الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا و أنت ( 3 )

هيثم بن محمد شطورو

2018 / 7 / 9
الادب والفن


تجدني إلى اليوم أستهزئ لوصف أية حكومة كانت بالحكمة. فأي حكومة تدعي أنها تُمثل الكل في حين أنها حكومة عُصبة محددة. و إلى اليوم و الغد، لا يمكنك إلا ان تعترف بعبقرية "ابن خلدون" الذي عرف الحكم بكونه حكم العصبـية القوية الأكثر توحشا من غيرها، و بالتالي الأكثر إثما أخلاقيا تجاه الكل الذي تدعي انها تمثله. كل حكومة هي ساقطة أخلاقيا..
فأي حكومة لا تمارس فعلها إلا بإقصاء بقية الافراد و بالتالي فهي لا تمارس ارادة الكل.
انها اذ تحقـق مشروعها في الواقع فإنها بالضرورة تـقوم بإقصاء بقية المشاريع الممكنة، فأي انجاز في الواقع هو تحديد لفعل اشياء معينة و هو منهج معين و استـناد الى قوة معينة في فعل اي سلطة. و بالتالي فحتى المشاريع الحكومية المُباركة هي ساقطة أخلاقيا بما انها بالضرورة لا تشمل الكل او المصلحة الكلية الحقيقية، فما بالك بحكومات "الهشك بشك" ذات الهزال في القول و العمل الذي يعبر عن حقيقة سقوطها في الدرك الأسفل من الاأخلاقية و السقوطية لأنها حكومة المساومات على حساب الشعب العظيم..
و في كل الأحوال فإنه بافـتراض قيام الحكومة بتحقيق المصلحة العامة فان هذا التحقيق مهما كان فانه يكون متـناقضا مع الارادة الكلية الصرفة الغير متحقـقة و الموجودة في الافكار و النوايا العامة المتجاوزة دوما لما يتحقق فعليا.
خلاصة الامر انه لا يمكن النظر الى اي حكومة خارج دائرة الاتهام بكونها مجرمة، ذاك انها في النهاية هي فعل خارجي يتسلط على حرية الافراد. الحرية ليس بمعناها المباشر السطحي في أن أفعل ما أريد، و انما في مجمل ما يعتمل من افكار و اخلاقيات و كرامة انسانية في الوجدان و الحق بما هو فعل العقل الإنساني...
فأي حكومة هي لا أخلاقية.. و بالتالي فعلينا دوما أن نحترس لأجل نقاء مملكة الأخلاق تجاه أي حكومة، فهي عن قصد او عن سهو او حتى عن نية حسنة تعمل على إفساد مملكة الاخلاق الانسانية العظمى، لأن ظاهرة السلطة في ذاتها هي ظاهرة انتهاك لإنسانية الانسان بما هو كائن مفكر حر...
و قد كانت الشاحنة زرقاء اللون ليست مجرد وسيلة نقـل تُحررنا من مدينة التراب الليبية، و انما واسطة الخروج من العـدمية الترابـية ( التي نخرج منها و نعود إليها في النهاية كهباء منثور بشكل مطلق) الى الإنوجاد الإنساني.
كان أبي حينذاك شُعلة متـقدة بالحياة و المثالية و النقاء و القتال لأجل عالم نـقي من الدناسة. كان كأنه دائرة نور مُشعة عذبة تـشـدنا إليه. لم يكن يربطنا بالقوة المادية. لا يستعمل يديه للضرب. عيناه توحيان دوما بذاك الكائن الروحي السامي. مجرد نظرة عتاب أو غضب أو رضاء كانت كفيلة بردعك.. بعدها و على مدى سنوات العمر كانت تتكشف لي باستمرار شخصيته و أفكاره العميقة و تعلقه بالخير و ملائكية عمقه.. بعدها أدركت ماذا يعني أن تكون مثـقـفا، و أن تكون دارسا للفلسفة، و ماذا يعني أن تكون لك قضية تحرر تـناضل لأجلها دون حسابات ضيقة.. كل ذلك يعني أنك تُحرر نفسك نحو أن تكون إلاها بدورك...
الشاحنة زرقاء اللون تحملنا و تحمل أدباشنا للخروج النهائي من ليبيا بعد أربع سنوات من الغربة المريرة في مناخ عدائي، قال أبي عنه بعدها بسنوات، أن أكثر ما كان يخافه ذاك الاحساس بعدائية الوجود الخارجي على تركيـبتـنا النفـسية سواء في بناء شخصية انطوائية أو عدائية.. كان عمري ساعـتها ثماني سنوات و كان تاريخ العودة إلى الوطن الذي تمثل لنا حرية و بهجة سنة 1980.
أمضينا ليلتـنا في جانب الديوانة الليبية التي كانت تحتكم لمزاج القائد العقيد المُعمر الذي صادف ساعتها أنه يريد عقاب الدولة التونسية من خلال التونسيين. فـتـشوا كل الأدباش بدقـة متـناهية حتى أن أمي نهرتهم عن مسكهم لملابسها الداخلية، و حجزوا بعض الأدباش. ساعات لأجل طبع جوازات السفر ، و في الصباح الباكر، حين تحركت الشاحنة الزرقاء مغادرة الحدود الليبية كانت البهجة تعمر قلوبنا جميعا. و عتبنا الديوانة التونسية و كأننا على عتبات الفردوس. لم نبقى هناك كثيرا.. و لكن..لكن....
كانت الشاحنة الزرقاء واحدة فأصبحت إثنتين. نحن في الشاحنة أنا و أخي و أختي و أمي و سائق الشاحنة، أما أبي.. أبي.. القلب.. أخذوه في سيارة شرطة.
كان يبتسم لنا و هو داخل سيارة الشرطة، كان يُرسل لنا نظراته المبتهجة ليطمئننا، أما أمي و نحن فلم نكن نبكي و إنما نتمزق بدهـشة..
قالت أمي أنهم أصدقاء سيتحدث معهم قليلا ثم يعود لنا فنعود الى أنفسنا. لكن نبرتها الحزينة فضحت إرادة تهدئة الخواطر لا غير. كانت لا تـزال سيارة الشرطة أمامنا و أبي يلتـفت إلينا بذاك البريق في عينيه.. ثم غابت عنا سيارة الشرطة..
حفرت الشرطة من ذاك اليوم إسفينا في قـلوبنا. خلقت كراهية دفينة تجاهها و من ثم كراهية تجاه أي سلطة. فصلوا أبانا عنا و فصلوا بلادنا عنهم بما أن البلاد هي حريتـنا التي نشعر بها في صميم أنـفـسنا..
برغم وجوم وجوه رجال الشرطة إلا أنه لم نـتمكن من استيعاب عملية فصل أب عن أبنائه إلا من زاوية كونه عملا إجراميا لا يمكن أبدا أن يصدر عن دولة و مؤسسة دولة و خاصة دولتـنا التي نحبها و نعـشق ترابها.
لكن الأشنع من ذلك بكثير، هو تسرب ذاك الاحساس الحقير رُغما عنك وسط حالة الصدمة تلك و هو إحساس الإرتياح لكون "أنا" غير مقبوض عليه في مكان أبي. يا له من احساس فضيع و حقير هو النجاة الفردي حتى تجاه أبيك. أنكرت نفسي و قد تلمست قبحها في ارتياحها لنجاتها. أصبح وجداني جحيما و نارا تـشتعل...
لم تـنطفئ تلك النار إلا بعد نحو عشر سنوات حين قبضت علي الشرطة لتوزيعي مناشير سياسية تحض الناس للخروج للتظاهر مساندة للعراق العظيم في حربه ضد التحالف الثلاثيني..
حين قبضت علي الشرطة تملكتـني البهجة حتى أنهم كانوا مدهوشين. ساعتها فقط تخلصت من إثم ذاك الإحساس الأناني الحقير البغيض الذي فاجئني تجاه فصل أبي القلب عندنا عنا.. ليلة القبض علي تملكني احساس الغبطة الروحية الناتج عن إتحادي من جديد بأبي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع