الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزوجة الثانية أثَرٌ مِنْ إرْثِ الماضي

محمد كمال

2018 / 7 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الزوجة الثانية أثرٌ مِنْ إرْثِ الماضي
الزواج جمع طبيعي جميل ، و هو مجمع إجتماعي تجاذبي للحب، بين الأنثى و الذكر ، المرأة و الرجل ؛ في ظل قانون الطبيعة و عرفها الأصيل يجتمعان ، واحدة مقابل واحد ، في بيت واحد يتآزران و يتعاونان ، و يتكاثران بالبنات و البنين : لا ضُرٌّ على الرجل يضاجع رفيقة حياته في حياته ، و لا ضُرَّةٌ على المرأة يضاجعها رفيق حياتها في حياتها؛ و لغوياً الضُرَّةُ و المَضَرَّةُ يخرجان من مصدر واحد...هكذا أمر الزواج في أعلى مراتب المجتمع البشري، مرتبة الحضارة التي تدرجت و وصلت إلى موقعها العصري الجميل بعد عناء إجتماعي تاريخي طويل ، من بدايات التاريخ و على مسار الزمن . ما كانت البدايات جميلة و لا مريحة و لا آمنة مثلما حالنا اليوم و لم تكن على مقاس معايير هذا العصر ، و لم يكن الحب بعد قد وُلِدَ بأبعاده الرومانسية التي تجمع الأنثى و الذكر في خصوصية أريحية و التي نعيشها و نستمتع بجماليتها الروحانية اليوم ، و من المؤلم لنفوسنا التي تقدس الحب أن نعلم أن هذا الحب ليس سرمدياً ، بل هو وليد التطور الإجتماعي عبر مسارات الزمن في عهود التاريخ . فقد مرت العلاقة بين المرأة و الرجل بمراحل عديدة ، من بدائية إلى أرقى، لم تتشكل بعد معها لا البيت و لا الأسرة و لا العشرة و لا الحب ؛ و في المراحل الأولى كان الطفل و الطفلة لا يعرفان إلاّ الأم ، الأم التي حَمَّلَتْها الطبيعةُ أعباء التكاثر البشري ، أما الرجل فما كان يدري أنه أبٌ ، و المجتمع برمته ما كان بعد يدرك العلاقة البيو-فيسيولوجية بين الرجل و الأنثى و التي نتاجها المولود ، ذكراً أو أنثى . كانت الحياة قاسية و القدرة على الاستمتاع بنعم الطبيعة محدودة ، و ملكوت العقل و إفرازاته الفكرية كانت في مرحلة الطفولة . بعد دراسة مستفيضة واسعة عميقة خرج العالِمٌ الأمريكي لويس مورغان المتخصص في علم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في سبعينيات القرن التاسع عشر بمعلومات حساسة و دقيقة عن طبيعة المجتمعات البشرية و كيفية تشكلها و تطورها منذ عهود ترجع إلى أعماق الماضي. و خَصَّ فصلاً كاملاً عن تاريخ العلاقة بين المرأة و الرجل في إطار التكاثر البشري و المقتضيات اللاحقة لنمو الأسرة على مسار التطور الإجتماعي و بفعل ضرورات هذا التطور ؛ و الأسرة في بداية بداياتها غير الأسرة التي نعرفها اليوم او التي تروي عنها قصص التاريخ عن الأزمنة غير البعيدة ؛ إن ألْفَ سنة قبل اليوم ليس بالزمن البعيد في قياس التاريخ ، و جميع قصص التاريخ، التي هي في متناول أيدينا، تروي لنا حياة الناس في هذا الزمن غير البعيد ، و هو الزمن الذي يصنفه لويس مورغان بالمرحلة العليا لعهد المجتمع البربري ، أي قبل المرحلة الأدنى لعهد المجتمع الحضاري... و خلاصة هذا التاريخ الذي يمتد من أعماق الماضي هي أن البشرية قبل عهدنا الحضاري قد مر بعهدين متتاليين سابقين هما عهد الهمجية و عهد البربرية ، و كل عهد يمر بمراحل عامة ثلاث هي المرحلة الدنيا و الوسطى و العليا، و في كل عهد بمرحلته إقتضت ضرورات المجتمع في حينه نمطاً من العلاقة بين المرأة و الرجل في إطار التكاثر البشري و ما يعرف اليوم بالعلاقة الزوجية؛ الزواج الجماعي بأنماطه المختلفة كان يلائم عهد الهمجية ، و الزواج الثنائي كان يلائم العهد البربري ، و الزواج الأحادي يلائم عهدنا الحضاري ؛ و بين الزواج الثنائي و أحادية الزواج تتسرب في المرحلة الأعلى من البربرية سيادة الرجال على النساء و يتواصل نمط تعدد الزوجات، و هذا النمط هو أثرٌ من الماضي البربري يتسرب إلى الحاضر الحضاري ، و هو نمط شاذ في العهد الحضاري . و قد عرف العرب في مراحل ما قبل الإسلام أنماطاً من الزواج قريبة من العهد الهمجي و العهد البربري ، و قد حرم الدين الاسلامي معظم تلك الأنماط و أبقى على نمط تعدد الزوجات و الذي يعود الى المرحلة العليا من العهد البربري ، و كان المجتمع في حينه يمر بالمرحلة العليا من عهد البربرية ما قبل المرحلة الدنيا ، أو المرحلة البدائية من عهد التحضر و الحضارة ، و لا عجب في ذلك لأن الزمن كان جمعاً بين بداوة سائدة و حضرية وليدة. هذا من الجانب التاريخي ذات العلاقة بتعدد الزوجات ، فالملخص التاريخي هو أن تعدد الزوجات هو ممارسة إجتماعية تعود إلى العهد البربري في مرحلته العليا ما قبل العهد الحضاري في مرحلته الدنيا ، و نحن الآن في المرحلة الأولى من عهد الحضارة حيث مازالت بقايا من ممارسات عهد البربرية تتسرب إلى الحضارة الوليدة.
العهود التاريخية من همحية إلى بربرية و إلى حاضرنا الحضاري مرتبطة بأنماط من ممارسات إجتماعية تنسجم مع العهد التاريخي ، فمثلاً في العهد الهمجي كان الأمر طبيعياً مع الزواج الجماعي ، و في العهد البربري في مرحلته العليا كان تعدد الزوجات أمراً طبيعياً مقبولاً ، فأفراد المجتمع في حينه و أفراد الأسرة الواحدة ما كانت تنفر أو تستنكر أن يكون للزوج زوجة ثانية أو ثالثة و رابعة ؛ الزوجات و الأبناء في الأسرة الواحدة كانوا يتعايشون تحت ذاك الظرف من تعدد الزوجات في إنسجام و وئام. بينما العهد الجديد ، عهد الحضارة، مع التطور الإجتماعي ، و الثورة الصناعية ، و صعود النظام الإقتصادي-السياسي الرأسمالي على أنقاض النظام الإقطاعي ، و دخول المرأة مجال العمل و الإنتاج بجانب الرجل خلق واقعاً إجتماعياً جديداً ؛ فقد تزامنت ثلاث ثورات في العملية التاريخية و نقلتها النوعية من البربرية إلى الحضارة و من الاقطاعية الى الرأسمالية ، و هي الثورة الصناعية و الثورة الإقتصادية-السياسية و الثورة الإجتماعية. و الثورات الثلاث هي نتاج بعضها البعض ، و ليس نتاج تسلسلي زمني. الثورة الإجتماعية حملت معها جوانب حقوقية لم تكن معروفة في العهود السابقة، و من أهم هذه الحقوق هي حقوق المرأة في مساواتها بحقوق الرجل ، فصار للمرأة مكانة جديدة ، و هذه المكانة طورت من بناء الأسرة ؛ أسرة من تعدد الزوجات إلى أسرة أحادي الزوجية ، أي زوج واحد و زوجة واحدة فقط لا زوجة ثانية. في هذا العهد الحضاري و مع هذه الثورة الإجتماعية أصبحت الزوجة الثانية من ممارسات الماضي التي لا تنسجم مع الواقع الجديد في عهد الحضارة، و بقاء هذه الممارسة هو أثر من إرث البربرية المنقرضة ، و بالنتيجة فإن تعدد الزوجات يعد ممارسة شاذة و غير مقبولة إجتماعياً . لهذا السبب نرى أن الذين يسعون إلى الزوجة الثانية يواجهون مشاكل أسرية عميقة ؛ فالزوج الأب يصبح في وضع غير مريح و شبه منبوذ ، لأنه مع الزوجة الثانية يواجه رفض الزوجة الأولى و إستنكار الأبناء ، و حتى الأفراد في المحيط الإجتماعي القريب من تلك الأسرة يستنكرون هذه الممارسة التي لا مسوغ و لا مبرر لها سوى ممارسة تعداها الزمن ، و نزوة كبحت هيجانها الوضع الحقوقي الجديد و المتطور للمرأة. إذاً فالجانب الإجتماعي يتناغم مع الجانب التاريخي في رفض مفهوم الزوجة الثانية ، و إعتبار الزوجة الثانية ، و تعدد الزوجات عامة، من الممارسات الشاذة في عهد الحضارة، و بقاء هذه الممارسة هو من موقع حداثة عهد الحضارة ، و المتبقي من ممارسات المرحلة العليا للبربرية في المرحلة الدنيا من عهد الحضارة هو تسريبات بعضها قسرية و أكثرها خجولة ؛ و هذا يعني أنه عندما تنتقل الحضارة من مرحلتها الدنيا إلى المرحلة الوسطى فإن البربرية تكون قد إنمحت بالكامل ، و تكون الحضارة في مرحلة التماس بين المرحلة الدنيا و المرحلة الوسطى ؛ و عندها تكون الممارسات التي تجيز الزوجة الثانية شيئاً من التاريخ .

محمد كمال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا