الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قسوة ..

محمود الزهيري

2018 / 7 / 17
الادب والفن


إنها الحيرة والإرتباك والتشويش علي كل الأفكار والرؤي والتصورات المعبأة بها عقولنا التي في أدمغتنا , والتي تستشعرها بالتوازي أفئدتنا التي صارت هواء , تتلقي الشهيق الملوث , وتنفث الزفير الطائر علي أجنحة تأزماتنا وأوجاعنا وقلة حيلنا وضيق ذات اليد , وهذه الحيرة تأتي بالتزامن مع الحيرة والتشوش والإرتباك الذي صار متلازماً مع كل حركاتنا وسكناتنا , لتنتهي بالقسوة كما بدأت بها , خاصة وأن القرارات السياسية التي تصدرها السلطة الحاكمة بإسم الشعب , ومعها كافة القوانين كذلك , ليست بإسم الشعب , وليست بوزاع من ضميره وأخلاقه , وليست نابعة من إرادته الحرة المستنيرة الواعية والمدركة لإرادة القانون وصيرورة نفاذه في حق الشعب المنتمي لهذا الوطن المكلوم المحزون المثقل بالهموم والأوجاع والأحزان , فصارت القرارات والقوانين بمثابة أدوات خادمة للسلطة الحاكمة , وأدوات قهر للمحكومين الفقراء المرضي والبائسين ممن أثقلت القرارات والقوانين الإقتصادية علي كاهلهم بما لايستطيعوا معه تحمله , فصاروا كالمصابين بالأمراض النفسية يحدثوا أنفسهم بأنفسهم بأصوات مسموعة لامهموسة , ويطرحوا الأسئلة تلو الأسئلة ولا يجدوا إجابات عليها , فهذا رجل خمسيني أذلته الأمراض واحتقرته الحياة , وتسلطت علي جسده وفقره واحتياجه كل كلاب الأرض ممن يكفروا بإنسانية الإنسان , ونزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة واستبدلت بالجحود والقسوة , وهذه إمرأة شارفت علي إكتمال النصف الأول من العقد الخامس , وكأنها ممن تخرجوا إلي حياة المعاش بعد الستين , فصارت كتلة من الشحوم والدهون , اتشحت بالسواد , وغطت الرأس بخمار لايخفي ثقل الدهون علي جسدها الذي صار مترهلاً , وتجر أقدامها بصعوبة حتي يكاد يتشابه المشي مع الزحف الثقيل المنهك , وتتعاطي أدوية السكر والضغط بجانب المرض المزمن اللعين سرطان الكبد , وهذا طفل لم يكتمل عامه التاسع ومصاب بفشل كلوي , ويتردد علي الغسيل ثلاث مرات أسبوعياً , بتكاليف ترهق وتخنق إنسانية الفقراء , وهذه فتاة في بداية العقد الثالث ,ضاقت بها حياة الأسرة وسكناها المكون من حجرتين وصالة ومطبخ وحمام , ليتم إستخدام الصالة كحجرة نوم للأب والأبناء الذكور , ويتم هدم الحائط بين دورة المياه والمطبخ لتوسعة المطبخ واستخدامه حجرة نوم واستبدال الحائط بينهما بستارة من القماش , فماذا تصنع هذه الفتاة التي صارت حياتها سجن ضيق , وصار جسدها كذلك بمثابة سجن لروحها التي تسكن هذا الجسد المهدود المكدود المرهق , الشاحب من سوء التغذية وأمرض الفقر ..
أب عاجز وأم كذلك , وفتاة وقفت الحياة عند حدود عملها بمصنع الدخان , الذي أنهك صحتها وصار ت رئتيها وقلبها مخنوقون علي الدوام , فهي لاتستطيع أن تتغيب عن العمل لعلاج نفسها والمساعدة في علاج والدها ووالدتها , ومساعدتهما في تحمل أعباء المعيشة المريرة هما وأشقاؤها الصغار , لدرجة أنها كرهت الحياة , والناس , ومصنع الدخان والمواصلات والشوارع والمباني الحكومية والمستشفيات العمومية والمساجد والكنائس , وحتي أفران الخبز البلدي , حيث جسدها الساكن فيه روحها المعذبة , صار هو الآخر يتعذب من التحرش المستمر به والتلاسنات والملامسات المخجلة والخادشة للحياء العام ولحيائها كأنثي , وكأن وجودها بينهم بلا زواج منحة من القدر حيث تري والدتها ووالدها أن قطار الزواج قد فاتها بمراحل , وأن فوات هذا القطار صار لمصلحة هذه الأسرة المعذبة , إلي أن إزدادت تكاليف المعيشة , ومصاعب الحياة , وارتفاع أسعار الأدوية والعلاج , بالتساوي أحياناً وبالتوازي أحياناً أخري مع كافة السلع الغذائية وغيرها , وصارت الأسرة غير قادرة علي سداد فواتير الكهرباء والمياه والغاز , وبالطبع تكاليف فواتير العلاج والأدوية , فمرت بحالة يأس مروعة , إلي أن اختارت مضطرة طريق الجسد , وهذا مقابل مبالغ تتعاطاها لسداد هذه التكاليف , وصار الأب والأم وكأنهما لديهما العلم التام بما تصنعه إبنتهما من صنائع , تكسر الأنوف وتذل النفوس حسب الموروث الديني والإجتماعي, ولا يستطيعا الكلام معها إلا عبر نظرات الحسرة والألم , إلي أن شاهدها أحد الأشخاص من الأقرباء من ذوات المسبحة والمسواك واللحية واللباس القصير , فما كان منه إلا أن تتبعها , وتيقن من صنيعها , ليواجهها بأمرها , ويخبر أسرتها , فما كان منها إلا أن رحلت بإرادتها عن دنيا الحقراء بإلقاء جسدها المكدود تحت عجلات سيارة مسرعة , لتلقي حتفها صريعة مضرجة بدمائها المختلط بلحمها لتفارق روحها هذا الجسد , إلي حيث تريد أن ترحل , وتظل الأسرة بكاملها محرومة من نعمة الموت قتلاً بالمرض أو تحت عجلات سيارة كالتي صرعت إبنتهم , لعلهم يلتقوا بالراحة الأبدية , إلا أنهم مصابون بالرعب من تكفيرهم بإختيارهم لموتهم حسب فتوي من تسبب في مقتل فتاتهم , والتي كانت حياتها في البدء قاسية , وتنتهي بقسوة الموت قتلاً !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع