الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل بنية النظام السياسي المغربي -- على هامش رسالة مستشار الملك السيد عباس الجراري ( 1 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية





مؤخرا نشرت العديد من المواقع الالكترونية خبرا مفاده ، ان مستشار الملك السيد عباس الجراري ، حذّر من الحراك الشعبي الذي يعُمّ كل المغرب ، متوجسا من مخاطر تهدد النظام العام والاستقرار ، وموجها الانتقادات ، ومحملا المسؤولية الى (الأحزاب السياسية) ، والى (الحكومة) ، والى (المثقفين) ، و متناسيا ، او جاهلا ، او متجاهلا العنوان الحقيقي الذي كان عليه ان يوجه اليه خطابه ، وتحديد المسؤول الأول والأخير عن كل المشاكل التي يعرفها المغرب في كل الميادين ، من اجتماعية اكثر من متدهورة ،الى اقتصادية اكثر من مفلسة ، الى ديمقراطية صورية .
فكيف للسيد المستشار ان يترك الذئب ويتحامل على الحمَلِ ، وكيف له ان يطلب من فاقد الشيء ان يعطيه . فهل السيد المستشار على دراية بطبيعة الوضع الداخلي ، وبالوضع الذي بلغته قضية الصحراء في المحافل الدولية . فإذا كان يعلم فتلك مصيبة ، وان كان يجهل فهي مصيبتان ، لكن لي اليقين ان السيد المستشار ، على دراية كاملة بالحقيقية ، لكن للأسف يراوغ لإبعاد المسؤولية عن السبب والمتسبب فيه ، وللتعويم والتضبيب ، يلجأ الى الحائط القصير الذي لا حول ولا قوة له .
ولي ان أتساءل : من يحكم في المغرب ؟ من يسيطر على كل السلطات ، من تنفيذية ، وتشريعية ، وقضائية ، وباعتراف عبدالاله بنكيران لمّا كان وزيرا اولاً ؟ وبما ان السيد المستشار حمَّل الحمَل المسؤولية فالسؤال : هل هناك أحزاب بالمفهوم المتعارف عليه كونيا ، وهل هناك حكومة تشبه نظيراتها في الدول الاوربية ، وهل هناك مثقفون مرتبطون بالهمِّ القضية التي هي الوطن .
1 ) وبالرجوع الى الأحزاب والدور الدستوري الذي يجب ان تقوم به ، فانه تم افراغها من وظيفتها السياسية والأيديولوجية ، ولتتحول الى دكاكين تتسابق على ريع البرلمان والمقاعد الحكومية .
حقيقة ان المخطط لتفريغ الأحزاب قد بدأ مع المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ، بتوجيه من الحسن الثاني . نعم ، ذاك المؤتمر كان بهدف القطع مع ماضي الاتحاد الراديكالي ، بتحويل الحزب الى حزب ملكي يدور في فلك النظام لا خارجه ، وكان بهدف استعمال الحزب كحزب ( اشتراكي ) في مشروع إعادة الصحراء ، خاصة وان الحزب كانت له علاقات مع الأحزاب الاشتراكية الاوربية ، ولم تعد الآن ، كما كان الهدف وهو على الأمد الطويل ، تفتيت الحزب الى جماعات متناثرة هنا وهناك ، الى ان انتهى به الامر اليوم كعلامة تجارية في ملك ادريس لشكر الذي اصبح رافدا من روافد النظام ، لكنه رافد جاف لا مياه تجري فيه .
كذلك الكل يتذكر حزب التحرر / التقدم والاشتراكية حتى وفاة علي يعته ، ويتذكر منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي تم بيعها بدون مزاد علني......لخ . فالسؤال : لماذا أصبحت الأحزاب فارغة وتحولت الى صدفيات وقشريات فارغة ؟ . من قتل الأحزاب وحوّلها الى اطلال يتباكى بعض النوستالجيون على ماضيها ؟ اعتقد ان الجواب واضح ، والسيد المستشار لا ولن يملك الجرأة على الإجابة . ونحن نقول ان المسؤول هو النظام ، نظام الشخص ، والزمرة الكمشة البوليسية الملتحفة به ، والتي زيّنت له كل شيء حين صورت له الواقع على غير حقيقته ، حتى يثبتوا ويغرسوا في نفسه فوبيا الشعب ليزداد ارتباطا بهم ، ممكنا إيّاهم من رقاب المغاربة ومصير المغرب ، الذي اصبح يعيش الازمة الكبرى ، وباعتراف رأس النظام الذي اعترف بفشل نموذجه التنموي ، وبما ان كل تنمية هي سياسة ، يكون رأس النظام قد اعترف بفشل نموذجه السياسي ، لكن للأسف لم يطرح أي بديل عن هذا الفشل ، اللهم ارسال احرار وشرفاء الشعب الى السجون بمحاضر بوليسية مزورة ، كما كنت ضحيتها انا كذلك فيما سبق .
ان من مهزلة الأحزاب القشريات التي تلهت وراء الريع ، وبعد ان فقدت كل مكونات وأسباب وجودها ، هو حين رفضوا بالبرلمان التصويت على قانون التصريح بالممتلكات ، وصوتوا على تقاعدهم المريح ، في الوقت الذي دمروا تقاعد الموظفين المدنيين ، رغم ان الجهة التي ابتلعت التقاعد المدني معروفة ، لكن لا احد يملك الجرأة والشجاعة على ذكرها بالاسم .
2 ) اما عن تحميل الحكومة المسؤولية ، وهي حكومة الأحزاب التي شاركت في الانتخابات ، فالسؤال منذ متى كانت هذه تقرر في السياسة العامة للدولة ؟ فحتى الحكومة التي ترأسها الأستاذ عبدالله إبراهيم ، تم الانقلاب عليها حتى لا تلعب دورا رئيسيا في عملية استعادة الصحراء التي وافقت عليها اسبانيا ، وحتى لا تحسب عليها وتعتبر احدى اهم إنجازاتها التاريخية .
فقبل اجراء الانتخابات ، تُنظم حملة انتخابية تشارك فيها الأحزاب ، وكل حزب يعِد منتخبيه ببرنامجه الحزبي الذي سيتولى تطبيقه ، فهو وعْد للناخبين . لكن بمجرد انتهاء العملية الانتخابية ، وعند تشكيل الحكومة بالطرق المعروفة ، حتى تغيب مباشرة برامج الأحزاب الانتخابية التي قد تعتبر نوعا من التعاقد مع المصوتين لصالحها ، وليحل محلها مباشرة برنامج الملك الذي تتنافس جميع الأحزاب في السبق ، ليحصل لها شرف تطبيقه .
فإذا كانت هذه هي الحقيقة ، فالسؤال إذن . لماذا الأحزاب أصلا ، ولماذا الانتخابات ، ولماذا البرلمان ؟ فكان على رئيس الدولة ان يختصر كل هذه التكاليف ، والجهود ، والزمن في تشكيل حكومة هي حكومته ، التي يكون عدد الوزراء المنتمين اليها ، لا ينتمون الى الأحزاب التي شاركت في المسرحية كما هو الحال اليوم.
فعندما تكون الحكومة تنفد برنامج الملك ، فلماذا يحملها مستشار الملك المسؤولية عن كارثة الاقتصاد ، وعطب الوضع الاجتماعي ، وغياب الديمقراطية ؟ فكان على السيد عباس الجراري ، ان يوجه خطابه الى العنوان الحقيقي الذي يتحكم صاحبه ، ومن خلال زمرته كمشته البوليسية في كل مفاصل الدولة والشأن العام ، وخاصة وانه اعترف بفشل نموذجه التنموي والسياسي وامام الملء .
ان المسؤول الأول والأخير هو نظام الشخص ، والزمرة البوليسية المتنفذة ، وليس الحكومة الفاقدة للصلاحيات ، والتي لا تملك الاّ تطبيق برنامج القصر ، لا برنامجها الغير موجود أصلا .
3 ) وبالنسبة لتحميل ( المثقفين ) المسؤولية عن قتامة الوضع ، فالسؤال كذلك . من قتل المثقفين وحولهم الى وديعين ليّنين تعيش على ما تتفضل عليهم به الدولة من فتاة ؟ الثقافة والمثقف قضية ، وحين تغيب القضية يغيب المثقف ، ويتحول الى مجرد صُدفة فارغة تزمر للسلطة وللدولة ، بعد ان يكون قد قطع حبل السرة مع الشعب ومع البلد . فاين نحن من مثقفي الستينات والسبعينات وحتى النصف الأول من الثمانينات ؟ فمن قتل القضية ، ومنها قتل المثقف ؟
وباختصار من المسؤول عن قتل الأحزاب وقتل الحكومة وقتل المثقف ، قبل تحميلهم فشل مشروعات لا ناقة ولا جمل لهم بها ؟ لماذا يطلب مستشار الملك من فاقد الشيء ان يعطيه ؟


ان مستار الملك حين تساءل وهو يوجه خطابه الى غير عنوانه الحقيقي ، لم يسأل نفسه عن سبب خروج الشعب الى الشارع ، ولم يكلف نفسه عناء البحث عن المتسبب في التدهور العام للأوضاع ، كما لم يكلف نفسه عناء طرح السؤال عن الفشل في ملف الصحراء .
ونحن نقول له . ان السبب هو الفساد المستشري على نطاق واسع في جميع المجالات ، انه الظلم والاعتداء على الناس بمحاضر بوليسية مزورة ، وادخالهم الى السجن ظلما . وهنا من يقف وراء الاعتداءات على الناس ، وانا كنت احد ضحاياها ، حين ادخلني كل من مستشار الملك فؤاد الهمة ، والوزير المنتدب في الداخلية السابق الشرقي ضريس ، والمدير العام للأمن عبداللطيف الحموشي ، ووزير الداخلية عبدالواحد لفتيت الى السجن بمحضر بوليسي مزور عشت كل اطواره من بدايتها الى نهايتها . وماذا عندما لم يكفيهم سلب حريتي وانتقلوا الى تحريض المجرمين للاعتداء عليّ في السجن ، وهذه جناية مكتملة الأركان ، بل وحسب ما صرح لي به الأستاذ المحامي طارق السباعي ، فقد ضغطوا على المحامين كي لا يترافعوا لصالحي في المرحلتين الابتدائية والاستئنافية . بل ان المحامي حسين غرتي صرح لي قائلا : { ان نائب وكيل الملك الذي رافع ضدي في المرحلة الابتدائية اعترف له قائلا " الغالبْ الله هادْ الشيّ راهْ جايْ من الفوقْ " وأضاف ان وزارة الداخلية ووزارة العدل ينسقان تدبير الملف بما يرمي بي في السجن ، والغريب انهم في كل اطوار المحاكمة ، المسرحية ، كانوا يضعون امام ايدي القاضي دراسات سياسية نشرتها بانتظام في الموقع الالكتروني – الحوار المتمدن ، وبحائطي الفيسبوكي . } . فهل ما تعرضت له من اعتداء وهي جناية لن اسكت عنه ، كان بأمر الملك صديق فؤاد الهمة ، ام حصل بمباركته ؟ .
في نظام الشخص يغيب القانون بالمرة ، ويعوض تسيير الدولة فقط بقانون المَزاج ، وقانون ولوْ طارتْ معْزة ، وقانون عفا الله عمّا سلف . لكن في الدولة الديمقراطية ، دولة المؤسسات ، تكون السيادة فقط للقانون ، وللمساواة في تطبيق القانون ، ولعدم الإفلات من العقاب ، وممارسة المسؤولية بالمحاسبة .
ان نظام الشخص والزمرة الكمشة الملتفة حوله ، هم السبب فيما يجري اليوم بالمغرب ، وهم من قتل الأحزاب ، وقتل الحكومة ، وقتل وشوّه المثقفين . وحتى نكون اكثر إلماما بنظام الشخص والزمرة ، وحتى نوضح ما يجب توضيحه للسيد المستشار الذي يجب عليه ، ومن المفروض فيه ، ان يقصد بخطابه العنوان الحقيقي ، وإنْ ملك الجرأة ، لأنها مهمة المستشار ، ان يخبر رأس النظام بما يجري ويدور ، لتحميله المسؤولية المباشرة التي يفرضها عليه وضعه القانوني ، سنحاول تحليل بنية النظام ومنه بنية الدولة ، على ضوء اعتراف رأس النظام بفشل نموذجه السياسي التنموي ، دون طرح البديل لهذا الفشل الذي هو سبب المسيرات الشعبية بكل ربوع المغرب ، والانتفاضات التي تحصل هنا وهناك .

منذ استقلال " إيكس ليبان " ، وكل المهتمين بالشأن العام يطرحون الأسئلة المتوارثة حتى اليوم ، عن شكل الدولة الممسكة بيد واحدة لكل السلطات من تنفيذية ، وقضائية ، وتشريعية .
لكن ورغم كثرة الأسئلة ، فان الأجوبة غالبا ما كانت مبهمة في أحيان ، و ضبابية في أخرى . فجميع المتدخلين يجمعون على ان بالمغرب دولتين ، دولة عميقة صاحبة السيادة والسلطان ، ودولة هجينة تمارس تنفيذ أوامر الدولة العميقة . لكن ما قيمة هذا الإخراج الخارج عن النص ، والمتعارض مع ما ينطق به الواقع الذي لا يرتفع .
فمن خلال تحليل كل التطورات التي مر منها المغرب منذ سنة 1956 ، فإننا لا نجد شيئا يسمى بدولة عميقة ودولة غير عميقة ، بل ان ما نجده ، هو وجود نظام يسمونه مرة بالدولة العميقة ، ومرة بالمخزن . اما الحكومة فهي تلك التي تباشر تصريف الاعمال طبقا للخطط الاستراتيجية للنظام . فالحكومة هي حكومته التي يعينها بالطرق المعروفة ، وليس هي دولة ثانية الى جانب ما يطلقون عليه بالدولة العميقة .
إذن هناك نظام يسيطر على الدولة ، وله حكومته التي يعينها بعد انتخابات ، لتزيين الواجهة امام الغرب العارف بحقيقية ديمقراطية النظام ، وحتى يستمر في ضمان عطاءات الدول المانحة ، و حتى يزين الواجهة ( الديمقراطية ) اللاّديمقراطية المفضوحة منذ زمان ، وحتى يتفادى الضغوط حول حقوق الانسان المهضومة ، ونزاع الصحراء الذي لا يزال مهددا للنظام بمخارج قد تكون قاضية .... ، وليس هناك ما يفيد بوجود دولتين ، إحداهما عميقة والأخرى غير عميقة .
فمن يؤدي القسم عند تعيين أي حكومة ، هم وزراء الأحزاب الذين عينهم الملك ، وليس وزراء دولة أخرى توجد الى جانب الدولة العميقة . بل الملفت للنظر ، انه لم يسبق ان سمعنا قيام دولة الظل او حكومة الظل بأداء القسم ، ولم يسبق ان سمعنا بتعيين وزراء ، لا ينتسبون الى النظام الذين سيصبحون وزراء له ، اكثر منهم وزراء لأحزابهم التي تؤثث المشهد السياسي كما يرغب النظام في ذلك ، بل ابعد من ذلك ، فرغم ان الحكومات تتكون من وزراء ينتمون الى الأحزاب الملكية التي شاركت في الانتخابات ، الاّ ان أكثرية الوزراء هم غير منتممين للأحزاب ، وهم ما يطلق عليهم بوزراء ( السيادة ) ، ولنا ان نتساءل من جدوى تنظيم الانتخابات ، إذا كان عبدالاله بنكيران قد صرح بان فؤاد الهمة لعب دورا رئيسيا في تأثيث الحكومة ، وصرح علانية ان الذي يحكم ليس هو بنكيران ، بل الملك الذي يعاونه بنكيران ، ولا يشاركه الحكم .
لكن التساؤل : من اين يملك الحاكم سلطة القهر ،والضبط ، والسيطرة على المجتمع ، أي منْ ماذا يستمد قوته الضاربة في قلب الدولة والمجتمع ؟
بالرجوع الى تتبع اصل المشروعية التي يحكم منها وبها النظام ، فإننا سنصطدم بحقيقية لا يجهلها الاّ من يفتقد حس التمييز والتدقيق المميز للدولة المغربية .
ان هذه الحقيقية هي ثيوقراطية واوثوقراطية النظام ، الذي يرجع كل شيء الى السلطة البتريركية التي يبحث عنها الناس في مملكة الخوف والرعب . فبفضل الأبوية المفروضة على المجتمع المتخلف ، وبسبب خيانة ( النخبة ) التي تم رميها خارج اصوار توارگة ، وهي أبوية مسنودة بالتقاليد المرعية ، وبالتراث والعرف ، فان النظام يتصرف بالمزاج الذي يركز كل شيء على التقليد والمحافظة ، أي الطاعة " وأطيعوا أولي الامر منكم " . ومن ثم سنجد حتى ما يسمى بالدستور العصري ، وهو ممنوح ، يحيل الى الدين في ضبط المجتمع ، ومن ثم سيصبح الدستور هذا ، امتدادا لدستور عرفي يحكم به الحاكم بأمر الله ، الذي هو عقد البيعة الأبلغ والاقوى من الدستور الممنوح . ففي حالة التعارض بين الدستور الممنوح وبين عقد البيعة ، فحق الترجيح ، والاولوية ، والاسبقية يعطى لعقد البيعة ، لا للدستور الممنوح .
إذن الحاكم يستعمل الإيحاء الديني في الدستور الممنوح ، ويستند على الدستور الديني غير المكتوب الذي هو عقد البيعة في السيطرة على الدولة ، وعلى المجتمع .
وبالرجوع الى الدستور المستفتي عليه ، سنجد انه لا يكتفي فقط بتركيز كل السلطات بيد الحاكم ، بل يذهب الى ابعد من ذلك ، حين يعتبره الممثل الاسمى للامة ، وليس للشعب . واذا كان المبتغى من لفظ الامة الإحالة الى الدين ، فان اعتبار الحاكم في عقد البيعة اميرا ، وإماما ، وراعيا ، إضافة الى كيفية المراسيم المذلة في عيد العرش ، والخطاب الذي يوجهه الحاكم كأمير ، وإمام ، وراعي كبير الى ( ممثلي ) الامة في ثاني جمعة من كل شهر أكتوبر، ونوع اللباس المخزني الذي يرتديه ممثلو ( الامة ) ، يجعل من النظام السياسي المغربي نظاما فريدا لوحده في العالم ، أي نظاما مغلقا غير مفهوم وغير واضح المعالم .
فالجمع بين الدستور الممنوح ذي الإيحاءات على الدين ، وكامتداد لعقد البيعة غير المكتوب ، هو ما خلق عند السياسيين والباحثين تضاربا في الخلط بين الدولة العميقة ( وهذه غير موجودة ) ، وبين الدولة غير العميقة ( وهذه كذلك غير موجودة ) ، لان ما هو موجود في الحالة الأولى هو النظام ، وما يوجد في الحالة الثانية هي حكومة نظام . فالحكومة هي حكومة الملك ، والمعارضة هي معارضته كذلك .
إذن النظام وبخلاف ما يشاع ، هو من يقرر في السياسات ويرسمها ، وهو الذي يتحكم في بالعملية الاجتماعية ويسخرها لمصلحته ، وهو الذي يشرف بواسطة اجهزته البوليسية المختلفة ، على سير تطبيق السياسات تحت اشراف الحكومة التي بها وزراء يتبعون مباشرة القصر، و لا علاقة لهم بالأحزاب التي خاضت الانتخابات ، والتي هي كذلك احزاب ملكية .
في مثل هذه الأنظمة الفريدة من نوعها في العالم ، والمثيرة للأسئلة المتعددة والمحرجة ، يصبح الحاكم ( الثيوقراطي ) ( الاثوقراطي ) حاكما بأمر الله ، لا بأمر الشعب الغير الموجود ، لان الموجود هم رعايا في ملك الراعي الكبير ، كما ان الحاكم وحده يصبح الممثل الاسمى للامة ، وليس للشعب .
هنا يتحول الحاكم الأمير ، الامام ، والراعي الكبير ، الى فرد او شخص فوق الجميع ، ومهاب من الجميع ، واي معارضة له ، هي معارضة للدين ولله ، تسقط أصحابها في اتهامات الشرك ، والخروج عن طاعة ولي الامر ، حتى ولو كان طاغية ومستبد ، لان الله هو الذي أراده وفرضه على العالمين .
في مثل هذه الأنظمة المكبلة بالتقاليد المرعية ، وبالطقوس التي تحيل على العصور الحجرية ، والفارضة للطاعة القسرية ، رغم ان الحاكم بأمر الله يبدو انه المستأثر الأول بمقاليد الحكم ، الاّ انه لا يستطيع ذلك ، الاّ إذا كان مسنودا بجماعة تأخذ شكل عصابة ، تتحكم في كل كبيرة وصغيرة بالإمارة ، او الدولة .
ان هذه الكمشة من الافراد المحسوبة على رؤوس الأصابع ، هم المشرفون المباشرون على كل أجهزة الدولة البوليسية العلنية والسرية ، وهم لهم ارتباط وولاء مصطنع ليس للدولة ، بل لشخص الأمير ، الراعي ، والامام ، ولا علاقة لهم بالشعب ، الاّ بزرع فوبيا الشعب في نفس الأمير المضطرب ، قصد تخويفه ليزيد ارتباطا بهم ، ويستمر في تمكينهم من التحكم ، والاستفراد برقاب الشعب ، حتى يستمروا في نهبهم وتكديسهم للثروات بطرق غاية في الخسة والحقارة .
ان مثل هذا الحاكم بأمر الله لا باسم الشعب ، والممثل للأمة لا للشعب ، والكمشة المنافقة الكاذبة المحيط به ، التي تزين له كل شيء على المقاس ، يصبح دورهم الحقيقي ، لا يختلف عن صفة رؤساء أجهزة بوليسية ، اكبر من صفتهم كرؤساء دولة او نظام . ، ولهذا تجدهم دائما يقلصون بنية الدولة وعملها ، ويختزلونها على مستوى بينة الأجهزة العسكرية ، والجدرمية ، والبوليسية المختلفة ، وعملها الضبطي القسري للمجتمع .
وإذا كانت علاقاتهم بالمجتمع قائمة على صعيد ما ، فإنما هو صعيد القمع المكثف والمتواصل للمجتمع من جهة ، وصعيد نهبه وسرقته بطرق مختلفة كخدام الدولة ، وهو النهب الذي ينفخ جيوبهم من جهة ، ومن جهة يؤمن حسن سير آلة الأجهزة البوليسية المختلفة من جهة أخرى .
في دولة ( ثيوقراطية ) و( اثوقراطية ) ، وبتريريكة ، وباتريمونيالية ، واوليغارشية ، وكمبرادورية كهذه ، يتحول الحكم من تعبير وطني حيال الخارج ، الى تعبير خارجي حيال الوطن ، وترتبط مصالح الزمرة الحاكمة ارتباطا إيجابيا بالخارج الامبريالي ، في حين تقطع الروابط الاجتماعية الإيجابية مع الداخل الوطني ، لتحل محلها روابط سلبية ذات طابع عدائي ، يتزايد يوما عن آخر ، ويقوم على اعتبار اية احتجاج يصدر عن الشعب ، او يصدر عن احد قطاعاته ، او شرائحه ، او فئاته ، او حتى من مجموعة افراد منه ، عملا معاديا ، ويكيفونه انه ضد الامام ، الراعي ، والأمير ، وعملا عدائيا ضد الله ، وضد الدين ، ومؤامرة لا بد من قمعها ، وان اقتضى الحال اغراقها في بحر من الدم . لان الارتباط والتشبث النفاقي بالأمير ، وبنظامه ، يجعل منهم وحوشا سادية ، مُكشرة عن عداوتها في كل وقت وحين .
ان من مزايا هذه العدوانية المكشرة عن انيابها الصدأة ، لها إيجابية لا تشعر بها او لا تستشعرها ، وهي انها تلعب دورا إيجابيا لذا نفسية الشعب ، في خلق وعي ثوري يجعل أي تماس او احتكاك مع الدولة ولو كان بسيطا ، هو معركة حقيقية وصراع طبقي ، لان هذه الدولة القائمة على الغاء السياسة وعالمها الاجتماعي ، والمتحفزة لقمع أي تحرك مهما كان بسيطا ، هو معركة حقيقية يجب خوضها بكل الاشكال ، بحيث لا يمكن التعامل معها الا بأحد الشكلين : الخضوع او التمرد . وما دام الخضوع هو عدم القيام بأية نشاطات سياسية ، او اجتماعية ، او اقتصادية ...لخ ، خارج نشاط الدولة ، فان التمرد يبدأ باي شكل من اشكال هذه النشاطات .
في مثل هذه الأنظمة الفريدة في العالم ، باسم خصوصية مفترى عليها ، وحيث الغياب الكلي للديمقراطية التي تبني كل شيء على الشفافية والمحاسبة ، يتم كل شيء بنقضيه ، حتى لا يفرض وجهه المتناقض مع طبيعة الدولة الغارقة في الاستبداد الشرقي . هكذا يتم تمييع مفهوم الشعب ، ومفهوم الديمقراطية بربطها بالأشخاص لا بالمؤسسات ، والقوانين الكونية ، وبالمقابل يزداد قمع وبطش آلة البوليس الجهنمية ، بأكذوبة ( بدعوى ) الدفاع عن الأمير الراعي ، والامام الذي هو فوق كل اعتبار .
اما بالنسبة لتمييع مفهوم الشعب مع مفهوم الدولة المستبدة ووظيفتها ، فالشعب لم يعد تلك الكتل الجماهيرية العريضة الموزعة الى طبقات ، عاملة ، او فقيرة ، او حتى متوسطة ، بل صار تلك القاعدة الاجتماعية الضيقة ، المكونة من الرعايا التي تساند الدولة ( الاثوقراطية ) بحكم مصالحها الضيقة ، مضافا اليها الجهاز البوليسي بكل تفرعاته واشكاله ، الغارقة في الأساليب الفاشية المختلفة .
وهنا ، فما دامت الدول المستبدة قد انقطعت عن ان تكون تعبيرا عن المجتمع ، فان المجتمع بدوره بأحراره ، وشرفائه ، يقلع عن ان يعتبر الدولة تعبيرا عنه . هكذا يحل " شعب الدولة " محل " شعب المجتمع " . وشعب الدولة هو تلك الشرائح التي تستطيع الدولة جرها الى صفها ، عن طريق إعادة توزيع الدخل الوطني ، او تلك التي تكلف بتنفيذ او تقرير سياسة الدولة الداخلية والخارجية .
في رأس هذه الشرائح ، تأتي الكتل الكبيرة المجندة في الأجهزة البوليسية المقيتة ، او زمر من العاملين في الحياة الاقتصادية والإدارية . كما لا ننسى دور الحثالات ، والشمكرة المجندين وراء الأجهزة البوليسية ، من عيّاشة تأخذ أسماء مختلفة ، مثل إسم الراعي ، الامام والأمير ، وهي القاب تسيء اليه ،اكثر مما تنفعه في شيء ، كما ان الطبيعة التكوينية الجرمية لهؤلاء ، قد تكون غدا ، اهم خطر يهدد ويتهدد دولة الأمير ، الراعي ، والامام .
فبهذه الصورة إذن تصبح الدولة البوليسية وليس المجتمع ، مركزا لفرز الشعب ( الأقلية )عن اعداءه (الأكثرية )، وتتحول القاعدة الجماهيرية العريضة التي هي الأغلبية الساحقة ، الى عدو للشعب ( الأقلية )، بينما تصير القلة القليلة المساندة للدول البوليسية هي الشعب ، الذي تتخذ القرارات والمراسيم ، وترسم السياسات لصالحه ، والذي تنظمه الدولة البوليسية ، وتعبئه من حولها ، وتتيح له ( حرية الحركة ) الاجتماعية . .
إن هذه الأنظمة المنغلقة التي تنعدم فيها الديمقراطية ، لا يكفيها تمييع مفهوم الشعب فقط ، بل من خلال هذا التمييع ، يتم تمييع مفهوم الديمقراطية ، لتصبح ديمقراطية اشخاص تسمى باسمهم ( الديمقراطية الحسنية ، الديمقراطية المحمدية ) ، وليس الديمقراطية بمفهومها الكوني المتعارف عليه عالميا وامميا .
لقد غدت الديمقراطية في هكذا أنظمة ، عبارة عن اجراء تقوم به الدولة بخبرائها البوليسيين ، لتعزيز طابعها ( الشعبي ) ، أي الأقلية ، وكل عمل تقوم به لإحكام قبضتها على الشعب ( الأغلبية ) ، يمر عبر قنوات شكلية للتمثيل كما هو ملاحظ اليوم .
إذا كان في الديمقراطية الحقيقية التمثيلية ، ان الشعب يختار ممثليه الى مختلف الهيئات ، لينوبوا عنه في مراقبة عمل الدولة ، او الاشتراك في رسم هذه او تلك من سياساتها ، فانه في ديمقراطية الأشخاص ، فان الدولة هي من تسمي ممثلين عن الشعب الذي ترغمه أجهزتها البوليسية على اختيارهم ، كي يحرم من إمكانية مراقبة عملها ، او الاشتراك في رسم هذه او تلك من سياساتها . ويكون هؤلاء الممثلون في الغالب من أوساط شعب الدولة ( الأقلية ) . فإذا حدث وكانت هناك قوى سياسية معارضة ، فان مهمة الديمقراطية تصبح تزوير إرادة الشعب ، كي ينجح ( ممثلو شعب الدولة ) بدلا عن ممثليه الحقيقيين .
ان هذه الديمقراطية ، ديمقراطية الأشخاص ، تقنع بدورها كجهاز مهمته هي تنفيذ سياسة الدولة ، لإرضاء الحاكم بأمر الله ، لا بإمر الشعب ، وارضاء الكمشة البوليسية الضيقة المحيط به ، والتي توجهه بما يضمن مصالحها الشخصية والذاتية المتناقضة مع مصالح الشعب الأغلبية . وهو ما يجعل البلد معرضا لكل القلاقل ، والتهديدات ، والاضطرابات ،والهزات التي لا ولن تتوقف ، طالما ان الوضع على ما هو عليه .
ان عمل المؤسسات التمثيلية في ديمقراطية الأشخاص المسماة باسمهم ، هي الموافقة على خطط الحاكم بأمر الله ، والزمرة الكمشة المحيط به ، التي تنافقه وتزين له واقع ينطق بخلاف ما يصور له من مشاهد اجتماعية مزرية ناطقة بما فيها .
من هنا يتحول هذا ( النشاط الديمقراطي ) الى قيد على الشعب ، الأغلبية المطلقة ، فيغلق امامه إمكانات التحرك السياسي والاجتماعي الحقيقي ، ويزور ارادته ، لان اجهزته ليست سوى ملحقات بأجهزة الدولة البوليسية ، وليست ناجمة عن اختيار حر طوعي تقوم به الإرادة الشعبية الحقيقية .
فإذا ما اخذنا بعين الاعتبار الصلاحيات والسلطات المطلقة لأجهزة الدولة البوليسية المختلفة ، والصلاحيات الضيقة لهذه المؤسسات التمثيلية( البرلمان ) ، ادركنا ان الهامش الشكلي المتاح لها ، لا قيمة له في الواقع ، لان وظيفتها هي إقرار ما هو مقرر سلفا ، ولا سلطة لها حتى على تنفيذ ما تقرره . انها بهذا المعنى ، ليست سوى محطة من محطات عمل أجهزة الدولة الاستخباراتية ، الهدف منها تسهيل سير عملها ، وليس مراقبتها او كبح جماحها .
ان الدولة البوليسية ، دولة الشخص ، الذي مكّن ، وقدم الدولة والشعب على طبق من ذهب ، للشلة الزمرة ، والكمشة المتسلطة بمباركة الحاكم بأمر الله ، معتقدا ومتوهما انها تحميه ، وتحمي مصالحه الاقتصادية ، وفي ظروف غياب ، او قمع الجمهور الشعبي الحقيقي المنظم ، وإحكام الرقابة التامة ، رقابة الكمشة الزمرة على المجتمع ، تتحول هذه الدولة البوليسية من آلة تسيير المصالح العامة ، الى تحالف قطاع الطرق تجمعهم مصالحهم الخاصة ، وتبرز بداخلها مراكز للقوى ، تضع نفسها فوق القانون ، والنظام ، والمصلحة العامة ، وتطور آليات عمل جديدة ، وفق الهدف الذي تسعى اليه ، وهو ربط استمرارها من عدمه برضا الحاكم بأمر الله عليها ، وربطه بمواصفات النشاط الذي تقوم به ،ه ، والقطاع الاجتماعي او السياسي الذي تنشط بداخله .
هكذا يصبح في الدولة البوليسية ، التي تتكون من عدة أجهزة بوليسية بسبب الفوبيا ، والاضطراب النفسي الذي يحيل الى أزمات أسر عاقبها التاريخ وعاقبتها الشعوب ، ان يصبح لكل جهاز قمعي فاشي رئيس فوق القانون يشبه سلوكه ، وأسلوب تفكيره ، وبشكل اصطناعي ، سلوك وتفكير زعيم البلاد ، فتكون صلاحياته مطلقة ، لا تخضع لأي رقابة من تحت ، فيتحول جهازه او مؤسسته ،الى اقطاع شخصي له ، يفعل به ما شاء ، إذا كان ذلك لا يتعارض تعارضا جذريا ، مع مصالح زعماء الزمر والشلة الأقوى في القطاعات والمؤسسات الأخرى . فيسقط مفهوم الدولة ودورها ، وينهار النظام العام ، وتصبح الجماهير والشعب فريسة لكل أنواع النهب والامتهان ، وتتعرض لسائر ضروب الذل والقمع والافقار .
ففي وضع كهذا تنهار قيم العمل والإنتاج ، ويتدهور الاقتصاد الوطني ، ويسد افق المستقبل في وجه الأجيال الصاعدة ، وتشرع المشاكل الاجتماعية في كسب طابع جديد يمزق وحدة المجتمع ، بدل ان يطورها ، ويرسخ وجود الدولة بدل ان يهدده ، وترتد الجماهير والشعب عن الهموم السياسية العامة ، الى هموم ذات طابع يومي عارض ، او ذات طابع اقتصادي عفوي ، فتضيع اللحمة بين الطبقات والفئات المحرومة ، في حين يرتع حزب الدولة ( الأجهزة البوليسية الفاشية ، الشرطة ، الدرك ، الجيش ، السلطة .....لخ ) في بحر من البحبوحة و ( الديمقراطية ) ، تاركا للشعب العادي ، الأكثرية الحقيقية ، الخوف على لقمة الخبز ، وعلى المصير الشخصي غير المضمون ، وعلى المستقبل اللاّمستقبل .
إذن السؤال الذي نطرح على مستشار الملك السيد عباس الجراري الآن . هل عرفت العنوان الحقيقي الذي كان عليك ان توجه له التأنيب والمسؤولية عمّا يجري اليوم بالمغرب ؟ ومن المسؤول عن قتل الأحزاب ، والنقابات ، والجمعيات الجادة ؟ ومن المسؤول عن قتل المثقفين الذي حوّلهم الى لاهتين وراء فتاة مائدة إفطار السلطة ؟ ومن قتل الديمقراطية – الحكومة – الانتخابات ؟ ومن المسؤول عن ادخال الناس بمحاضر بوليسية مزورة الى السجن ؟
فهل عرفت الآن العنوان ؟

( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع