرة لهم. لكن لم تـنـتهي المسألة هنا فقط بل بمقاطعتي لهم الى غاية عودتي النهائية الى تونس و الى الأبد. لم تـنـتهي المسألة هنا كذلك، بل بالنظرة الايجابية لنفسي من نفسي كيف صارعتهم لوحدي و لم أهرب، و صحيح أنهم دشدشوا عظامي و لكني أدميت بعضهم. و صحيح أني قاطعتهم و لكنهم كانوا يهابونني و لا يقـتربون إلي..
الفكرة التي أصبحت راسخة في نفـسي هي ان لا أهرب و أواجه، فذاك وحده مبعث الرضاء على النفس. في ذلك فقط تتحقـق متعة عظيمة. متعة الاحساس الرائع بالارتـقاء..
لكن، كيف كانت ستسير الامور لو لم يشتري لهم أبي كرة جديدة ؟ هل من الممكن ان يُوجد عراك أبدي؟ انه ما لم أفكر فيه. أُسدل الستار عند ذاك الموقف الذي بنا لي قاعدة نفسية. تسير الأحداث بإيقاعها المتجاوز لنا و لذلك يجب ان نتحلى دوما بالتواضع أمام أنفسنا. ربما يتلخص الامر في مخرج مسرحي لامرئي يتسرب في كل فرد منا في فعل ما في الحياة. هذا المخرج المفترض ربما هو خارجنا و داخلنا في الوقت نفسه. لذلك فأفعالنا حرة من ذواتـنا أما نتائجها و أسبابها فإنها على ما يبدو لا علاقة لها بحريتـنا. ربما كل هذه الحيوات هي حياته التي هي حياتـنا في نفس الوقت، لذلك ينشغل الفرد منا بغيره و بأحوال العالم برغم ان وجوده الفردي قد يقتصر على خطواته التي يخطوها هو فقط..
اذا كان الامر على هذا النحو بالفعل، فمأتى احساس الغبطة و الرضاء على النفس هو الارتـقاء الذاتي الى الكلي بما هو فعل حر. و في المقابل فالإحساس بالإثم مأتاه السقوط عن الكلي الى السافل المنمحي بما هو اضطرار و نكوص عن الحرية الذاتية التي هي وحدها مبعث انوجادنا الفعلي في الوجود كفعل للذات..
الفشل في الارتـقاء بما هو ضياع الذاتي عن كليته التي تـشكل جوهره، اي ضياعه عن نفسه، اي تحوله الى شيء و الشيء بما هو لاـ ذات هو لا وجود. اذن فالفشل في الارتـقاء هو السقوط في الاوجود الفعلي و لا يصدر وجود عن الاوجود.. فكيف تطلبون من ذوات ساقطة أن توجد وجودا؟
كان لنا صديق ليبي من أسرة فقيرة تسكن في زقاق ضيق مقابل للبيت الذي نسكنه. كان أسود اللون و طيب جدا. كان أبي قد كلف وحدة النجارة في المعهد الصناعي الذي كان يُديره بخطة نائب مدير بصناعة سيفين خشبيـين جميلين لي و لأخي. كان الشغف بالسيف نتاج مسلسل "الفتوحات الإسلامية" الذي ملأ قلوبنا شغفا بحياة الفروسية و البطولة و القوة في سبيل الله. الرداء الأبيض و المعصم الذي يلفه جلد أسود و العمامة البيضاء و ركوب الخيل و امتـشاق السيف الذي هو كأنه امتـشاق الحياة برمتها عاليا و الإقبال بكل ابتهاج على الحرب. سكنني السيف فكان من أبي ان أحضر لنا سيفين. كنا ننظر الى الأب بكونه "قُل للشيء كُن فيكُن"..
كنت أحب "حسن" الطفل الليبي الاسود لأنه يوافق مباشرة على العراك بالسيف معي و لا يمل مثلي، اما أخي فانه كان يأنف من العراك و لا يوافق إلا متـثاقـلا ارضاء لي فقط. كان "حسن" يُحب لعبة السباحة على السرير و تخيل انفسنا في بحر من بحور تونس. كنت أنقله الى تونس بالكلمات و كان يبعث تلك الابتسامة المُشرقة من وجهه الطيب.. الفقير في الغربة أخي، لذلك نشأت أحب الفقراء..
تكمن براءة الأطفال ليس في طبيعة ألعابهم بل في كون اللعب هو الغاية المطلقة و الرغبة التي تبرر وجودها بوجودها فقط. فاللعب بالسيوف ذو طبيعة عنفية و لكنه بما انه مجرد لعب يستجيب لرغبة النشاط فقط و رغبة الصورة في التحقق دون غاية القتل برغم ان غواية القتال و القتل في جوهرها متعة لعبية.. كذلك لعبة الطبيب و حقن الإبر هي لعبة بريئة برغم كون طبيعتها لذوية جنسية.
كان لأبي أن اتـفـق مع صديق تونسي له و هو مدرس كذلك، أن يتـقاسم السكنى معنا في نفس البيت مع زوجته و ابنته.
كنا نُغلق باب غرفة السهرة حين نلعب لعبة الطبيب المُتـفق عليه ان يكون أنا باعتباري أكبرهم سنا و قائد الألعاب بصفة عامة. كانت الفتاة ابنة المدرس جميلة بشعرها الحريري بني اللون و بشرتها البيضاء اللينة و عيناها النجلاوان. متعتي كانت في تعريتها و تلمس مؤخرتها اللزجة و في غرس سبابتي في عدة مواضع من مؤخرتها الهلالية الشكل اللذيذة. اكتـشفت أكلا من نوع مختلف لا تهرشه الأضراس و لا يبتلعه الفم. اكتـشفت أكل الهواء اللذيذ، فتجلت متعة أقوى في أكل اللاشيء بمجرد النظر و اللمس...فانغرست فكرة أحقية اللاشيء المادي في البحث عنه..
يضحك جميعنا بسعادة عارمة حينها. فهي كانت تستمتع بالتعري و اللمسات و تعبر عن احساسها بكل أريحية و الآخرون يستمتعون بالفرجة و يطلبون تمديد وقتها بكل حبور..
في غلق الباب تـنعدم البراءة لأننا جميعنا متواطئون في لعب لعبة نعرف ان الكبار يرفضونها. و تكمن البراءة في التمتع اللذوي في ذاته دون احساس بالإثم بل الإقبال البريء على لذة عارمة مبهجة اكتسبت شرعيتها بوجودها..
حين اكتـشفت أمي اللعبة التي عنونتها بالمحرمة و منعتها من خلال التهديد بالوشاية لأبي و أبيها، تساءلت بعمق عن سبب معقول لتحريم رغبة لذوية كبرى هي ليست رغبة الرغبات في الصحراء فقط و انما في الحياة. إقـتـنعت أن دور الكبار في الحياة هو حمايتـنا و توفير الاكل و الطمأنينة لنا من جهة، و من جهة أخرى إفساد عقولنا و جعل البراءة إثما..
المهم ان قاعـدة نفـسية ترسخت في وجداني و هي التطبيع مع الجسد و اعتبار الانثى العارية ملاك طاهر نـشواني عظيم نوراني يُشع براءة و لذة و حيوية، و لم تُـفد جميع ترتيلات شيطنته من مختلف الألسنة الى اليوم في إقـناعي بعكس ذلك..ففي التعري و الاعتراف بحب المرأة العارية ممشوقة القوام و تعـشقها تعميق للصدق مع الذات و مع الآخرين..فبأي منطق تريد إقـناعي ان أي كائن بشري على الارض لا يحب المرأة العارية الجميلة و لا يشتهيها أو يتعـشقها، سواء في ذلك ذكر أم أنثى ؟؟
و هكذا فالثـقافة العامة عندنا هي عكس المنطق. هي ثـقافة تُمجد العنف. ثـقافة التـقاتل و نفي الآخر باعتباره مجدا، أما الإثم فهو المتعة و البهجة و السعادة و تلامس الذوات مع الذوات و التحام بعضها ببعض في لذة الاتحاد العظمى للأرواح و الاجساد. فأي ثـقافة هذه تجعل من الانفصام براءة و من الاتحاد إثما؟
أي ثـقافة تُعلي من شأن الكآبة و الأحزان و الألم، و تُسفل من شأن البهجة و الحبور و اللذة ؟؟؟..
أليس من حق عقلاء العالم أن يصفوا ثـقافة كهذه لا يمكن أن تصدر إلا من عقول الخفافيش؟؟ فلماذا تستغربون احتـقار الآخر لكم إن كنتم لأنفسكم تحتـقرون و تعيشون بكل إصرار مكوكي رهيب حياة النفاق و انفصال الأنا عن أناه فما بالك عن الآخر؟؟؟...
أنظر كيف ابتدأت هذه الكلمات من لعبة السيوف و الحاشية البحرية و الطبيب و الحسناء في الصحراء..
و قد تجاوزت سخافات البشر و أنت في الملأ الأعلى من الوجود الكلي، أراك كأنك تبتسم..الأكيد ان تلك الغبطة الملائكية تُـشع منك على وقع هذه الكلمات..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع