الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة في كتاب -هكذا قتلتُ شهرزاد- جمانة حداد

رائد الحواري

2018 / 7 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


المرأة في كتاب
"هكذا قتلتُ شهرزاد"
جمانة حداد
تبادل الكتب يتماثل مع تبادل الخبرات، حيث نحصل على معرفة بطرق أسهل وبجهد اقل، كما أن النتائج الايجابية تكون مؤكدة، "فراس حج محمد" يوفر علي الوقت من خلال تقديم بعض الكتب أو نصوص أدبية، فكتاب "جمانة حداد" والتي لم أعرفها من قبل، يمثل تكملة لكتاب "نوال السعداوي" "الأنثى هي الأصل" لكن هذا الكتاب جاء يطرح حقوق المرأة الأدبية والمعرفية، أكثر منه لحقوقها القانونية، كما أنه صيغة بطريقة أدبية وليس حسب المنهج علمي/البحثي، الذي يستند على الأرقام والمعطيات العلمية البحتة.
تحدثنا الشاعرة عن المنطلقات والدوافع التي جعلتها تقدم على تذليل الصعوبات لتحقيق هدفها بإصدار مجلة "جسد" والتي تخصصت بالأدب الإيروتيكي، فهي عاشت في مجتمع شرقي محافظ، يعمل غلى إخضاع المرأة جسديا وفكريا واجتماعيا وقانونيا وسياسيا لسلطة الرجل، فالفتاة تنشأ وهي تحت (حماية الأب، الأخ، الأسرة، العائلة، المجتمع، الدولة، الدين، الطائفة" بحيث تفقد كيانها الخاص تماما، لأنها حسب المفهوم العام (حرمة)، ومن هنا ستتعرض لأقسى أنواع (العقاب) إذا ما خرجت على العرف/العادة/القانون/المجتمع/الطائفة/الدين، تحدثنا "جمانة حداد" عن شيء من هذا الظلم الواقع على المرأة: فتقول: "قمع المرأة وحجب كيانها وكتم صوتها وشل قدرتها وتسليعها في بورصة الذكر...غسل الأدمغة وتخديرها بأدوات الجهل والتخويف... انظمة مهينة تعتبر المرأة كائنا بشريا من الدرجة الثانية، وجد ليخدم، أو ليتسلى به، أو ليمتع، أو ليطيع... أنظمة تميزية ترى في المساواة بين الرجل والمرأة هرطقة.. (شرفنا هذا المرتبط حصريا بما بين فخذي امرأة)" ص2، والكتابة تستند إلى نصوص دينية من الكتب السماوية لتؤكد حقيقة أن المرأة تم التعاطي معها كشيء ناقص وأقل من الرجل، فتقول: "وأنه بين الرسل الاثني عشر، لم يختر المسيح أي امرأة...لا زال البابا متمسكا بذكورة كنيسة البطريركية" ص6، من هنا نجدها تتخذ هذا الموقف المتمرد على الفكر الديني فتقول: " ما دام من المحرم على المرأة أن تكون رأس الكنيسة الكاثوليكية، فلن اعتبر نفسي عضوة في الكنيسة الكاثوليكية، وما دام الرجال المسلمون لا يرتدون البرقع بدورهم، فسأظل أفضح البرقع كأداة قمع وإلغاء مهينة لكينونة المرأة" ص7، بهذه الحدية نجد "جمانة حداد"، فهي نصيرة المرأة لانتزاع حقوقها كاملة كما هو حال الرجل.
وإذا ما توقفنا عند ما جاء سابقا، سنجدها تطالب بحرية فكرية/سياسية/دينة اجتماعية، وأخرى حرية جسدية، بمعنى أنها تحرر العقل والجسم معا، فهي عندما تحارب "البرقع" فهو تحارب شكل من اشكال المفروضات/الواجبات التي يضعها المجتمع على المرأة ويجبرها على الالتزام به والخضوع له، وهي لا تعارض ان ترتدي المرأة أي لبس ما دامت هي من يختاره، لكنها تعارض أن يفرض عليها اللبس، ومن هنا علينا أن نفهم طبيعة التمرد عند "جمانة حداد" فتمردها وثورتها ليس على الشكل بل على الجوهر، وهي بهذا تقطع الطريق أمام كل من يحاول أن يصنفها على أنها (متحررة جسديا) وتريد أن تجعل المرأة مشاع.
لهذا نجدها تعبر عن سخطها على الواقع العربي فتقول: "أن تكون عربيا اليوم يعني أيضا... مواجهة سلسة لا متناهية من طرق المسدودة أو المأزق: مأزق التوتاليتارية، مأزق الفساد السياسي، مأزق المحسوبيات، مأزق البطالة، مأزق الفقر، مأزق التمييز الطبقي، مأزق التفرقة الجنسية، مأزق الديكتاتورية، مأزق التطرف الديني، مأزق كره النساء وتعدد الزوجات" ص12، وكأنها بهذا تقول أن المجتمع العربي لا يمكن أن يتحرر إذا ما بقى نصفه الآخر في الحياد، ولا يشارك بفاعلية لإزالة هذه المأزق التي تثقل كاهلنا وتجعلنا في حالة تقهقر مستمرة.
تقدمنا "جمانة حداد" من أهم وسيلة للثورة وللتغيير، والوسيلة المتاحة للتخفيف من وطأة ثقل الواقع عليها:
"امرأة عربية تقرأ الماركي دو ساد
الكتاب هو المكان الوحيد في العالم الذي يمكنه أن يلتقي فيه غريبان، بحميمية كاملة" مي زيادة" ص26، وهذا الوسيلة (احدى الوسائل) ـ وليس كلها ـ التي يمكن ان تستخدم للتخفيف والخروج من واقع الحال على الإنسان، فهناك وسائل أخرى، المرأة/الرجل، الطبيعة، التمرد/الثورة، وهي ما نجدها في الأعمال الأدبية، فالكثير من الكتاب يستخدمونها مجتمعة أو بعضها ليتحرروا من ثقل الواقع المفروض عليهم.
المتاح أمام المرأة العربية، خاصة تلك التي تعيش في المدينة هو الكتاب، القراءة والكتابة، لهذا نجدها تهيم ب"كنت أحلم بدوستويفسكي وسالنجر وإيلوار، أولئك كانوا الغرباء الذين اشتهيتهم وسكنوا خيالي، لا نجوم السينما ومشاهير نجوم البوب" ص27، فالكتاب، لم يعرفه، يمثل عالم آخر يحررنا من ذاتنا قبل أن يحررنا من واقعنا، ويجعلنا نعيش في عالم رحب وأفق واسع، "أحببت القراءة لأسباب متنوعة،: كنت أقرأ لأتنفس، أقرأ لأعيش (حياتي كما حياة الآخرين) أقرأ لأسافر نحو البعيد، لأهرب ن واقع مرير، لأكبت دوي انفجارات الحرب اللبنانية، لأتجاهل صراخ والدي وخلافاتهما اليومية، ...أقرأ لأفهم، لأنسج الأمل، لأصنع الخطط، أقرأ لأومن، لأحب، لأحترف الرغبة والتوق والشهوة" ص28، لهذا القراءة والكتابة هما عالم آخر لمن يريد أن يتحرر، ليمن يريد أن يخرج من بؤس الواقع وهوله.
وتدعونا إلى التقدم من عالم الكتب، مهما كانت الأفكار التي تطرحها: "لا تخشين الكتب، حتى أكثرها انشقاقا عن المألوف، حتى تلك التي تبدو "خليعة" أو "لا أخلاقية" في الظاهر...بأن القراءة هي إحدى أهم الأدوات التحررية التي يمكن أي شخص، وأي امرأة عربية معاصرة على وجه التحديد، أن يستغلها" ص32، إذا ما توقفنا عند عبارة "في الظاهر" يمكننا أن نعلم بأن "جمانة حداد" لا تريدنا أن نأخذ أو نهتم بالشكل فحسب بل بالجوهر أيضا، فيمكن أن يكون وراء الشكل الشاذ جمال، ووراء الرذيلة فضيلة، من هنا علينا ان نقرأ قراءة نقدية تحليلية وليست قراءة (شكلية/مقدسة).
الكاتبة تجد ضالتها في "الماركي دو ساد" والذي أوصلها إلى: "خيالك مملكتك، كل شيء في الرأس، كل شيء ممكن في الكتابة، شرعي النوافذ ولا تخشي أن تنتهكي وتهلوسي" ص30، هذا الاكتشاف لم يأتي بسهولة، بل جاء بعد جهد وتعب، فعلينا أن لا نمر عليه مرور الكرام.
واقعنا في المنطقة العربية في غاية البؤس، فما عاشته "جمانة حداد" في لبنان في فترة 1975 إلى 1990، عاشه السوري والليبي واليمني منذ عام 2012 وحتى الآن، وعاشه العراقي قبلهما من عام 2003 إلى غالية الساعة، إذن الحالة العربية تتكرر وتتوالد من جديد، لكن بأشكال أكثر وحشية، وأبعد مساحة جغرافية ، بمعنى أننا نتهاوى أكثر على مستوى الكم والنوع.
الحالة التي مرت بها "جمانة حداد" يمكننا أن نسقطها على بقية المنطقة العربية، فعندما تتحدث عن "لبنان" هي تتحدث عن العراق، عن سورية، عن اليمن ،عن ليبيا، من هنا نجدها ناقمة على هذه الواقع وعلى هذه الحرب/الحروب المدمرة والمهلكة: "أنا احتقر طفولتي، بودي لو أنساها برمتها، باستثناء القراءات الملهمة التي رافقتني خلال هذه المرحلة وجعلتها أخف وطأة، لن احتفظ ولو بتفصيل واحد عنها" ص 34، هل تناول "جمانة حداد" للحرب الأهلية جاء من فراغ؟ أم أنه يشير ـ بطريقة ما ـ إلى أن من يتحمل مسؤوليتها هم الذكور، ولهذا نجدها تتمرد عليهم وعلى كل ما يصدر عنهم ومنهم؟.
تقدمنا أكثر من حقيقة قيادة الذكور للمجتمع وما أحدثوه من خراب وموت، فتقول: "...حربا فتكت بالأشخاص، دمرت بيوتا وأسر كاملة، وباتت مصنعا لإنتاج الأرامل والثكالى واليتامى، حربا جعلت الوقت يمر ثقيلا، بطيئا، لكأننا في مستنقع من الوحل... حربا أحالتني إنسانية عفنة من الداخل.
هذا الجروح هي الثمن الذي يدفعه كل من وُلد، مثلي، تحت سماء بيروت" ص35، الكاتبة تصرحنا بحقيقة نتائج قيادة الذكور للمجتمع، للدولة، وكأنها بهذا تقول ـ بطريقة غير مباشرة ـ اتركوا لنا نحن معشر النساء حريتنا ـ لأننا مهما فعلنا لن نحدث ما أحدثتموه أنتم من خراب وقتل وتدمير.
وإذا كانت ما تناولته في السابق يتحدث عن حالة عامة، فها هي تحدثنا عن ذاتها، عن مديتها بيروت، فتقول: "..إلا أنني لا أشعر بأي انتماء إليها كمدينة ومكان، ربما لأنني لم أرى منها، منذ طفولتي وحتى شبابي على امتداد 15 عاما، وأكاد أقول حتى اليوم، سوى وجهها البشع، الشرير، القاسي، أي وجه الحرب، والدمار، والموت، والخوف، والقلق، والركض إلى الملاجئ، لم العلب في شوارعها، لم أتمرغ في ترابها، لم اتنزه على كورنيشها، ولم أعش غليانها" ص35، إذا كان هذا حال المرأة في لبنان، بلد الحرية والتعدد والتنوع، فكيف سيكون حالها في العراق أو ليبيا أو اليمن وحتى في سورية؟.
إذن الحرب أكثر الأعمال الشريرة التي يقدم عليها البشر، ولا يمكن أن يمحى آثارها من الذاكرة، ويبقى أثرها النفسي إلى انتهاء حياة من عاشها، ومع كل هذا كانت "جمانة حداد" قدسية في تعاملها مع الحرب، لم تقبل أن تكون "الحرب" مطية/وسيلتها لتحقيق مجدها كشاعرة:
"لم لا تكتبين عن الحرب في قصائدك؟"
فتكون إجابتي الأولى: "لست مستعدة بعد"
وإجابتي الثانية: "أخجل من استغلال الحرب لزيادة نسبة الإقبال على كتاباتي" ص36، فالكاتبة هنا تؤكد على تمسكها بالمثل والقيم حتى في حالة الحرب، والتي تجعل كل شيء مباح، حتى القتل، فالكاتبة/الأنثى في الحرب تتمسك بالقيم، حتى تلك المتعلقة بالجانب الأدبي، بينما الذكور يشعلونها ويتقدون بنارها، وهنا المفارقة الكبير بين الجنسين، الذكور والنساء.
وتقدمنا الكاتبة اكثر من ذاتها والكيفية التي تفكر بها من خلال هذا الموقف:
"سألني أحد أصدقائي مرة: "ما هو مكانك المفضل في العالم؟/ فأجبته فورا: "رأسي. وبعد فمن يدري، لعل مدينتي الحقيقية هي، بكل بساطة... أناي! (وحضن الرجل الذي أحب، عندما أكون واقعة في الغرام" ص38، الكاتب تتناول العناصر المخففة الأخرى والتي تخرجنا من قتامة الواقع، فهي تتحدث عن الرجل وعن الطبيعة/المدينة، وبما أنها تمارس التمرد/الثورة وتكتب وتقرأ، فتكون قد استخدمت كافة العناصر، لتخفيف ما علق بها من تشويهات.
ثورة "جمانة حداد" جاءت من خلال تناولها لألفاظ ومواضيع محرمة، السياسة، الجنس، الدين، الثالوث المقدس في المجتمعات العربية: "أول مرة أوردت فيها كلمة "قضيب" في قصيدة، كنت في الخامسة والعشرين... قرأها والدي... علا صوته وراح يعترض ويحتج،: "كيف تتجرئين على كتابة مثل هذه الترهات الشنيعة ثم نشرها بتوقيعك؟" فأجبته: في الحقيقة يا أبي، لقد ضقت ذراعا بسلسلة الاستعارات التي لا تنتهي، وبشتى الكنايات والألقاب المستخدمة لوصف العضو الذكري" ص40، إذا ما توقفنا عند هذا الحوار يمكننا أن نجد منطق الكاتبة هو الأصوب، فقد استنفذت الكلمات ولم يعد لها مكانة، كما أنها وجدت في استخدام لفظ "القضيب": "يتملكني شعور بالغضب والخزي والغثيان، فهي تذكرني بكم حرمت النساء في ثقافتنا من التعبير عن أجسادهن لمدة طويلة جدا، يثير حنقي الإخصاء الخبيث الذي تعرضت له" ص41، من هنا يمكننا أن نصل إلى حقيقة ما تريده "جمانة حداد"، فعلينا أن نتجاوز الشكل، المظهر الخارجي ـ رغم أهميته في هذه المسألة ـ فهي تريد أن تحصل على حرياتها كما حصل الرجل على حريته، وأن تكون نظيرة للرجل تماما، فما هو متاح له متاح لها، ورغم أن هذا الطلب يعد مرحليا، ولا يعبر عن حقيقة مطلب النساء، حقيقة غائبة عنا، أو حقيقة نحن نتعمد على تجاهلها أو نسيانها، وهي ان قيادة مجتمع الذكور أدت إلى الكوارث والخراب والموت والتشرد، فأصبح من المحتم والضروري أن يتم إزالة الذكور من القيادة وتسليمها للنساء، إذا ما أخذنا هذا الأمر بعين الاعتبار يمكننا أن نصل إلى موضوعية مطلب الكاتبة بالتحدث عن الاشياء بأسمائها.
الشاعر يكتب القصيدة أم القصيدة تُكتب الشاعر؟، تجيبنا "جمانة حداد":
"هل نحن نختار، نحن الكتاب، مواضيعنا حقا، أم هي التي تختارنا؟"
شخصيا أنا مقتنعة بكل صراحة بالاحتمال الثاني" ص45، وهنا تقدمنا الكاتبة أكثر من حقيقة وموضوعية ما تكتبه، فهي كمرأة لها جسدها ورغبات وحاجات خاصة، ولها أن تعبر عما تشعر به كتابتا/شعرا، فهي تكتب ما يمليه عليها جسدها، حاجتها: "عندما أكتب، أشعر بأنني أكتب بجسدي وعليه، بأظافري ومنها، وأن كلماتي تنفجر من مسامي وتنحفر على جلدي نفسه، إنها رحلة صيد شرسة وعنيفة ودموية بقدر ما هي مغامرة تأمل رقيقة وهامسة وخفرة كذلك قراءتي، ترن أصداؤها لحمي الحي بقدر ما ترن في عقلي الواعي واللاواعي." ص42 بهذه المشاعر وهذا المنطق يمكننا أن نتفق مع طرح الكاتبة وننحاز إلى موقفها في هذا الشكل من الكتابة، فهي أولا: إذ تتمرد على واقعها كمرأة، وثانيا: تتماثل مع حقيقة فعل الكتابة، "القصيدة تُكتبني"، وثالثا: تجعلنا نتجاوز الأفكار التي تهتم بالشكل على حساب المضمون، فترفع من مكانتنا الذهنية وتقدمنا من حالة إنسانية نقية بعيدة عن المُلوثات والتشويهات السائدة.
وتلخص لنا موقفها كشاعرة من الكتابة بهذه العبارات:
"أجل، لا يزال عرب كثيرون يتحدثون عن "طهر" الأدب وفضيلته، بينما يحرمون الكتاب حرية التعبير، هل ثمة عهر أكثر فظاعة من حرمان الكاتب كلماته؟
فلنسم الأشياء بأسمائها: الرقابة عملية اغتصاب" ص43.
"فنحن لا نكتب الشعر للحاق بركب الموجات السائدة، ولا نكتب الشعر جريا وراء أطياف الشهرة، إننا نكتب الشعر لنكون أحرارا" ص46.
وهي ترفض بشكل مطلق الرقابة، إن كانت ذاته أم خارجية، لأنها تحد من حرية التعبير عند الكاتب، وكما أنه لم يعد لها داع، فعصر النت والفضاء المفتوح جعل : "أي رقابة في زمن صرنا نحصل فيه، بكبسة زر بسيطة، على كل المعلومات التي نريد وأكثر" ص 51، وترد على موقف بعض الجهات التي تدعو إلى ضرورة التقيد بالعرف والعادة وبما هو سائد، حفاظا على (القيم والمثل)، فتقول: " العقل العربي في أزمة، ولأنه كذلك، يريد من الجميع أن يكونوا غارقين في الأزمة مثله، ... هذا العقل لا يستطيع تحمل الأسئلة" ص51.
بكل موضوعية نحن كذلك، إن كنا كمجتمع أم كأفراد، فنحن نعيش في أزمة، ونهرب من أزمة لنجد انفسنا في أزمة جديدة، بحيث صرنا نشكل أزمة مركبة ومتداخلة، وبتنا، لا يمكن أن نتحرر مما نحن فيه بالمطلق، هذا هو واقع المجتمع العربي، ومن يحاول أن (يجادل) في هذا الأمر فعليه أن ينظر إلى ما نحن فيه على كافة الاصعدة.
ولتوضيح أكثر ما تقدمه "جمانة حداد"، تحدثنا بالطريقة بسيطة عن أفكارها، لألى يُؤخذ تأسيسها لمجلة "جسد" وسيلة لتشويه أفكارها، أو لتشويه سلوكها: "اعتقد أن نموذج الأنثى التي تعامل جسدها كلحم رخيص لا يقل إذلالا وإهانة عن نموذج المرأة المحجبة، فكلاهما يمحو الكيان الحقيقي للمرأة.
أن تكون المرأة امرأة يعن إذاً أن تكون ذاتها، لا أي ذات أخرى" ص56، هذا رد على كل من يحاول اللعب على الحبل، أو يريد أن يأخذ الأمور إلى ما هو أبعد، فهي ضد الإجبار، الفرض، الغصب الذي يُمارس على المرأة، كما أنها ضد المرأة التي تفكر بطريقة ساذجة، تلك التي يفكر بها العامة، "المرأة جسد وجد للمتعة".
توضح موقفها أكثر فتقول: "إنني أؤيد كل التأييد المرأة التي تطهو إذا كان الطهو نابعا من رغبتها وقرارها الخاص، لكنني ضد المرأة التي تطهو إذا كان الطهو متوقعا منها ومفروضا عليها، لا لشيء إلا لكونها امرأة" ص59، توضيح رائع وبسيط، ويجعلنا نأخذ بالمضمون وليس بالشكل، "جمانة حداد" ليس ضد العمل/الفعل، بل هي ضد دوافع وحيثيات هذا الفعل/العمل، وهذا هو لب الموضوع، الأخذ بالجوهر وليس بالشكل.
ونجدها تأخذنا إلى حقيقة ما نفعله بالنساء من خلال اقتباس قول ل"وجيهة الحويدر" والتي تقول فيه: "سأكف عن المطالبة بحقوق المرأة السعودية حين أرى رجالا سعوديين بالغين يجرجرون إلى مراكز الشرطة حين يقودون سارتهم، وحين ترتدي المرأة السعودية ملابس بيضاء مريحة، بينما أجبر الرجل السعودي على لبس وشاح أسود، وقفازات سوداء، ورداء أسود، يحوله إلى كتلة سوداء، وحين يقال إن له مكانين في الدينا، البيت والقبر" ص63، بهذه الصرخة المدوية يمكننا أن نعترف بأن هناك ظلم مُورس ويمارس على المرأة، ليس في السعودية فحسب بل في كل المنطقة العربية، وردا على ما طرحه بعض الأفراد على أن "جمانة حداد" ما كانت لتكتب بهذا الشكل لو لم تكن من اتباع الديانة المسيحية، فتقول: "كان يجب أن تختبروا تمييز الكنيسة ضد جنس النساء، وتشهدوا عن كثب على الأصول المسيحية التي لا تقل شأنا عن الأصول الإسلامية" ص65 وتلخص موقفها من الديانات قائلة: "كل الديانات تمسي مؤذية (مؤذية لفطرتك، لنمط حياتك، لقدرتك على الاختيار، ومؤذية لصحتك) عندما تنقلها من دائرة الغذاء الروحي إلى حلقة حياتك الشخصية، حيث ستقضي، لا مالحة، على كل فرصتك في الحرية والتوازن وإصدار الاحكام الموضوعية التي كان يمكن أن تحظى بها" ص65، بهذا ترد على من يحاول أن يقفز إلى الأمام، هاربا من أن المجتمع العربي برمته، الذي يتعامل مع المرأة ككيان/كجنس ثاني، لا يمكن أن يتماثل/يتساوى فيه الرجل والمرأة بالمطلق.
والكاتبة تتقدم أكثر في رؤيتها للدين فتقتبس قال "هدى شعراوي": "عندما يقترح الدين نظيرا أنثويا لله، سأكن احتراما أكبر له حينذاك" ص69، بهذا القول يمكننا أن نختم كتاب "هكذا قتلتُ شهرزاد"، ولكنن قبل نختم نذكر بأن علينا ان نأخذ بالجوهر وليس بالشكل، بالدوافع والأسباب وليس بالفعل المجرد.
الكتاب من مشورات دار الساقي، نسخة إلكترونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م